منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - دروس في الفلسفة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-25, 12:58   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
بن عرفة
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية بن عرفة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اللغة
o منالدلالات إلى الإشكالية:

تعتبر اللغة في نظر العامة مرادفا للكلام، بالإضافة إلى اعتبارها مجموعة منالكلمات، كل كلمة تقابل شيئا معينا و تدل عليه، لكن إذا قمنا بمقارنة سريعة بين كلمن اللغة و الكلام، سننتهي إلى أن اللغة ليست هي الكلام، فهذا الأخير فردي خاص و هوحدث زماني قابل للزوال و التجدد في حين أن اللغة من حيث هي أصوات و حروف و كلماتتبقى ثابتة و ذات طابع اجتماعي عام. و هكذا يمكن القول أن الكلام شكل من أشكال اللغة و ليست اللغة كلها، ذلك أنالتواصل يمكن أن يتم بأشكال أخرى غير كلامية إلا أنها لا ترقى إلى مستوى التواصلالكلامي.
إن تحديد معنى اللغة يتطلب أيضا الوقوف على الدلالة المعجمية لهذه الكلمة، ففياللسان العربي نجد أنها مشتقة من اللغن و اللغو و تعني الكلام الغير مفيد، أما فيلسان العرب لابن منظور فهي كلمات يعبر بها قوم عن أغراضهم، و يركز ابن منظور علىالبعد التواصلي للغة، و في اللسان الفرنسي نجد كلمة********من اللاتينيةlinguaالتي تعنـي الكـلام و الخطاب، أما الكلمة اليونانيةlogosفلهامعان متعددة كاللسان و الكلام و الخطاب و العقل، و يفهم معناها من خلال السياق الذيوردت فيه.
إن هذه التعاريف تبقى محدودة و غير دقيقة، و لهذا لابد من الوقوف علـى الـدلالةالفلسفية و العلمية للغة.
إذا عدنا إلى المعجم الفلسفي لالاند نجده يحدد معنيين للغة:
المعنى الخاص : هي وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا.
المعنى العام : كل نسق من العلامات يمكن من التواصل.
أما إذا عدنا إلى معجم اللسانيات لاروس فإننا نجده يحدد اللغة: « هي القدرة علىالتواصل بواسطة نسق من العـلامات الصوتية "اللسـان" و هي قـدرة تتطلب وظيفة رمـزيةو مراكز عصبية متخصصة وراثيا ».
نستخلص مما سبق: أن اللغة من حيث هي كلام لا يمكن أن تكون إلا خاصةبالإنسان، فهو الكائن القادر على إنتاج الفكر و التعبير عنه كلاميا.
2إن اللغة تعتمد العلامات و الرموز اللسانية و لا يمكن أنتمارس إلا داخل المجتمع.
3إن اللغة تتطلب مراكز عصبية و هذا يعني أن كل إنسان يكونقادرا مبدئيا على الكـلام و استعمال العلامات و الرموز اللسانية.
إن مفهوم اللغة يتخذ طابعا إشكاليا من خلال ما يتضمنه من مفارقات و تقابلات.
إن اللغة ذاتية و موضوعية فردية و اجتماعية فطرية و مكتسبة، كما أنها أداةلإنتـاج الفكـر و تبليغه في نفس الوقت. من خلال ما سبق يتأسس الطابع الإشكالي لمفهوم اللغة، فهل اللغة ظاهرة خاصةبالإنسان ؟ أم أنها مشتركة بين الإنسان و الحيوان ؟ كيف يتم إنتاج الدلالة و المعنىفي اللغة ؟ و ما الفرق بين العلامة اللسانية و الرمز اللساني ؟ هل تعتبر اللغة عنفكر جاهز أم عن فكـر يتشكـل باستمـرار، و كيف تقوم اللغة بوظيفة التواصل ؟ هل يتمذلك بشكل شفاف و واضح أم أن اللغة ما هي إلا وسيلة للإخفاء و الكتمان ؟.
o اللغةكخاصية إنسانية:

إن التساؤل عما إذا كانت اللغة ظاهـرة خاصة بالإنسـان أم أنها مشتـركة ما بينالإنسـان و الحيوان نابع من ملاحظة بعض المظاهر التواصلية لدى الحيوان، الشيء الذييدفع البعض إلى الاعتقاد بأن هناك لغة خاصة بالحيوانات و لكننا نحن بني البشر لانستطيـع فهمها، و في هذا الإطار يبقى الموقف الفلسفي لديكارت أساسيا و جوهريا فيحسم الخلاف حول هذه الإشكالية.
