يعتبر العقد من أهم مصادر الالتزام، فأغلبية المعاملات التي تربط الفرد مع غيره، مصدرها العقد، هذا الأخير لا بد له من أركان لانعقاده وشروط لصحته، فإذا انعقد العقد صحيحا بجميع أركانه وتوفرت فيه شروط الصحة، فالأصل فيه أنه يلزم عاقديه بكل ما يجيء فيه، فهو يتضمن قوة تحتم على طرفيه الرضوخ والإذعان له في كل ما يحتويه، وفي حدود تنظم العلاقات التي يحكمها القانون، فلا يستطيع أحدهما أن يستقل بنقضه ولا بتعديله، ما لم يصرح له القانون أو الاتفاق بذلك ويطلق على هذا بالقوة الملزمة للعقد.
غير أنه قد يخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية، أو تحدث ظروف تجعل التزامه بالتنفيذ مستحيلا، وما دامت الالتزامات في العقد الملزم للجانبين متقاولة ومرتبطة ببعضها البعض بحيث يكون كل متعاقد دائن ومدين في نفس الوقت، فإن المتعاقد الآخر يكون في وضع يدعو إلى القلق وعدم الارتياح من الناحية القانونية والعملية معا، فمن الناحية القانونية يجد نفسه ملتزما نحو الطرف الآخر بسبب أن العقد لا يزال قائما، أما من الناحية العملية لا يستطيع الحصول على الأداء الذي التزم من أجله.
وأمام هذا ا لموقف الذي تتسم به العقود الملزمة للجانبين دون غيرها نجد أن القانون المدني الجزائري كغيره قد خص هذه الفئة بقواعد خاصة، جعل فيها للمتعاقد الدائن حق التحلل من التزاماته التعاقدية في مواجهة المدين المقصر في تنفيذ التزاماته، وذلك في المواد 119 إلى المادة 122 عن طريق فسخ العقد.
ولما كانت لنا رغبة في الوقوف على حقيقة الفسخ كنظام قانوني اخترناه للدراسة، التي استهدفنا من خلالها إزالة اللبس والغموض عن هذا الموضوع كونه ميدان مهم بالنسبة للقاضي والمتقاضي، خاصة وأن أغلبية المتقاضين عندما يصطدمون بعدم تنفيذ العقد يبحثون عن أي ثغرة لإبطاله متجاهلين فسخ العقد رغم ما يتسم به من حلول منطقية.
وانطلاقا من ذلك يمكن طرح الإشكالية التالية : ما هي أحكام الفسخ في القانون المدني الجزائري؟.
هذه الإشكالية تدفعنا للتساؤل عن مفهوم الفسخ ومبرراته؟ وإن كان للفسخ نوع واحد؟ وما هي سلطة القاضي التقديرية في إيقاع الفسخ وهل تختلف باختلاف أنواع الفسخ؟ وما هي الآثار التي يرتبها الفسخ؟.
للإجابة على هذه الإشكالات ولدراسة موضوع البحث اتبعنا عدة مناهج منها المنهج التحليلي عند دراسة المواد القانونية، والمنهج الوصفي الذي استخدمناه عند عرضنا للتطور التاريخي وبعض التعاريف وكذا الآراء الفقهية بالإضافة إلى المنهج الاستدلالي الذي أكدنا به بعض المعلومات.
ونشير في هذا الصدد إلى الصعوبات التي واجهتنا والتي كان أبرزها، ندرة التأليف في الموضوع إذا وجدناه نجده كعنوان في النظرية العامة للالتزام، قد لا تتجاوز بعض الصفحات، ولا نبالغ إن قلنا أن الوحيد الذي كتب في هذا الموضوع في الجزائر هو الأستاذ عبد الكريم بلعيور، مما جعلنا نعتمد في غالب الأحيان على مراجع عامة.
وقد حاولنا قدر الإمكان التغلب على هذه الصعوبات، وفي سبيل تحقيق ذلك قسمنا الكلام في هذا الموضوع إلى ثلاثة فصول على النحو التالي :
الفصل الأول تتطرقنا فيه إلى ماهية الفسخ وتمييزه عن الأنظمة المشابهة، أما الفصل الثاني فتتطرقنا فيه لمختلف أنواع الفسخ حسب ترتيب ورودها في القانون المدني الجزائري.
وقد تم عرض آثار الفسخ في فصل ثالث سواء بالنسبة للمتعاقدين أو الغير.
