منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - عظماء فى الإسلام ( المحدثون والفقهاء )
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-20, 01:50   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
حسن بدر الدين
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

الإمام البخاري

أمير أهل الحديث
الإمام الجليل والمحدث العظيم محمد بن إسماعيل البخاريأمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يقول البخاري: صنفت الصحيح فيست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
ولم يشهد تاريخ الإسلاممثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارةفي الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء.
ويقول عنه أحد العلماء: لا أعلم أنيرأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
فمع سيرة البخاري ومواقف من حياته.

________________________________________
نسبه ومولده
هو أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه تعنيبلغة بخارى "الزراع"
أسلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكانمجوسيا وطلب والده إسماعيل بن إبراهيم العلم والتقى بعدد من كبار العلماء، وروىإسحاق بن أحمد بن خلف أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بنزيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه.
ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع منشوال سنة أربع وتسعين.
ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته فيالمنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرةبكائك أو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره.

________________________________________
قوة حفظه وذاكرته
ووهبالله للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوىالاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
يقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبدالله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقالعشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقاليوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبيرلم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
فأخذ القلم مني وأحكم( أصلح) كتابه وقال: صدقت.
فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرةسنة.
ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
وقالمحمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد اللهالبخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنانقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قدأكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد علىخمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قالأترون أني أختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابن عديحدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظمائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
قال وسمعت أبا بكرالكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلععليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.

________________________________________
طلبه للحديث
رحل البخاريبين عدة بلدان طلبا للحديث الشريف ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارىوغيرها.
وروي عن البخاري أنه كان يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليسفيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونعود إلىالبخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفيالمسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمعهناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بنالحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماءوبالري من إبراهيم بن موسى.
وفي أواخر سنة 210هـ قدم البخاري العراق وتنقل بينمدنها ليسمع من شيوخها وعلمائها. وقال البخاري دخلت بغداد آخر ثمان مرات في كل ذلكأجالس أحمد بن حنبل فقال لي في آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تدع العلم والناسوتصير إلى خراسان قال فأنا الآن أذكر قوله.
ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبيعبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمدالأزرقي والحميدي.
وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بنبلال وإسماعيل بن أبي أويس.
وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصرثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيبوقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابيوأبي مسهر وآخرين.

________________________________________
مؤلفاتالبخاري
عد العلماء كتاب الجامع الصحيح المعروف بـ"صحيح البخاري" أصح كتاب بعدكتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث "هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى اللهعليه وسلم في شيء كثير من الأحاديث وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقياللكبار أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم"
ويقول في قصة تأليفه "الجامعالصحيح ":" كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا لو جمعتم كتابا مختصرا لسننالنبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"
ويقول في بعض الروايات:
ـأخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث.
ـ ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاإلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
ـ ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت منالصحاح كي لا يطول الكتاب.
ويروي البخاري أنه بدأ التأليف وعمره 18 سنة فيقول:
"
في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيدالله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة وقلاسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب، وكنت أختلف إلى الفقهاءبمرو وأنا صبي فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم فقال لي مؤدب من أهلها كم كتبت اليومفقلت: اثنين وأردت بذلك حديثين فضحك من حضر المجلس فقال شيخ منهم لا تضحكوا فلعلهيضحك منكم يوما"
وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم قلت لأبي عبد الله تحفظ جميعما أدخلت في المصنف فقال لا يخفى علي جميع ما فيه، وسمعته يقول صنفت جميع كتبي ثلاثمرات.

________________________________________
دقته واجتهاده
ظلالبخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب، وصبر علىالبحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم، وكان بعد كل هذا لايدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.
يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذاتليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيتواحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرةفي كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها.
وروي عنالبخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عناسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث إن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إليأصله ونسخته فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.
وكان العباس الدورييقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلا ولا فرعاإلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه.

________________________________________
تفوقه على أقرانه فيالحديث
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه،ويحتفون به في البلدان.
فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلبالحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهمممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنتبالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيلالبخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ منالصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمعقريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أنأحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.
وقال أبو أحمد عبد اللهبن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع بهأصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متنهذا لإسناد هذا و إسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها علىالبخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقاللا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفتبعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدبآخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفسوهو لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أماحديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعلبالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
وروي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعةأيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن فيإسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.
وقال أحيد بنأبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشامورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت.