تحليل نص الكلام خاصية إنسانية لديكارت ص13
أ- أطروحة النص:
إن الموقف الذي يتبناه ديكارت فيما يخص إشكالية هل اللغة خاصية إنسانية أم أنهامشتركة بين الإنسان و الحيوان . هو أن اللغة لا يمكن أن تكون إلا قدرة خاصةبالإنسان، هذه القدرة تتمثل في الكلام المرتبط في التعبير عن الفكر و هذه القدرةتنعدم عند الحيوانات.
هذا الموقف يتأسس على تصور ديكارت لمن هو الإنسان، إن الإنسان يتحدد في نظرديكارت باعتباره جوهرا مفكرا قادرا على إدراك ما يجعل ذاته مختلفة و متميزة عنموجودات العالم الخارجي.

ب- كيف يدافع ديكارت عن الموقف الذي يتبناه ؟اعتمد ديكارت آلية المقارنة بين الإنسان و الحيوان و استخلص من هذه المقارنةمجموعة من الحجج عزز بها موقفه، و تتمثل فيما يلي:
مهما بلغت غباوة الإنسان فإنه يستطيع أن يؤلف كلمات يعبر بها عن (موقفه) أفكارهفي حين مهما بلغ الحيوان درجة عليا في سلم التطور فإنه لا يستطيع أن يفغل ذلك.
يقارن ديكارت بين الببغاء و قدرته على النطق و بين الإنسان، و يلاحظ أن هناكفرقا جوهريا بينهما، و يتمثل في أن الإنسان يعي ما ينطق به في حين أن الببغاء يفعلذلك دون وعي، فالإنسان يستطيع أن يبتكر نسقا تواصليا إما في شكل إشارات أو علاماتصوتية في حين أن الحيوانات لا تستطيع فعل ذلك.
إن اللغة في نظر ديكارت ترتبط بالفكر و بالعقل و الحيوانات لا عقل لها وبالتالي لا لغة لها، فكل ما تستطيع الحيوانات أن تفعله هو أن تعبر حركيا عنانفعالاتها الطبيعية.
ماذا نستخلص من هذا النص ؟

نستخلص مما سبق أن اللغة في نظر ديكارت لا يمكن أن تكون إلا ظاهرة خاصة بالإنسانذلك أنه الكائن الوحيد القادر على التفكير و ممارسة مختلف العمليات الذهنية التيتنتج من خلالها الدلالة و المعنى التي تتوقف على القدرة على الإبداع.
إن هذا الموقف الديكارتي يتماشى مع التعريف الخاص الذي قدمه لالاند للغة، لكن لوانطلقنا من التعريف العام الذي يعتبر اللغة كل نسق من العلامات يمكن من التواصل، هلسننتهي إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها ديكارت ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي القيام بمقارنة بين التواصل الإنساني و التواصلالحيواني.
إن التواصل الحيواني يتخذ شكلا غير كلامي "الإيحاءات، الحركات، تعابير حسية،الأصوات" موضوعه واحد و محدد ينتج عنه سلوك و هو غيرقابل للإرسال و إعادة الإرسالإلا بعد المعـاينة و التحقق: إن التواصل الحيواني خال من الإبداع لأنه يقوم علىالبرمجة الوراثية.
