المبحث الثالث : فسخ العقد بحكم القانون
سبق وأن بينا أن عدم التنفيذ الذي يرجع إلى المدين نفسه يؤدي إلى فسخ العقد، وبقي أن نعرف ما مصير العقد حين لا يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المدين، وإنما يرجع إلى السبب الأجنبي؟
وهي الحالة التي عالجتها المادة 121 من القانون المدني بقولها «أنه في العقود الملزمة للجانبين، إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه، انقضت معه الالتزامات المقابلة له، ويفسخ العقد بحكم القانون».
وسنبحث ذلك من خلال التطرق لتعريف الفسخ بحكم القانون وشروطه في مطلب أول، وسلطة كل من القاضي، الدائن، المدين بالنسبة لهذا النوع من الفسخ في مطلب ثان ونبين على من تقع تبعة الهلاك في مطلب ثالث، أما المطلب الأخير فنبرز فيه الفروق التي يمتاز بها الفسخ بحكم القانون عن الفسخ القضائي والفسخ الاتفاقي.
المطلب الأول: تعريف فسخ العقد بحكم القانون وشروطه
أولا : تعريفــه
يعرف الفسخ بحكم القانون بأنه: انحلال العقد التبادلي بقوة القانون تبعا لانقضاء الالتزام لسبب أجنبي.
وبهذا الصدد تنص المادة المادة 121 من القانون المدني على ما يلي «في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضي التزام بسبب تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد بحكم القانون»
طبقا لهذا النص، نجد أن المشروع الجزائري، قد وضع قاعدة عامة ينحل فيها العقد في جميع الحالات التي لا ينفذ فيها، لسبب لا يد للمدين فيه، ويجب أن يصبح التنفيذ بالنسبة إليه مستحيلا.
والمقصود بالاستحالة هنا، هي الاستحالة المطلقة، التي لا يمكن توقعها ولا مقاومتها، كالقوة القاهرة، وما في حكمها، أما إذا كانت الاستحالة المانعة من تنفيذ العقد من فعل المدين، فإن حكم المادة 121 لا ينطبق لأن القصد من هذه المادة هو السبب الأجنبي فقط.
وحتى ينحل العقد بقوة القانون وبالتالي زوال الالتزامات التي عليه لا بد من توافر شروط معينة يمكن تعدادها كما يلي:
ثانيا : شروطــه
يجب أن تكون الاستحالة التي أدت إلى عدم التنفيذ قد نشأت بعد إتمام إبرام العقد الذي هو محل الفسخ، أما إذا كانت الاستحالة قد نشأت قبل إبرامه فإننا لا نكون أمام انفساخ، إذ لا يكون هناك وجود للعقد إطلاقا إذ أنه يقع باطلا لاستحالة محله
يجب أن تكون الاستحالة شاملة، أي شاملة لجميع الالتزامات الناشئة عن العقد، أما إذا كانت عبارة عن إرهاق، أو انصبت على جزء العقد فإنها لا تؤثر على بقية الأجزاء الأخرى، وبالتالي فإن العقد يبقى قائما، ولا يقع الانفساخ، وغاية ما في الأمر أن للدائن الحق في مثل هذه الحالة أن يطالب بفسخ العقد وفقا للقواعد العامة الواردة في نص 119 السابق ذكرها.
يجب أن تكون استحالة التنفيذ راجعة إلى تدخل السبب الأجنبي، وأن يكون المدين قد قام بعمل ما في وسعه لتفادي وقوعها، وبمجرد تحقق هذا الشرط ينفسخ العقد بقوة القانون، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت الاستحالة مادية، أو قانونية
وإذا كان الأمر على هذا النحو فما هو دور كل من القاضي المرفوع إليه النزاع والدائن والمدين باعتبارهما طرفي العقد في إيقاع الفسخ.
هذا ما سنبحثه في المطلب الآتي:
المطلب الثاني : مدى سلطة القاضي، الدائن، والمدين في إيقاع الفسخ
أولا : بالنسبـة للقاضـي
لا سبيل لتدخل القاضي في فسخ العقد الذي يقع بحكم القانون بمجرد تحقق الشروط السابقة الذكر، غير أنه قد يقوم نزاع بين المتعاقدين بشأن تحقق الاستحالة أو عدم تحققها. مما يجعل اللجوء إلى القاضي ضرورة حتمية للفصل في النزاع بما له من سلطة في هذا المجال، غير أن السلطة في مجال الانفساخ ليست هي ذات السلطة التي يتمتع بها في مجال الفسخ القضائي إذ يجب ألا تتجاوز في هذه الحالة التحقق من وقوع الاستحالة أو عدم وقوعها. فدور القاضي في مجال فسخ العقد بقوة القانون محدود للغاية، ذلك أن حل الرابطة التعاقدية عن طريق الانفساخ لا يحتاج الأمر فيه إلى صدور حكم قضائي، ولا إلى منح مهلة للمدين، والحكم الذي يصدر في هذه الحالة يقرر الفسخ لا ينشئه.
ثانيا : بالنسبـة للدائـن
إن الاستحالة التي يتطلبها الانفساخ تكون في جانب المدين، وتؤدي إلى انقضاء الالتزامات التي في جانبه، وتنقضي تبعا لها الالتزامات المقابلة، وعليه ينفسخ العقد بقوة القانون.