________________________________________
من كلمات البخاري
[
لا أعلمشيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة]
[
ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح منالسقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركتبها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي]
[
ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكرالدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه]

________________________________________
مواقف من حياةالبخاري
وقال بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولايحاسبني أني اغتبت أحدا قلت صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علمورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتواعنه، فيه نظر ونحو هذا. وقل أن يقول فلان كذاب أو كان يضع الحديث حتى إنه قال إذاقلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واه وهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداوهذا هو والله غاية الورع.
يقول محمد بن أبي حاتم: كان أبو عبد الله يصلي فيوقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت أراك تحمل على نفسكولم توقظني قال أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
*
يروي البخاري فيقول كنتبنيسابور أجلس في الجامع فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبدالله والي نيسابور فأخبروه بمكاني فاعتذر إليهم وقال مذهبنا إذا رفع إلينا غريب لمنعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره فقال له بعضهم: بلغني أنه قال لك لا تحسن تصلي فكيفتجلس فقال لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديثفي الصلاة خاصة.
وذات يوم ناظر أبو بكر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها ثمأقبل محمد عليه فأغرب عليه مائتي حديث فكان أبو بكر بعد ذلكيقول ذاك الفتى البازلوالبازل الجمل المسن إلا أنه يريد هاهنا البصير بالعلم الشجاع.
قال محمد بن أبيحاتم سمعت البخاري يقول دخلت بلخ فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبتعنه حديثا فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم.
قال أبو جعفر سمعت أبا عمرسليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكتدي فقال لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظسبعين ألف حديث قال فخرجت في طلبه حتى لحقته قال أنت الذي يقول إني أحفظ سبعين ألفحديث قال نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهمووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصلأحفظه حفظا عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن يعقوببن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجلركبانا على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة.

________________________________________
ورعه
قال محمد بن أبيحاتم ركبنا يوما إلى الرمي، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتدالقنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرجالسهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل. فقال لي يا أباجعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفرحتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي. قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأسوالعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحبأن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا. وكان صاحبالقنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت فيحل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكنأحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سروراوقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
وقال بن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسيروأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئابغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغرمن الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أن استريح وآخذ أهبة فإن فاجئناالعدو كان بنا حراك.
وضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسناأعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقالله يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.
وقال أحمد بن حفص: دخلتعلى أبي الحسن يعني إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال لا أعلم من مالي درهمامن حرام ولا درهما من شبهة قال أحمد فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك ثم قال أبو عبد اللهأصدق ما يكون الرجل عند الموت.
وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بنإسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكانلا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.

________________________________________
عمله بالتجارة
وعملالبخاري بالتجارة فكان مثالا للتاجر الصدوق الذي لا يغش ولا ينقض نيته مهما كانتالمغريات.
روي أنه حملت إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعضالتجار إليه فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجارآخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف فقال إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة.

________________________________________
ثناء الأئمة عليه
قال أبوإسحاق السرماري: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل.
قال أبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيلمن عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم.
وكان نعيم بن حماديقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
قال مصعب الزهري محمد بن إسماعيل أفقهعندنا وأبصر بالحديث.
وروي عن إسحاق بن راهويه أنه كان يقول اكتبوا عن هذاالشاب يعني البخاري فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
وكان علي بن حجر يقول أخرجت خراسان ثلاثة أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد اللهبن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
وقال محمد بن أبيحاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبيعبد الله البخاري ويقول لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
وقالمحمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل إمامناوفقيهنا وفقيه خراسان.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بنإسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم.
وقال سليم بن مجاهد يقول لوأن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل.
وروي عن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية. نظرت فيالحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلت مثل محمدبن إسماعيل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد بنإسماعيل.
وقال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسولالله وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.
قال محمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بنالحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثينوطبيب الحديث في علله.
وقال سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما فيالدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح.