أما التواصل الإنسـاني فيمكن أن يكون كـلاميا أو غير كـلامي و مواضيعه متعددة ويمكن أن ينتج عنه إما سلوك أو حوار، في حين أن التواصل الحيواني قائم على الإشارةأو الحركة و من ثم ينتج عنه سلوك فقط، إن التواصل الإنساني متعدد المواضيع، قابلللإرسـال و إعادة الإرسال، كما أنه يقبل التجزيء إلى وحدات صوتية (فونيمات) و وحداتدلالية قابلة للتفكيك و إعادة التفكيك، أما التواصل الحيواني فموضوعه واحد يرتبطبما هو غريزي "الغذاء، العطش، التوالد" كما أن الحركة أو الإشارة تتخذ معنى إجماليلا يقبل التفكيك أو التجزيء.
نستخلص مما سبق أن التواصل الإنساني يمكن أن يتخذ طابعا غير كلامي و لكنه يبقىمحدودا و إن كان مجال استعماله واسعا و يتطلب شروطا محددة لابد من توفرها حتى تتمعملية التواصل اللغوي، و لهذا صار الشكل اللغوي الكلامي هو الشكل الأساسي للتواصلعند الإنسان، لأنه لا يخضع لأية شروط و يوفر ما لا توفره أشكال التواصل الأخرى، ولهذا صار التواصل الإنساني يقوم على التواصل أو الأسماء أو ما يسميه علماء اللغةبالعلامات و الرموز اللسانية.
o العلامةو الرمز اللسانيان:

ماذا تعني العلامة بمعنـاها العـام ؟ و ما معنى العـلامة اللسانية ؟ و ما الفرقبيـن الرمز و العلامة ؟ و ما دور العلامة و الرموزظ اللسانية في العلاقة بينالإنسان و الواقع ؟.
إن العـلامة تتضمن فكـرتين إحداهما فكرة الشيء الممثل و الأخرى فكرة الشيءالممثل له، و يقوم الأولى بإثارة الفكرة الثانية في الذهن، فيتم استحضار هذه الفكرةعن طريق التمثل الذهني، إن أهمية العلامة تتمثل في إثارتها للنشاط الذهني و هناكأنواع من العلامات، هناك العلامات الطبيعية كالدخان مثلا الذي يعتبر علامة طبيعيةتدل على وجود النار.
هناك أيضا علامات اصطناعية مثل علامات المرور، و هناك أسضا العلامات التجارية،أما النوع الثالث من العلامات فهو ما يسمى بالعلامات اللسانية، و تعتبر عـلاماتثقافية لأنها حاملة لفكر و تحيل على ثقافة محددة، فهل هناك فرق بين العلامة و الرمز؟إن طرح السؤال المتعلق بالفرق بين العـلامة و الرمز يحيلنا إلى مسألة العـلاقةبين الـدال و المدلول، الإسم و المسمى بالعالم الخارجي
أو علاقة الأسماء بالأشياء،هناك تصورين لهذه العلاقة: لقد اعتبر أفلاطون أن العلاقة بينهما علاقة طبيعية لأنالإسم في نظره يعكس حقيقة المسمى أو خصائصه و مميزاته الطبيعية، أما علماء اللغة والفلاسفة المعاصرين فقد اعتبروا أن العلاقة بين الإسم و المسمى أو الدال و المدلولهي علاقة اعتباطية، فما معنى الاعتباطية ؟.
إنها تعني أن العلاقة بين الإسم و المسمى لا يمكن تبريرها من الناحية العقلية أوالمنطقية.
إن الاعتباطية تعني أيضا أن العلاقة بين الإسم و المسمى أو الدال و المدلول هيعلاقة قسرية و القسرية هنا تتضمن معنيين:
إن الإسم لا يعكس حقيقة المسمى.
أن العلاقة بينهما لا تراعى فيها أية اعتباطات ذاتية أو عقلية كما أنالاعتباطية لا تعني أن الذات المتكلمة لها الحرية في التصرف في النظام اللغوي بلعلى العكس من ذلك، إن النظـام اللغوي يفـرض على الـذات المستعملة له احتـرامالقـواعد و الضوابط التي تنظمه، فما دور العلامات و الرموزظ اللسانية ؟ و ماعلاقتها بالعالم الخارجي ؟ و قبل ذلك ما الفرق بين العلامة و الرمز ؟.