وفي الأخير خلصنا إلى خاتمة بحثنا هذا والتي تتضمن النتائج المتوصل إليها من خلال هذه الدراسة وبعض الاقتراحات.
فصل تمهيدي : ماهية الفسخ وتمييزه عن الأنظمة المشابهة
ارتأينا قبل دراسة موضوع الفسخ والغوص في المسائل القانونية التي يطرحها، أن نتطرق إلى ماهيته من خلال مفهومه وتمييزه عن الأنظمة المشابهة، وذلك حتى نمهد للموضوع فتسهل علينا دراسته، ويكون فهمه أسرع لذلك سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في الأول ماهية الفسخ وفي الثاني تمييزه عن الأنظمة المتشابهة.
المبحث الأول : ماهية الفسخ
إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن عند دراسة هذا الموضوع هو ما المقصود بالفسخ؟ لذا وجب علينا تعريفه قبل البدء في دراسته، كما علينا أن نعرف هل الفسخ الذي أصبح اليوم أمرا مسلما به في أغلب التشريعات الحديثة، كان على هذا النحو من الوضوح في الأنظمة القانونية القديمة؟ وما هو الأساس الذي اعتمد عليه لتبرير فسخ العقد؟
كل نقطة من هذه النقاط سنخصص لها مطالبا للإجابة عليها كالأتي :
المطلب الأول : تعريف الفسخ
فسخ العقد هو حل الرابطة العقدية بناء على طلب أحد طرفي العقد إذا أخل الطرف الآخر بالتزامه، فالفسخ جزاء إخلال العاقد بالتزامه ليتحرر العاقد الآخر نهائيا، من الالتزامات التي يفرضها عليه العقد
ويعرف أيضا بأنه : حق المتعاقد في حل الرابطة العقدية إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه، حتى يتحرر بدوره من الالتزامات التي تحملها بموجب العقد محل الفسخ.
كما يعرف بأنه جزاء يترتب على امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ ما التزم به.
وفي تعريف آخر : هو حق كل عاقد في العقد الملزم للجانبين، في أن يطلب متى لم يقم العاقد الآخر بتنفيذ التزامه، حل الرابطة العقدية وزوال آثارها بأثر رجعي، فيتخلص من الالتزامات التي فرضتها عليه
التطور التاريخي للفسخ
لم يكن الفسخ نظاما طبيعيا مسلما به في القانون الروماني. وذلك لأن العقد الملزم للجانبين لم يكن ينشأ وفقا للقانون الروماني إلا التزامات مستقل بعضها عن بعض، لا تقابل بينها ولا ترابط، فلم يكن لدى الدائن بالتزام لم ينفذ إلا طريق واحد هو المطالبة بتنفيذ هذا الالتزام.
ولما تطور القانون الروماني وأصبح عقد البيع رضائيا أخذ البائعون يدرجون في عقودهم شرطا مقتضاه إمكان فسخ البيع عند عدم دفع المشتري الثمن، وكانت هذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الفسخ، وكان لا بد من النص على ذلك في عقد البيع صراحة فكان يتعين أن ينص في عقد البيع على أن البيع سيفسخ عند عدم دفع المشتري الثمن.
ثم لم يلبث هذا الشرط أن أصبح مألوفا ولكن في عقود البيع فقط ولمصلحة البائعين وحدهم، فلم يكن يجوز للمشتري أن يتمسك به عند قيام البائع بتنفيذ التزامه أي بتسليم المبيع وفي العقود الأخرى غير عقد البيع، كان الرومان يلجؤون إلى نظام الدعاوى، وأهمها دعوى استرداد أداء نفذ بقصد الحصول على أداء مقابل لم ينفذ، وكانت كل هذه وسائل غير مباشرة تدل على أنه لم يكن في القانون الروماني نظرية عامة بالفسخ.
وفي فرنسا في مرحلة أولى فسخ عقد البيع لعدم دفع الثمن لا يجوز إلا إذا اشترط في البيع صراحة إمكان الفسخ بسبب عدم دفع الثمن، بحيث لا يكون للدائن عند عدم وجود هذا الاشتراط إلا طريق واحد وهو المطالبة بتنفيذ العقد.
ولما كان هذا الاعتبار، مصدر مساوئ عديدة فكر الفقهاء في أنه يمكن الاستناد إلى الإرادة المفترضة لجعل الفسخ ممكن عند تنفيذ أحد الأداءين المتقابلين.
