منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *** البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة ***
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-02, 11:45   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عمي صالح
مشرف عام
 
الصورة الرمزية عمي صالح
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام أفضل خاطرة المرتبة  الثانية وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع وسام الحفظ 
إحصائية العضو










Flower2 *** البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة ***

إن هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم في افتراق الأمة إلى تلك الفرق المتعددة في الأهواء.
فهل من تعاون على البر والتقوى، واعتصام بحبل الله جيمعا كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 2
-----------------------ـ
1 سورة النساء، الآية: 59.
2 سورة آل عمران، الآية: 103.
ص -33- الطائفة الناجية
إن التعاون على البر والتقوى والاعتصام بحبل الله جميعا، وهو ما جاء في منهج الفرقة أو الطائفة الناجية، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصفها فقال: "هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي".
وفي صحيح البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة ح 7311: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون".
وح 7412 من رواية معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين, وإنما أنا قاسم، ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله".
والسؤال: ما الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟.
وهل هذه الطائفة موجودة؟. وإذا كان كذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما منهجها؟. وأين مكانها؟. وهل لها إمام يقودها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث حذيفة الذي سنورده فيما بعد، وقد جاء فيه: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"؟، فهل وصل ذاك الزمان ووصلنا إلى تلك الحال حتى يعض كل واحد منا بأصل شجرة حتى الموت؟.
أيها الإخوة: سنذكر رؤوس أقلام في الإجابة على هذه التساؤلات:
ص -34- منهج الفرقة الناجية هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فأما ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو: التمسك بكل ماجاء في كتاب الله الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة والمفسرة لكتاب الله عز وجل, فإنها الوحي الثاني كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 1 وقوله: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } 2.
فهم ساروا على الإيمان بالله إلها معبودًا لا إله غيره ولا رب سواه، فصرفوا جميع أنواع العبادة من الاعتقادات، والأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة إليه وحده، والإيمان بأسمائه وصفاته، كما وصف الله نفسه في كتابه، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل، بل إثبات تلك الصفات لله على أساس قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } 3، والحكم بما أنزل الله عز وجل في كتابه، وما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته كما قال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } 4، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } 5, وقال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } 6، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على أساس هاتين الآيتين: العلم أولاً، والحكمة ثانيا.
والدعوة على هذا المنهج تعم المسلمين جميعا كل بقدر استطاعته وفي محيطه الذي يخصه، لايكلف الله نفسا إلا وسعها، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح
-----------------------ـ
1 سورة النحل، الآية: 44.
2 سورة النجم، الآيتان: 3 -4.
3 سورة الشورى، الآية: 11.
4 سورة النساء، الآية: 65.
5 سورة يوسف، الآية: 108.
6 سورة النحل، الآية: 125.
ص -35- مسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 1.
فالتغيير باليد لصاحب السلطان، واللسان لكل مسلم، فإن لم يستطع حتى بلسانه، فيلزمه كراهة هذا المنكر بقلبه، والجهاد في سبيل الله لنشر هذا الدين، وإنقاذ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهكذا في جميع تعاليم هذا الدين في المعاملات والأخلاق الحميدة.
فالمؤمنون رحماء بينهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
فأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، وهكذا كان أصحابه، فالولاء والبراء على الكتاب والسنة.
هذا منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا سلكت الطائفة الناجية، حينما افترقت هذه الأمة إلى تلك الفرق التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو ما جاء في حديث العرباض بن سارية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا"، ثم أمر الأمة عند ظهور هذا الاختلاف، أن يتمسكوا بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وأن يعضوا عليها بالنواجذ، ثم حذرهم من البدع ومحدثات الأمور، وبين أن كل بدعة ضلالة.
وأما مكان وجود هذه الطائفة، وهل لها إمام يقودها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟.
فالجواب: إن الطائفة السائرة على المنهج التي سبقت الإشارة إليه موجودة في الدنيا كلها فلا يحصرها بلد دون آخر.
ولاستكمال الجانب الثاني من السؤال وهو: هل لها إمام يقودها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟. فإننا نورد حديث حذيفة بن اليمان الذي أشرنا له سابقا، وبعد إيراده سنجد الجواب.
فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب المناقب علامات النبوة،
-----------------------ـ
1 مسلم، الإيمان 12/69 ح78.
ص -36- وفي كتاب الفتن/ باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة.
ومسلم في الإمارة/ باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال, وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يارسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟، قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشّر من خير؟، قال: "نعم وفيه دخن", قلت: وما دخنه؟، قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟، قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها فذفوه فيها"، قلت: يارسول الله صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟، قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟، قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
يقول النووي في شرح هذا الحديث ""دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها فذفوه فيها": "قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر، كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة، وفي الحديث هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي" 1.
-----------------------ـ
1 النووي شرح مسلم 12/237.
ص -37- السلف وأتباعهم ليسوا حزبا
فالطائفة الناجية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفها بأنها التي تكون على ما كان عليه هو وأصحابه هم السلف الصالح، ثم السائرون على منهجهم، كما قال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } 1.
فهذه الطائفة بهذا المنهج موجودة في الدنيا كلها في كل زمان ومكان، فلا يحصرها بلد دون بلد، ولا مكان دون آخر، وهم جماعة المسلمين السائرون على الحق والهدى، وقد يكون لهم إمام يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد لا يكون لهم إمام في بعض الأحوال وعند ظهور الفتن، كما في حديث حذيفة.
ولكن بحمد الله إن هذه الجماعة موجودة بالمنهج والإمام الذي يقودها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه البلاد - كما سنذكر ذلك بعد نقل كلام الإمام إسماعيل بن محمد الأصبهاني الملقب بقوام السنة -، ليتضح لنا أن جماعة المسلمين الواحدة السائرة على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، - وهم السلف وأتباعهم - أهل منهج وليسوا حزبا كما نسمعه من بعض من لم ينظر في منهجهم وطريقتهم.
وإذا وجد أن شخصا انتسب إلى منهج السلف، ثم ارتكتب خطأ وهم ليسو بمعصومين، فإن خطأه يُحسب عليه لا على المنهج، ولا يُنفر الناس من الحق، لاسيما الشباب، فتنفيرهم من جماعة السلف أو منهج السلف جناية عظيمة على الأمة الإسلامية إذ يقطع حاضرها عن ماضيها، وهي دعوة يروج لها أعداء الإسلام، ويأخذ بإيحاءاتها من لا يفكر في عواقبها وما تؤول إليه في نتائجها.
وقد ألقيت نظرة سريعة على صفحات من شرح الطحاوية فوجدته كرر كلمة السلف أكثر من عشرين مرة، مما يدل على اعتزازه بهذه النسبة؛ لأن من مميزات منهجهم: الثبات على الحق والاستمرار عليه، وعدم التقلب والتذبذب، واتفاقهم على أمور العقيدة، وعدم اختلافهم فيها مع اختلاف الزمان والمكان، بخلاف الطوائف الأخرى التي وضعت مناهجها بعقولها.
-----------------------ـ
1 سورة التوبة، الآية: 100.