إن الرمز ينتمي إلى مجال العلامات و لكنه علامة تستخدم بمعنى خاص و إذا كانتالعلاقة بين العلامة و بين ما تحيل إليه علاقة اعتباطية، فإن العلامة التي تستخدمرمزا تحافظ على علاقة طبيعية بينها و بين ما ترمز إليه دون أن يكون هناك تطابق كليبينهما و كمثال على ذلك العلامة اللسانية "الثعلب أو الأسد" فحينما نستعملها فيسياق عام فإن الحديث يكون عن حيوانات لها نمط عيش خاص بها و لكن حينما نستخدمهاكرموز كأن نقول عن شخص بأنه ثعلب أو إنه أسد، فنحن لا نعني أن هذا الشخص تحول إلىحيوان، بل نقصد أنه يشترك مع كل منهما في خاصية معينة و هي خاصية توجد في طبيعة كلمنهما: المكر و الشجاعة و من هنا نستخلص أن الـرمز يشترك في خاصية طبيعية بينه وبين ما يـرمز إليه، فما دور العـلامات و الرموز اللسانية ؟.
إن كون العلامة اللسانية تقوم على الصوت تجعلها مختلفة و متميزة و مختلفة عنباقي العلامات لأن ارتكازها على هذا المكون الصوتي يجعلها متحررة من الارتباطالمباشر بالأشياء المادية أو بالإدراك الحسي لما يتم التواصل بشأنه، و يمكن القولإن دور العلامة اللسانية لا تحيل على شيء مادي بل تحيل على معنى الشيء الذي يجعلهاتلعب دور الوسيط ما بين الإنسان و العالم الخارجـي. [ إن الأسماء تغنينا عن إحضارالأشياء بذكر أسمائها، "الفارابي" ].
إن العلامات و الرموز تشكل عالما موازيا للعالم الخارجي هو ما يمكن تسميتهبالنظام اللغوي الرمزي بل يصبح بديلا للأشياء المادية، نحن إذن لا نتعامل معالأشياء و الموجودات كما هي بل كما يحددها النظام اللغوي، إن هذا الأخير يعيد تشكيلالعلاقات و تصنيف الموجودات حتى يستطيع التحكم في موجودات و مكونات العالم الخارجي،و بهذا المعنى يمكن القول إن النظام اللغوي كما يفرض نفسه على الإنسان الذي يستخدمهيفرض نفسه أيضا على العالم الخارجي، و على هذا الأساس يمكن القول إننا نتعامل معالواقع كما يدركه الفكر من خلال اللغة. و من هنا تطرح إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر؟.
o اللغة،الفكر، التواصل:

إن إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر تحتمل افتراضين؛ إما أن نعتبر أن كلامنهما يوجد باستقـلالية عن الآخر و هـذا الموقف عند الفلسفة الكـلاسيكية و كمثالعلى ذلك موقف ديكـارت و برجسون، و إما أن نعتبر أن العلاقة بينهما علاقة تلاحم وتداخل بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، و هذا الموقف نجده لدى الفلاسفةالمعاصرين و اللسانيات الحديثة.
و تتخذ إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر الصيغة التالية: هل للفكر وجود سابقعلى اللغة ؟ أم أن الفكر و اللغة متلازمان ؟ بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر.
نجد الموقف الأول الذي يعتبر كلا منهما مستقلا عن الآخـر عند كـل من ديكـارت وبرجسون.
ينطلق ديكارت من اعتبار الفكر جوهرا لا ماديا هو مبدأ كل وجود، و لهذا فهو سابقعلى اللغة التي تعتبر من طبيعة مادية، و لهذا يعتبر ديكارت أننا في حاجة إلى أداةلإخراج الفكر إلى حيز الوجود و جعله مدركا من قبل الآخرين، و هـذه الأداة هي اللغة،أما بـرجسون و إن كان يتبنى نفس الموقف الذي يتخذه ديكارت من علاقة الفكر باللغةإلا أنه يعتبر أن هذه الأخيرة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر. إن برجسون يعتبرأن اللغة الإنسانية باعتبارها علامات و رموز ذات طبيعة مادية و أنها لا تغطيموضوعات العالم المادي إلا من خلال نقل الكلمة لتدل على أكثر من شيء.
