السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يسعدني نقل لكم هده الافادة القيمة التي حصلت عليها من اختي الفاضلة جزاه اللهم عنا خير الجزاء و اجزله و وفاه
صحة الحديث: ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة))
((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) هل هذا حديث؟ وهل إذا كان حديثا فهل الرسول صلى الله عليه وسلم ترك شيئا لأحد حتى يسن به سنة في الإسلام؟ نرجو أن توضحوا لنا هذا المقام بالتفصيل.
هذا الحديث صحيح، وهو يدل على شرعية إحياء السنن والدعوة إليها والتحذير من البدع والشرور لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا)) خرجه مسلم في صحيحه.
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) خرجهما مسلم في صحيحه.
ومعنى (( سن في الإسلام )) يعني: أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس، فيدعو إليها ويظهرها ويبينها، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه فيها وليس معناها الابتداع في الدين. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع وقال: ((كل بدعة ضلالة)) وكلامه صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضا، ولا يناقض بعضه بعضا بإجماع أهل العلم، فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها، مثال ذلك: أن يكون العالم في بلاد ما يكون عندهم تعليم للقرآن الكريم أو ما عندهم تعليم للسنة النبوية فيحيي هذه السنة بأن يجلس للناس يعلمهم القرآن ويعلمهم السنة أو يأتي بمعلمين، أو في بلاد يحلقون لحاهم أو يقصونها فيأمر هو بإعفاء اللحى وإرخائها، فيكون بذلك قد أحيا هذه السنة العظيمة في هذا البلد التي لم تعرفها ويكون له من الأجر مثل أجر من هداه الله بأسبابه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والناس لما رأوا هذا العالم قد وفر لحيته ودعا إلى ذلك تابعوه، فأحيا بهم السنة، وهي سنة واجبة لا يجوز تركها، عملا بالحديث المذكور وما جاء في معناه، فيكون له مثل أجورهم.
وقد يكون في بلاد يجهلون صلاة الجمعة ولا يصلونها فيعلمهم ويصلي بهم الجمعة فيكون له مثل أجورهم، وهكذا لو كان في بلاد يجهلون الوتر فيعلمهم إياه ويتابعونه على ذلك، أو ما أشبه ذلك من العبادات والأحكام المعلومة من الدين، فيطرأ على بعض البلاد أو بعض القبائل جهلها، فالذي يحييها بينهم وينشرها ويبينها يقال: سن في الإسلام سنة حسنة بمعنى أنه أظهر حكم الإسلام، فيكون بذلك ممن سن في الإسلام سنة حسنة.
وليس المراد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، فالبدع كلها ضلالة لقول النبي في الحديث الصحيح: ((وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضا: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) وفي اللفظ الآخر: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه.
ويقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: أما بعد: ((فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) خرجه مسلم في صحيحه. فالعبادة التي لم يشرعها الله لا تجوز الدعوة إليها، ولا يؤجر صاحبها، بل يكون فعله لها ودعوته إليها من البدع، وبذلك يكون الداعي إليها من الدعاة إلى الضلالة، وقد ذم الله من فعل ذلك بقوله سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[1] الآية.
[1] سورة الشورى الآية 21.
من موقع الشيخ ابن باز رحمه الله رحمة واسعة
ضابط البدعة الحسنة والسيئة
لقد قرأت حديثاً لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما معناه: ( أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).وهناك الحديث المشهور "إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".ما هو الحد الفاصل للتمييز بين السنة السيئة والبدعة التي فيها ردة؟ وهل المقصود بالسنة الحسنة والسيئة ماكان بالمعاملات، والبدعة ماكان في العبادات وأصل الدين؟ أم أن هناك معنى آخر وضوابط تضبط هذا الأمر؟
الفتوى :
