منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ســـــــــؤال في الفلسفة هل من مجيب؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-06-13, 19:30   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
cd_nail
قدماء المنتدى
 
الصورة الرمزية cd_nail
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ونرغب في مختتم هذه الدراسة، أن نتوقف قليلا عند الإشكالية المتعلقة بمحاولة الإجابة على التساؤل التالي: ما مدى قدرة وعي فردي تكوّن في ظل معادلة اجتماعية وثقافية معينة، على الوصول إلى حقائق علمية وموضوعية عن الظواهر والعمليات الاجتماعية التي تنتمي إلى ثقافة مغايرة؟، أو بتعبير آخر، هل صحيح أن أهل مكة أدرى بشعابها، أم أن أهل واشنطون وباريس ولندن هم أعرف من أهل مكة بهذه الشعاب؟
وبالنظر للطابع الأيديولوجي لهذه المسألة، والذي يضع الكاتب بوصفه واحدا من أهل مكة في موقف حرج علميا فقد ترك الكاتب بعض علماء الاجتماع الغربيين، يقولون ما عندهم حول هذا الموضوع، وذلك على قاعدة "وشهد شاهد من أهلها على نفسه":
يقول إفانز بريتشارد: إنه "لا يمكن تأويل النظم البدائية في حدود عقلية الباحث المتمدين الذي يقوم بدراستها، لأن عقليته ثمرة نوع مختلف من النظم والأوضاع، وإن القول بغير ذلك، يؤدي إلى الوقوع فيما يسمى، بأغلوطة السوسيولوجيين، التي رفضها دوركهايم وليفي بروهل، بل وغيرهما من علماء الاجتماع الفرنسيين.
ويقرر كل من مرجريت كولسون وديفد ريدل أنه "ثمة تراث حافل حول علم اجتماع التنمية الذي يهتم بدراسة التخلف الاجتماعي، والذي يحوي قدرا كبيرا من الكتابات الضحلة الفقيرة... ويعد الموضوع المشترك بين هذه الكتابات صورة أو أخرى من صور التحديث Modernization، حيث يحاول كاتب من مجتمع متقدم، عادة ما يكون الولايات المتحدة، تفسير سبب عدم تشابه ذلك المجتمع المتخلف مع مجتمعه، والبحث عن الكيفية التي يكون بها المجتمع الذي يدرسه على غرار مجتمعه... وغالبا ما يتجاهل أن للمجتمع المتخلف بناءه الدينامي التاريخي، الذي تأثر لقرون بتفاعلات ذات طبيعة دولية...".
وحسبJillani M. S. (وهو شاهد أورده بول لازارسفيلد) فإن "النظريات التي قال بها كومت، وسان سيمون، ودوركهايم في فرنسا، أو تلك التي قال بها وستر مارك، وهوبهوس في إنجلترا قد لا تكون ممكنة التطبيق تماما هنا (يعني باكستان)... فكأن الأمر يتعلق بمعنى ما، بتوجيه علم نما فوق أراض أجنبية وداخل ثقافات أجنبية... ".
ويشير غونار ميردال، إلى أن المصدر الأساسي للتحيز الكامن في البحوث الاقتصادية التي تتناول الدول الفقيرة يتمثل في... السعي نحو معالجة مشكلاتها الداخلية من وجهة نظر المصالح السياسية والعسكرية الغربية... وغالبا ما نجد هذه البحوث تتسم بالطابع الاعتذاري عن تخلف هذه الدول، في الوقت الذي تهتم فيه بالحبكة المنهجية هذا ويؤيد عدد من علماء العالم النامي نفسه مثل تلك الآراء التي أوردناه أعلاه، ونشير هنا إلى غ. فرانك، ومالك بن نبي، ورمزي زكي.
يقول غوندر فرانك: "ورغم أن العلم والحقيقة لا يعرفان حدودا قومية، إلا أن الحاجة الملحة، تدعو الأجيال الجديدة من علماء البلدان المتخلفة إلى تكريس جهودهم لهذه المشاكل، ولتوضيح آليات التخلف والنمو، وهم بالطبع أقدر من غيرهم على ذلك".
وبنفس الاتجاه يقول رمزي زكي في تعليله لفشل عقدي التنمية (1960 - 1970 / 1970 - 1980): "ليس من المصادفة أن تتزامن أزمة التنمية في الدول المتخلفة مع أزمة الفكر التنموي، نظرا لما بين الأزمتين من صلة قوية ذلك أن أزمة التفكير الذي أفرزه الفكر الاقتصادي الغربي خلال الخمسينات، كانت له قوة السيطرة بشكل واضح على واضعي السياسة الاقتصادية ورجال التخطيط وكبار المسؤولين في هذه البلاد. ومن هنا يجوز لنا بحق الإدعاء بأن أزمة التنمية التي تعيشها الآن مجموعة الدول المتخلفة، تعود إلى حد كبير، إلى طغيان نوع معين من الفكر التنموي الذي لم يكن يلائم أوضاع هذه البلاد.."
ومن جهتنا، فإننا نرى أنه فقط في حالة تساوي كافة الظروف والشروط الميثودولوجية بين باحثين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، يمكن أن يكون ابن البلد أقرب إلى الموضوعية من زميله الباحث الآخر(الغريب)، وذلك بحكم معرفته المسبقة بجملة الظروف الذاتية والموضوعية، الداخلية والخارجية التي تحيط بمجتمع البحث. أما فيما عدا ذلك، فإن العلم لا وطن له ولا قومية ولا دين ولا قبيلة ولا منطقة، وما على باحثينا المعنيين إلاّ أن يتبصروا في مسلكهم العلمي بقول الإمام الغزالي:
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به / في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
---------------------------------------------------
المصدر: إشكالات البحث العلمي للظواهر الاجتماعية (أ. د. محمد أحمد الزعبي/أكاديمي ووزير سوري سابق)