نهض صباحا متعبا بعد عناء  يوم الأمس مع التلاميذ و المدير و المفتش و الوزير.....
   تناول فطوره على وجه السرعة و انطلق كالبرق ليركب في حافلة.. لم تأت أي حافلة  ، اضطر إلى أن يمشي على رجليه ، طبعا لأنه لا يملك سيارة ، مشى بخطوات متسارعة لكي لا يصل متأخرا فيخصم المدير من راتبه الذي هو في الأصل يثير الشفقة ، مر على جماعة من الناس ألقى التحية  ، و ما إن ابتعد خطوات حتى بدأ الغمز و اللمز و التعريض و السخرية : انظر إليه ،  انظر لمعطفه البالي ، انظر لمحفظته المهترئة ، انظر لجسده الهزيل .....
   يصل متأخرا 10 دقائق فيجد المدير في الاستقبال متجهما و يسمعه شيئا من التعنيف ، ثم يأمر سكرتيره باتخاذ الإجراءات اللازمة لخصم هذا اليوم ، يذهب إلى قاعة الأساتذة بسرعة ، يلبس المئزر و لا ينتبه لأحد الأزرار التي أقفلها ....
   ذهب إلى القسم مسرعا فوجد التلاميذ لا يزالون يتسكعون في الساحة 
   و الأروقة ، ينتظرهم واحدا واحدا (ممنوع الطرد ) ثم يدخلون كالنحل : ضحك ، شغب ...لا يفرقون بين حجرة القسم أو السوق ، يقف المعلم وقفة حازمة : فلان اجلس ، فلانة انتبهي ، فلان اخرج كتابك ، فلانة أين الكراس ، فلان اسكت ... و هكذا يمضي نصف الوقت ، ثم يبدأ الدرس فيجد التلاميذ يتغامزون بخبث و ينظرون إليه ، ماذا هناك ؟ آه لم ينتبه للزر ...
   طبعا ستكون نكتة اليوم بل ربما القرن و سيسمع بها الجزار و البقال 
   يطرح سؤالا ، لا مجيب بل الصمت يخيم ، يجيب هو ، و يسأل من يكتب على السبورة فتجد القسم كله قام للكتابة ..
   يشرح ، لا أحد يسمع ، اكتبوا ، الكل يكتب و يخشى أن تفوته كلمة واحدة ، طبعا فالعلم في الكراس و ليس في الراس
   دق الجرس ، يخرج فيجد المدير أمامه ، لماذا خرجت لم يدق الجرس بعد
   آه لقد فعلها بعض الخبثاء و سجلوا الجرس في هواتفهم النقالة ...
   و قبل أن ينصرف أعطاه أوراقا بعدد الرمال : هذه تملأ و الأخرى توقع و الثالثة تقدم للمفتش ...
   هكذا تمر الساعات ثقيلة ، فما إن ينتهي الدوام حتى يكون قد قضي عليه
   في طريقه إلى المنزل ، يحمل محفظة تكاد تنفجر من الأوراق و الكتب 
   يمشي وراءه تلاميذ و يبدؤون في الغمز و تتعالى الضحكات ..
   يمر على مكتبة ، يشتري الجريدة ، ماذا فيها عنوان بالبنط العريض زيادات معتبرة في أجور المعلم ....
   يا إلهي هذا ما ينقصه ...سارع الخطوات و إذ بأحدهم يناديه يا فلان مبروك الزيادة من مثلكم ؟ 
   يرد بابتسامة باردة ، يتذكر أن بعض الأغراض يريد شراءها ، دخل الدكان ، كم العدس ؟ 150 دج و كم السكر 90 دج ... يا إلهي لماذا ؟ يجيب البقال ولم تتعجب لقد زادوكم في الشهرية ....
   يصل إلى المنزل منهك القوى ، يرمي المحفظة جانبا ، يأتي أولاده ، أبي أريد كذا ، أبي أخي فعل كذا ... لا يتمالك أعصابه فينهرهم بدل أن يحضنهم ، أجل يعطي كامل أوقاته لأولاد الناس و أولاده لا ...
   يتناول غذاءه المتواضع ثم ينام ، و سرعان ما ينهض مذعورا : يا إلهي حتى في منامه يلاحقه الوزير بتقدم البرامج و المدير و التلاميذ...
   ينهض و يقصد محفظته و يخرج منها عشرات الأوراق ليصححها 
   جاء الليل مسرعا ... تناول العشاء ثم نام في انتظار يوم روتيني جديد ..