نعم هناك حديثان:الأول: ما رواه مسلم (1017) عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء".وقد جاء الحديث بألفاظ متعددة متقاربة، وفيه قصة معروفة، ويشبه هذا الحديث حديث آخر، وهو ما رواه مسلم(2674) عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".قال النووي: سواء كان ذلك الهدى هو الذي ابتدأه، أو كان مسبوقاً إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم، أو عبادة، أو أدب، أو غير ذلك.والحديث الثاني: ما رواه مسلم (867) عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث طويل في خطبة الجمعة، وفيه:" وكل بدعة ضلالة " أخرجه النسائي (1578)، وأبو داود (4607)، وابن ماجة (42)، وأحمد (14334)، والدارمي (212) وغيرهم فكلا الحديثين صحيح.. ومعاني حديث رسول الله تتآلف ولا تتخالف، وتتعاضد ولا تتعاند، فالحديث الأول يتكلم عن السنة، والحديث الثاني يتكلم عن البدعة، وبينهما بُعد المشرقين. فالسنة الحسنة هي الطريقة المتبعة التي جاء بها كتاب أو سنة، وهي المعبر عنها بالهدى في الحديث الآخر، فمن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ويشمل هذا من أحيا سنة قد أميتت، أو نشر علماً قد طوي، أو أبان شعيرة قد خفيت، ويدخل في ذلك من نظّم أمراً من الأمور المفيدة النافعة التي لا تتعارض مع الشريعة، كمن نَظَّم التعليم تنظيماً إدارياً وتربوياً نافعاً، أو رتب الجهاد، وقسم أجناده، وصنّف مجالاته، أو نَظَّم الصدقة، أو أصلح أمور المسلمين الدنيوية. بحسب ترتيب السعي في الرزق، أو الصناعة، أو الزراعة، أو سير الطرق، أو الوظائف، أو المصارف، أو سائر شؤون الحياة الدنيا، فإنها ميدان رحب للإبداع، وكل جديد مفيد منها فهو مستحسن، ما لم يتعارض مع نص شرعي، أو قاعدة شرعية، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:" أنتم أعلم بأمور دنياكم " أخرجه مسلم (2363)، عن عائشة وأنس.فالحظر والمنع إذن مقصور على الجانب التعبدي المحض، جانب القرب والطاعات الخالصة كالصلاة، والصوم، والحج، فهذه لا مجال فيها لابتداع، فما أحدث فيها فهو رد، أي: مردود على صاحبه، غير مقبول منه، ولا سائغ له.فلو أحدث صلاة جديدة غير مشروعة بمناسبة غير واردة في السنة، أو اخترع هيئة للصلاة، أو رتب زمناً خالصاً ، أو أضاف صفة، أو هيئة، أو شرطاً ليس له أصل لكان هذا مذموماً، وكان صاحبه مبتدعاً آثماً.فالبدعة إذن هي طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية، يقصد بها ما يقصد بالطريقة الشرعية، من التعبد لله –تعالى-، وهذا كله من التوسعة على العباد.فمنع إحداث عبادة جديدة هو من التوسعة، لئلا يلزم الناس أنفسهم بشيء غير ما سنّه الشارع، ولأن فتح هذا الباب يجعل كل فئة تخترع عبادة جديدة، وتنشرها بين الناس فيثقل ذلك عليهم، وتؤدي بهم إلى ترك العبادات المشروعة، والانشغال بما أحدثوه، ولذلك قال بعض السلف كابن مسعود وغيره: "ما أحدث الناس بدعة إلا أماتوا مثلها من السنة".وكذلك الإذن للناس بالإبداع، والابتكار، والتجديد في مجال الوسائل والآليات، وشؤون الحياة الدنيا وتنظيماتها المادية والإدارية والاجتماعية والسياسية، بما لا يعارض النصوص.. هذا أيضاً من التوسعة على الناس.فلم يجعل الله لهذه الأمور صيغاً خاصة لا يتجاوزونها، بل بَيَّن لهم المحظور منها، وأذن لهم فيما وراء ذلك، مثلاً: البيوع، لم يشرع الله أنواعاً خاصة من البيوع، ويحرم ما عداها كما هو الحال في العبادات، بل بيّن الله على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- البيوع المحرمة، كبيع حبل الحبلة، وبيع المناجشة، وبيع الغرر، وبيع الجهالة، وبيّن شروط البيع، ثم أذن فيما وراء ذلك، فكل بيع يحدثه الناس فالأصل فيه الجواز إذا لم يعارض الضوابط الشرعية، ولا تحتاج في كل بيع إلى نص شرعي، أو إذن شرعي؛ لأن ثمت إذناً عاماً بقوله –تعالى-: "وأحل الله البيع" [البقرة : 275] وهكذا شأن الزرع، والصناعة، وفنون التعليم، والإدارة، والتنظيمات الاجتماعية و غيرها.فمن ابتكر طريقة نافعة للمسلمين في أمر دينهم أو دنياهم فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، ومن أحيا سنة قد أميتت فله أجرها، وأجر من عمل بها بسببه إلى يوم القيامة.وعلى نقيض ذلك من دعا إلى ضلالة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده كما قال –تعالى-: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون" [ النحل : 25].ومن الدعوة إلى الضلال الدعوة إلى البدع المحدثة في الدين، سواء كانت بدعاً علمية أو اعتقادية كالمذاهب، والملل، والنحل الفاسدة، أو كانت بدعاً عملية كبدع الصلوات، والحج، والمواسم، وغيرها. وتفصيل هذا مما عني به أهل العلم كالشاطبي، وأبي شامة، وابن الحاج، والطرطوشي، وغيرهم، والله أعلم .
المصدر
موقع الإسلام اليوم