لقد اعتبر برجسون أن اللغة الإنسانية عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر و هيعلى نوعين: المادة الجامدة و المادة الحية. إن العقل البشري حينما يتعامل مع المادةالجامدة يمكن أن يحقق تقدما معرفيا كما هو الحال في العلوم التجريبية، غير أنهحينما يتعامل مع المادة الحية فإنه يتعامل معها بنفس الطريقة التي تعود على التعاملبها مع المادة الجامدة، الشيء الذي يؤدي في نظره إلى قتل عنصر الحياة فيها و لهذايدعو برجسون إلى توسيع مجال اللغة ليشمل لغة الحدس، و هي لغة خاصة غير قابلة للنقلذلك أنها تعتمد على التجربة الذاتية الخاصة، فمثلا لكي ندرك ما هو الحزن أو الفرحلا يكفي أن توصف لنا هذه الحالة لأن الوصف سيكون غير أمين، و لهذا لابد أن يعيشالإنسان التجـربة بنفسه، ضد هـذا الموقف الـذي يفصل بين اللغة و الفكـر نجد موقفالفلسفة المعـاصرة و اللسانيات الحديثة التي تؤكد على أن الفكر لا وجود له إلا فيشكل لغوي، و لا وجود للغة خالية من المعنى و الدلالة.
نجد هذا الموقف عند دي سوسير و إيميل بنفنسن و مرولوبوتي و كريستيفا، إلا أن كلامنهم يدافع عن هذا الموقف من زاوية خاصة، فبالنسبة لدي سوسير يعتبر أن العـلاقة بيناللغة و الفكر هي علاقة تلاحم و تداخل و يشبه هذه العلاقة بورقة العملة النقدية،بحيث لا يمكن تمزيق الوجه الأول دون أن يتمزق الوجه الثاني.
أما مرلوبوتي، فينظر إلى العلاقة بين اللغة و الفكر من زاوية أخرى: علاقة اللغةبكل من الفكر و الكلام، فلا وجود لفكر قبل اللغة، إنهما متزامنان ففي الوقت الذييصنع فيه الفكر اللغة فإن اللغة تحتوي معاني ذلك الفكر و ينتقد الموقف الديكارتيالذي يفصل الفكر عن اللغة، فاللغة في نظره لا يمكن أن تكون أداة للتعبير عن الفكر وما يدل على ذلك هو أن التفكير في صمت هو في الواقع ضجيج من الكلمات، فالتفكيرالداخلي هو لغة داخلية.
إن الوجه الآخر لإشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر هي إشكالية التواصل بمعنى هلتعبر اللغة عن الأفكار بشكل شفاف و واضح، أم أن اللغة مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان؟.
يعتبر جاكبسون أن كل عملية تواصلية أو حدث كلامي يتكون من6عناصر، هناكالسيـاقو يشير عـادة إلى الظـروف و المناسبة التي يتم فيها هذاالحدث الكـلامي،المرسلوالمرسلإليهو بينهمارسالةأي المعلوماتالمتبادلة،الاتصالأي عملية التوصل المباشر بتلك المعلوماتالمرسلة بطريقة شفوية أو كتابية.
و أخيرا ما نسميهبالسندو هو ما يمكن من فك رموز الرسالة.
إذا توفرت هذه العناصر الستة المكونة للعملية التواصلية، فإن جاكبسون يعتبر أناللغة تقوم بعملية التواصل بشكل شفاف و واضح لكن هل فعلا تكون اللغة دائما شفافة وواضحة أم أنها مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان.
إن هـذا ما يوضحه "ألوليفي دوكو" من خـلال النص الذي سنتناوله "اللغة بين الكشفو الإخفاء".