ويمكن القول بأن رجال الكنيسة هم الذين عملوا على إنشاء نظرية الفسخ باعتبارها امتداد لنظرية الدفع بعد التنفيذ واستندوا في تبرير الفسخ إلى مبدأ هو أنه لا يراعى عهد من لم يراع عهده
وفي القانون الفرنسي القديم، أصبح الفسخ ساريا على جميع العقود الملزمة للجانبين، ومن حق كل من المتعاقدين أن يلجأ إليه عند عدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزامه.
واتخذ الفسخ طابعا قضائيا. فكان يجوز للدائن في حالة التزام لم ينفذ، أن يطلب إلى القاضي الحكم بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه، ولو لم يكن قد اشترط في العقد صراحة إمكان فسخ العقد بسبب عدم التنفيذ.
وفي قانون نابليون أخذ بنظرية الفسخ وأقامها على أساس الشرط الفاسخ الضمني، فوضع المادة 1184 المتعلقة بالفسخ بعد النص الذي يعرف الشرط الفاسخ بالقول بأن الشرط الفاسخ يكون دائما مضمرا في العقود الملزمة للجانبين
وهكذا أصبح الفسخ نظاما معترف به ونصت عليه تقريبا جميع التشريعات العالمية ومنها القانون المدني الجزائري في مواده من 119 إلى 122.
المطلب الثالث : الأساس القانوني للفسخ
تضاربت الآراء وتباينت بشأن الأساس القانوني للفسخ، فهناك من يرى أن الشرط الفاسخ الصريح هو الأساس الذي يقوم عليه الفسخ؛ ومقتضى ذلك أنه لكي يكون هناك محل للفسخ، يجب أن يتضمن العقد بندا صريحا على أنه إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، جاز للطرف الآخر أن يفسخ العقد الذي يربطه به. أما الحالات الأخرى التي لا يوضع فيها شرط صريح لفسخ العقد فليس فيها محل للفسخ، ولم يكن للدائن الحق في المطالبة بفسخ العقد بأي حال من الأحوال.
فطبقا لأصحاب هذا الرأي فإن الشرط الفاسخ الصريح ينشئ سلطة الفسخ لمصلحة أحد المتعاقدين يستعملها وفقا لتقديره، وبإرادته المنفردة.
وقد انتقدت فكرة الشرط الفاسخ الصريح لتكون كأساس لفسخ العقد على أساس أنه إذا سلمنا بأن أساس الفسخ هو الشرط الفاسخ الصريح، فمعنى ذلك أن مجرد تحققه يفسخ العقد بقوة القانون، في حين أن القانون الحديث، يقتضي بشأن فسخ العقد، صدور حكم قضائي، كقاعدة عامة، وللقاضي سلطة تقديرية في فسخ العقد أو عدم فسخه
إن تأسيس الفسخ على فكرة الشرط الفاسخ الصريح، يعني أن العقود التي لا تتضمن بندا صريحا به، لا يجوز فسخها إذا تخلف أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه، في حين أننا نجد القانون الحديث بصفة عامة، والقانون المدني الجزائري بصفة خاصة، يقضي بجواز فسخ العقد، ولو لم يكن في العقود شرط فاسخ صريح. وبناء على ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الفكرة كأساس للفسخ لأن مفهومه يتجاوز ذلك ليشمل العقود التي لا تتضمن شرطا صريحا للفسخ، وبذلك ظهرت فكرة الشرط الفاسخ الضمني، ووفقا لهذه الفكرة فإن العقود الملزمة للجانبين بجميع أنواعها، يجوز فسخها عندما يتخلف أحد الطرفين فيها عن تنفيذ التزاماته، لا على أساس أن المتعاقدين قد ضمنا العقد شرطا صريحا يقضي بذلك، كما هو الشأن بالنسبة إلى الشرط الفاسخ الصريح، بل على أساس افتراض أن المتعاقدين قد ضمنا اتفاقهما شرطا يقضي بفسخ العقد، إذا لم يقم أحدهما بتنفيذ التزاماته.
وانطلاقا من ذلك يحق للدائن أن يطالب بفسخ العقد عند عدم التنفيذ من المتعاقد الآخر، ولو لم يتضمن العقد شرطا صريحا بالفسخ.