________________________________________
من كرم البخاريوسماحته
قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهمفكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد اللهكان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهمكل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.
قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائةدرهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كانخلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله: ما عند الله خيروأبقى (الشورى:36)
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديثفيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لايفارقه كيسه.
ويقول عبد الله بن محمد الصارفي: كنت عند أبي عبد الله البخاري فيمنزله فجاءته جارية وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها: كيفتمشين؟ قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي فبسط يديه وقال لها اذهبي فقد أعتقتك. قالفقيل له فيما بعد يا أبا عبد الله أغضبتك الجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيتنفسي بما فعلت.

________________________________________
محنةالبخاري
تعرض البخاري للامتحان والابتلاء، وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقونللمحن فصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البخاري لما له من مكانةعند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية، فأثاروا حولهالشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، ولذلك قصة يرويها أبو أحمد بن عدي فيقول: ذكر ليجماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل البخاري لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليهفحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليهواجتماعهم عليه. فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوقفامتحنوه في المجلس فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد اللهما تقول في اللفظ بالقران مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقالالرجل يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليهالبخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة فشغبالرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
وقالوا له بعد ذلك ترجععن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى منحجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته، وكان يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقدحدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته.
وبه قال وسمعتعبيد الله بن سعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إنأفعال العباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأماالقرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلامالله ليس بمخلوق قال الله تعالى {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت 49).
وقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهوكافر.
وقال أيضا: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغدادوالكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقلهإلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
وقال أحمد بن سلمة: دخلت على البخاري فقلت ياأبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينة وقد لج في هذا الحديث حتىلا يقدرأحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض على لحيته ثم قال "وأفوض أمري إلى اللهإن الله بصير بالعباد" (غافر 44) اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراولا بطرا ولا طلبا للرئاسة إنما أبت علي نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفينوقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي يا أحمد إني خارج غدالتتخلصوا من حديثه لأجلي، فأخبرت جماعة أصحابنا فو الله ما شيعه غيري كنت معه حينخرج من البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره.
وقال محمد بن أبيحاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال يا أبا عبد الله إن فلانا يكفرك فقال: " قالالنبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما" وكانكثير من أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقع فيك فيقول "إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (النساء 76)، ويتلو أيضا "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر 43) فقال له عبدالمجيد بن إبراهيم كيف لا تدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك،فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال صلى اللهعليه وسلم "من دعا على ظالمه فقد انتصر"

________________________________________
محنته مع أمير بخارى
روىأحمد بن منصور الشيرازي قال سمعت بعض أصحابنا يقول لما قدم أبوعبد الله بخارى نصبتله القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق أحد إلا استقبلهونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقي أياما قال فكتب بعد ذلك محمد بنيحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأكتابه على أهل بخارى فقالوا لا نفارقه فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج.
قالأحمد بن منصور فحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال رأيت محمد بنإسماعيل في اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فتقدمت إليه فقلت يا أبا عبد الله كيف ترىهذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر فقال لا أبالي إذا سلم ديني.
ورويعن بكر بن منير بن خليد بن عسكر أنه قال: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي واليبخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب الجامع و التاريخ وغيرهما لأسمع منكفقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس فإن كانت لك إلى شيء منهحاجة فاحضر في مسجدي أو في داري وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلسليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليهوسلم "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.

________________________________________
وفاة البخاري
توفي البخاريـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصةوفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهوالذي نزل عليه أبو عبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلماوافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضدهورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفت فدعابدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلىأن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيضليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية أطيبمن المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواري بيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناسيختلفون ويتعجبون وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكننقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكنأحد يقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولم يكونوايخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدةوتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهرواالتوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذموم المذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعشأبو منصور غالب بن جبريل بعده إلا القليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بنمحمد بن مكي الجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى اللهعليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد عليالسلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعدأيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلمفيها.
رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلاموالمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).
ـــــــــــــ
المصادر:
(1)
سير أعلام النبلاء.
(2)
تاريخ بخارى.
(3)
مقدمة صحيحالبخاري.