ص -38- يقول الإمام الأصبهاني قوام السنة: (ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق ، أنك لو طالعت كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار وسكون كل واحد منهم قطرًا من الأقطار وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، وقولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى فيهم اختلافا ولا تفرقا في شيء ما وإن قل) الخ.
قلت: ومما يدل على صدق قوله كتب هؤلاء الأئمة: الإمام أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن قتيبة وابن مندة واللالكائي وغيرهم، مع اختلاف أزمانهم وأقطارهم؛ تجد كلامهم واحد.
وأما كون هذه الجماعة موجودة بمنهجها وإمامها فهي موجودة بحمد الله في هذه البلاد إن شاء الله، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري ومسلم: "أن الإيمان ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها"، وفي رواية مسلم: "وهو يأرز بين المسجدين كما تأرزالحية إلى جحرها" 1.
فأنا أذكّر النّاسي وأنبه الغافل:
1 ـ أن المنهج في هذه البلاد قائم على أصالة التوحيد، ونبذ البدع والخرافات والتأويل، وعلى دراسة العلوم الشرعية بجميع فروعها، بدءًا بمناهج المراحل الابتدائية، وانتهاء بمناهج الجامعات والدراسات العليا التخصصية مثل قسم العقيدة، وقسم السنة، وقسم التفسير، وقسم الفقه، وقسم الأصول، وجميع التخصصات الشرعية وما يخدمها إضافة إلى العلوم العصرية التي يحتاجها المجتمع، غير المتعارضة مع الشريعة الإسلامية، بل في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي أنشئت لأبناء العالم الإسلام جميعًا، وبها أكثر من مائة جنسية، بها كليات متخصصة في هذه الجوانب، مثل: كلية القرآن وعلومه، كلية الحديث وعلومه، كلية أصول الدين، كلية الشريعة،
-----------------------ـ
1 البخاري ـ فضائل المدينة، فتح الباري 4/93 ح 1876.ومسلم ـ الإيمان 1/130 ح232، 233 .