وعلى هذا الأساس بما أن رفع الأمر، إلى القاضي وتدخله لا يغير في الأمر شيئا، فإن الدائن ليس مضطرا إلى القيام بإعذار المدين ما دام العقد لم يعد قائما، ويترتب على ذلك أن حق الدائن في الخيار بين طلب التنفيذ والفسخ لم يعد له مجال لأن العقد ينحل بقوة القانون عند استحالة تنفيذه من طرف المدين
وإذا كانت سلطة الدائن في الانفساخ محدودة جدا، فإنه يستطيع منازعة المدين في مسألة تحقق الاستحالة أو عدم تحققها.
ثالثا : بالنسبـة للمديـن
بالرجوع إلى نص المادة 106 من القانون المدني التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي يفترض في المدين أنه سوف يقوم بتنفيذ العقود بكامل بنوده طبقا لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.
غير أنه إذا تحقق السبب الأجنبي، فإن المدين سيصطدم بواقعة استحالة التنفيذ وبالتالي ينحل العقد بقوة القانون، وتنقضي فيها الالتزامات والالتزامات المقابلة. لأن المدين في هذه الحالة لا يمكنه أن يتفادى إيقاع الانفساخ، بل إن انحلال الرابطة التعاقدية يقع رغم أنه قد لا يكون راغبا فيه.
المطلب الثالث : تحمل تبعة فسخ العقد بحكم القانون.
في العقود الملزمة للجانبين، بما أن الالتزامات متقابلة في وجودها، فإذا استحال تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب لا يد له فيه انفسخ العقد وتحمل المدين بهذا الالتزام التبعة، فهو لا يد له في استحالة التنفيذ لأن الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي، ومع ذلك لا يستطيع أن يطالب الدائن بتنفيذ الالتزام المقابل، فالخسارة في نهاية الأمر تقع عليه وهو الذي يتحملها، وهذا هو مبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين ولو أن العقد كان ملزما لجانب واحد، كالوديعة غير المأجورة، واستحال تنفيذ التزام المودع عنده لسبب أجنبي، بأن هلك الشيء في يده بقوة قاهرة فاستحال عليه رده إلى المودع، فإن الذي يتحمل التبعة هو الدائن لا المدين والسبب في ذلك واضح، إذ الدائن -المودع- ليس في ذمته التزام يتحلل منه في مقابل تحلل المدين -المودع عنده- من التزامه، فالدائن هو الذي يتحمل الخسارة في آخر الأمر وبالتالي تبعة هذه الاستحالة.
فيمكن القول إذن بوجه عام أن المدين هو الذي يتحمل التبعة، في العقود الملزمة للجانبين، والدائن هو الذي يتحملها في العقود الملزمة لجانب واحد.
المطلب الرابع : تمييز فسخ العقد بحكم القانون عن الفسخ القضائي والاتفاقي.
يختلف الفسخ الذي يحدث نتيجة لاستحالة التنفيذ عن الفسخ الذي يكون سببه عدم تنفيذ المدين لالتزامه من عدة نواح، رغم أن المتعاقد الدائن يتحلل من التزاماته في الحالتين وذلك فيما يلي :
من حيث الحكم القضائي:
تبين لنا أنه لا حاجة إلى حكم قضائي لإيقاع الانفساخ عندما يستحيل التنفيذ على المدين بسبب تدخل السبب الأجنبي، لأن انحلال العقد في مثل هذه الحالة يقع بحكم القانون، وإذا حدث نزاع بين الطرفين وأصدر القاضي حكما يقضي بالفسخ فما ذلك إلا حكم كاشف للفسخ الذي يكون قد وقع من قبل، وهو من هذه الناحية يقترب من فسخ العقد بإرادة الدائن المنفردة بناء على اتفاق سابق، ولكنه يختلف عنه بأن الفسخ الاتفاقي لا يتم إلا بناء على إعلان الدائن رغبته في حل الرابطة التعاقدية، في حين أن الفسخ بحكم القانون لا دخل لإرادته في ذلك، بل يقع ولو لم يرض به
من حيث الإعذار:
لا محل في مجال فسخ العقد بحكم القانون إلى قيام الدائن باتخاذ إجراء الإعذار الذي تحدثنا عنه في كل من الفسخ القضائي والاتفاقي، والذي لا بد منه فيهما معا، طبقا لنص المادتين 119، 120 من القانون المدني الجزائري ويعود إعفاء الدائن من الاعذار في الانفساخ، إلى أن التنفيذ لم يعد ممكنا وبالتالي تنتفي الحكمة من مطالبة الدائن به
من حيث التعويض:
قد يتضرر الدائن في مجال الانفساخ، من استحالة التنفيذ، ومع ذلك فليس له الحق في المطالبة بالتعويض، لأن السبب الذي أدى إلى عدم التنفيذ لا يرجع إلى تقصير المدين، في حين أنه يجوز للدائن، إلى جانب فسخ العقد قضائيا أو اتفاقيا، الحصول على التعويض إذا كان هنا مقتضى لذلك.