تحليل نص "اللغة بين الكشف و الإخفاء" ص21
في هذا النص ينتقد "ألوليفي دوكو" فكرة التواصل كما حددتها اللسانيات في بدايةنشأتها مع دي سوسير، و إذا كان هذا الأخير يعتبر أن التواصل يتحدد في نقل المعلومةأو الخبر من طرف لآخر فإن دوكرو يعتبر هذا التعبير ضيقا جدا و لا يعطي للتواصل كلمعانيه.
إن كل تواصل قابل لأن يتخذ دلالات متنوعة خصوصا و أنه يتم داخـل مجتمع معين وبما أن العلاقات الاجتماعية علاقات متعددة و متنوعة فإن عملية التواصل تتخذ أيضانفس الدلالة و لهذا فإن اللغة لا تتخذ فقط كوسيلة للتواصل، إنها تحدد الإطارالمرجعي لهذا التواصل. ذلك أنه داخل مجتمع توجد مجموعة من المحرمات الشيء الذي يجعلعملية التواصل بمثابة قواعد لعب يومية تحدد ماهو مباح و ماهو ممنوع هذا بالإضافةإلى الطقوس التحريمية التي يتضمنها كل نظام لغوي الشيء الذي يفرض على الأراد أوالذوات المتكلمة أن تنشأ إلى التعبير الضمني الذي ينفي المسؤولية عن الذات المتكلمةهذا بالإضافة إلى كون هذه الأخيرة تلجأ إلى تفادي كل نقد أو اعتراض يمكن أن يعرضهاللسخرية أو المحاسبة من قبل الآخرين، و هذا ما يسميه دوكرو بآليتي الإخفاء والإضمار.
من خلال ما سبق تناولنا في هذا الدرس كون اللغة ظاهرة خاصة بالإنسان ذلك أن هذاالأخير هو الكائن الوحيد القادر على التفكير و بالتالي فهو في حاجة إلى إبداععلامات و رموز لسانية يستطيع من خلالها عن فكره و هي قابلة للتنوع و الاختلاف والتعدد باختلاف المجتمعات البشرية، كما تنـاولنا علاقة العـلامات و الرموز اللسانيةبالواقع من خلال البحث في العـلاقة بين الكلمـات و الأشياء و الأسماء و المسميات وانتهينا إلى أن هناك موقفين من هذه العلاقة، الموقف الأفلاطوني نسبة إلى أفلاطونالذي يعتبر العلاقة بينهما طبيعية في حين أن موقف الفلسفة الحديثة و اللسانياتالمعاصرة تعتبر أن العلاقة بينهما علاقة اعتباطية، أما بخصوص العلاقة بين اللغة والفكر فقد تطرقنا إلى موقفين:
موقف الفلسفة الكلاسيكية التي يمثلها كل من ديكارت و برجسون اللذين اعتبرا أنالعلاقة بينهما هي علاقة انفصال ذلك أن الفكر من طبيعة روحية لا مادية في حين أناللغة من طبيعة مـادية و على هذا الأساس اعتبر ديكارت أن اللغة مجرد أداة للتعبيرعن الفكر في حين اعتبرها برجسون أداة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر و لذلكاقترح أن يشمل مفهوم اللغة الحدس باعتباره لغة خاصة غير قابلة للنقل.
ضد هذا الموقف نجد موقف اللسـانيات الحديثة و الفلسفة المعـاصرة التي اعتبرت أناللغة و الفكر متداخلان بحيث لا يمكن الفصل بينهما فلا وجود لفكر بدون لغة و لاوجود للغة خالية من الفكر و الدلالة.
أما الوجه الآخر لإشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر فهي إشكالية التواصل، إنهذه الإشكالية نـابعة أساسا من تحديد معنى التـواصل فحينما يتم التركيز علىالتـواصل باعتبـاره نقلا للأفكـار و المعلومات كما حدده جاكبسون فإن اللغة تقومبوظيفة التواصل بشكل شفاف و واضح كلما توفرت العوامل المكونة لعملية التواصل، لكنحينما يتخذ التواصل أبعادا متعـددة تصبح اللغة إطـارا محددا لهذه العمليةالتواصلية، و من ثم تصبح اللغة أداة للإخفـاء و الكتمان.