غير أن فكرة الشرط الفاسخ الضمني، وجهت لها انتقادات، تجعلها لا تصلح لتأسيس الفسخ عليها نذكر منها :
أنه لو سلمنا بها كأساس للفسخ، فمعنى ذلك أن تحقق هذا الشرط كاف لإيقاع الفسخ، دون تدخل من القاضي، وإذا تدخل، فإن تدخله يكون للتأكد من أن العقد يتضمن مثل هذا الشرط فقط. في حين أن القوانين الحديثة بصفة عامة، والقانون المدني الجزائري بصفة خاصة، تعطي للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ أو رفضه، وتتسع هذه السلطة أو تضيق حسب نوع الفسخ المعروض عليه.
كما أن تأسيس الفسخ على هذا الشرط، يعني حرمان الدائن من العدول عن طلب الفسخ، بعد تحقق الشرط الفاسخ الضمني ذلك أن العقد في هذه الحالة يكون قد انحل، والعدول لا يكون ولا فائدة منه إلا في حالة وجوده، في حين أن الوضع في القانون الحديث، يقضي بغير ذلك، فليس هناك ما يمنع الدائن من العدول عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ، مادام الحكم القضائي لم يصر نهائيا.
وأمام هذه العيوب والانتقادات، هجر الفقه الحديث تأسيس الفسخ على الشرط سواء كان صريحا أو ضمنيا، وظهرت نظرية السبب والتي مفادها : أن السبب في العقود الملزمة للجانبين، أن التزام كل متعاقد سبب الالتزام المتعاقد الآخر، ففي مجال عقد البيع، يكون سبب التزام البائع بنقل الملكية وتسليم المبيع، هو سبب التزام المشتري بدفع الثمن، وسبب التزام هذا الأخير بدفع الثمن هو سبب التزام البائع بنقل الملكية وتسليم المبيع، وما قيل بشأن عقد البيع، يصح بالنسبة إلى جميع العقود الملزمة للجانبين.
لذلك فإن عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته، يجعل الطرف الآخر ملتزما دون سبب، الأمر الذي يخول له أن يطالب بالتحلل من الرابطة التعاقدية عن طريق فسخ العقد.
غير أن تأسيس نظرية الفسخ على فكرة السبب، فكرة منتقدة من عدة جوانب قانونية ذلك أن المنطق القانوني يقضي عند تخلف السبب، بأن يكون الجزاء الذي يترتب على ذلك، هو بطلان العقد وليس فسخه، ومن ثم فليس للقاضي سلطة تقديرية، بحيث لا يجوز له رفض طلب البطلان، في حين أن القانون المدني الجزائري في المادة 119 تعطي للقاضي سلطة تصل إلى درجة الرفض إذا ما قدم إليه طلب بشأن فسخ عقد من العقود
إضافة إلى ذلك فإن الأخذ بفكرة السبب أساسا للفسخ، يضيق من تطبيق نظرية الفسخ ذاتها في بعض الحالات، ذلك أن هناك عقودا لا يكون فيها دائما سبب التزام أحد المتعاقدين هو سبب التزام المتعاقد الآخر.
وقد أدى ذلك إلى الاستغناء عن فكرة السبب كأساس للفسخ، واستبدالها بفكرة ارتباط الالتزامات المتقابلة بين المتعاقدين، ذلك أن طبيعة العقود الملزمة للجانبين تتفق مع فكرة ارتباط الالتزامات كأساس للفسخ، أكثر من غيرها، ذلك أنها بمجرد نشوئها سليمة وصحيحة، تتولد عنها التزامات في كلا الجانبين، ومن ثم لا يمكن الحديث عنها بالنسبة إلى متعاقد دون آخر، وعليه فإذا أخل أحد الطرفين بالتزاماته، وكان ذلك بإرادته، أو استحال عليه التنفيذ لسبب أجنبي، فإن الارتباط الذي يربطه بالمتعاقد الآخر، يصبح من جانب واحد، مما يصح معه القول بأن من حقه أن يطالب بفسخ العقد لأن القانون يحمي المتعاقد الذي نفذ التزامه، أو يكون مستعدا لتنفيذه، من المتعاقد الذي لم يقم بالتزامه أو استحال عليه التنفيذ.
وهكذا فإننا نذهب إلى ما ذهب إليه جانب الفريق الذي نادى بفكرة الارتباط، إنها خير أساس يمكن أن يقوم عليه فسخ العقد.
المبحث الثاني : تمييز الفسخ عن الأنظمة المشابهة
توجد إلى جانب الفسخ أنظمة قانونية أخرى تهدف بطرق مختلفة إلى تحقيق نفس الغاية التي يحققها الفسخ، وهي حماية القوة الملزمة للعقد.
ولما كان الفسخ ليس هو السبيل الوحيد لحل الرابطة التعاقدية لأنه توجد أنظمة أخرى يؤدي تطبيقها إلى انحلال العقد، لذلك رأينا أنه من الضروري استعراض بعض هذه الأنظمة لبيان المجال الذي يختلف فيه الفسخ عنها وذلك على النحو التالي :
المطلب الأول : تمييز الفسخ عن البطلان
البطلان هو الجزاء الذي يترتب على تخلف ركن من أركان العقد وعلى اختلاله بمعنى أن هناك علة صاحبت إبرام العقد. أما الفسخ فهو حل الرابطة العقدية بسبب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه.
وعلى ذلك يظهر لنا أول اختلاف بين الفسخ والبطلان من حيث السبب، إذ يرجع سبب الأول إلى عدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه، ويكون في غالب الأحيان راجعا إلى المدين نفسه أو إلى السبب الأجنبي، أما سبب البطلان فإنه لا يعود إلى عدم التنفيذ، بل يرجع إلى تخلف أحد أركان العقد.
كما يختلف الفسخ عن البطلان في أن الفسخ لا يكون إلا في العقد الملزم للجانبين، بعد أن يكون قد نشأ صحيحا وتترتب عليه كل الآثار القانونية منذ تكوينه، وبالتالي فالعقد قبل أن يرد عليه الفسخ، عقد صحيح في جميع جوانبه، في حين أن البطلان، في جميع صوره يرد على عقود لم تنشأ منذ إبرامها نشأة سليمة فهو معاصر لتكوينها من حيث وجوده.
يضاف إلى ذلك أن مجال تطبيق البطلان أوسع من مجال تطبيق الفسخ المحدد بالعقود الملزمة للجانبين بينما البطلان يجوز تطبيقه بصرف النظر عن كون العقد ملزما للجانبين، أو ملزما لجانب واحد.
ومن ذلك يتضح أنه على الرغم من أن كلا من البطلان والفسخ يؤديان إلى زوال العقد بأثر رجعي، يبقى لكل منهما قواعده، وأحكامه الخاصة.
المطلب الثاني : تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ
يقصد بالدفع بعدم التنفيذ في العقود الملزمة للجانبين، أن يكون لكل متعاقد، إذا ما طالبه المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه، إلى أن يقوم الآخر بما عليه من تعهد، من خلال هذا المفهوم يبدو أن الدفع بعدم التنفيذ وسيلة دفاعية يتخذها المتعاقد لحماية حقوقه، بينما الفسخ يعتبر وسيلة هجومية وتترتب على ذلك فروق جوهرية :
فمن حيث الأثر القانوني إذا تحقق الفسخ فإنه يؤدي إلى حل العقد نهائيا، فيعود المتعاقدان إلى ما كان عليه قبل إبرامه، ولذلك فهو يشمل، كقاعدة عامة، الماضي والمستقبل، بينما نجد الدفع بعدم التنفيذ، ليست له هذه الخطورة من حيث الأثر المترتب عليه، فهو عبارة عن إجراء تأجيلي تتوقف الالتزامات على أثره، ولكنها لا تزول
كما يختلف الدفع بعدم التنفيذ عن الفسخ من حيث سلطة القاضي التقديرية، فالقاعدة العامة التي يعمل بها في مجال فسخ العقد أن الأمر فيه يعرض على القاضي، وهو الذي يقدر الفسخ من عدمه، بينما الوضع على غير ذلك في مجال الدفع بعدم التنفيذ، فالذي يقدره هو المتعاقد، وليس القاضي، ومن ثم فلا حاجة إلى رفع دعوى في هذا الشأن، وإذا عارض المتعاقد الآخر في استعماله، اقتصر دور القاضي على التحقق من شروطه، ثم يقوم بعد ذلك بإقراره أو عدم إقراره.
أما من حيث الإعذار فيختلفان في أنه إذا قام أحد المتعاقدين في العقد الملزم للجانبين بالدفع بعدم التنفيذ، فلا يجوز للطرف الآخر، أن يدعي بأن هذا الدفع غير صحيح، ذلك أن الدفع في حد ذاته يعتبر إعذارا، وفضلا عن ذلك، فإن النصوص القانونية التي نظمت مبدأ الدفع بعدم التنفيذ، لم تشر إلى ضرورة الإعذار، بينما يشترط القانون أن يكون المتعاقد الذي يطلب فسخ العقد قد أعذر مدينه، وهو ما تقضي به المادتان 119، 120 من القانون المدني الجزائري.