ص -39- كلية اللغة، وغيرها من الجامعات والمعاهد، ثم فصل التعلم بجميع مراحله بين الذكور والإناث.
2 ـ دار الإفتاء والدعوة والإرشاد.
3 ـ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4 ـ المحاكم الشرعية التي يحكم قضاتها بالكتاب والسنة، وإقامة الحدود الشرعية على مرتكبيها كقطع يد السارق، والقصاص من القاتل، وجلد الزاني والشارب، وذلك ضمن الضوابط الشرعية.
فهذا المنهج تقوم به جماعة المسلمين في هذه البلاد، ولهم إمام يقوم بتطبيق هذا المنهج وتنفيذه، ونحن نسمع بين حين وآخر تطبيق الحدود على مرتكبيها.
وقد قام بهذا المنهج ووجدت الجماعة القائمة به وإمامها بعد الفترات السابقة: الإمام محمد بن عبد الوهاب مع الإمام محمد بن سعود من عام 1158 هـ، ولازال الأمر كذلك إلى عصرنا الحاضر.
وقد قامت هذه الدولة من ذاك التأريخ على عقيدة التوحيد الخالصة من شوائب الشرك والبدع والتأويل، وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية بجميع أحكامها من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لنصوص الشريعة الإسلامية.
ونسأل الله لها الثبات والاستمرار على ذلك، ليتحقق في هذه البلاد وأهلها ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الإيمان ليأرز إلى المدينة" وفي الرواية الأخرى: "بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها".
أما أن توجد معاصي وأخطاء، فهذه طبيعة البشر جميعاً من عهد النبوة والخلفاء الرشدين، كان الناس يرتكبون الأخطاء والمعاصي، وكذلك أيام الدولة الإسلامية بعدهم، فالعيبُ ليس في وجود المعاصي، إنما العيب في عدم إقامة الحدود على من ارتكب تلك المعاصي إن كانت تستوجب إقامة حدٍّ على صاحبها.
وأما نصح الأئمة وولاة الأمر فواجب على علماء الأمة ففي صحيح مسلم: "الدين النصيحة" ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله ؟، قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله،
ص -40- ولأئمة المسلمين، وعامتهم" 1.أما كيفية تقديم النصيحة لهم: فننقل ما قاله العلامه عبد الرحمن بن سعدي في كتابه "الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة" الفصل الثامن "في وجوب النصحية وفوائدها" في شرح حديث: "الدين النصيحة" ثلاثا، قالوا: لمن يارسول الله ؟، قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"، قال في ص 29: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير إلى القاضي إلى جميع من له ولاية صغيرة أو كبيرة، فهؤلاء لما كانت مهماتُهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم، والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل أحد بحسب حالته، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم".
ثم قال: "واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرًّا وضررًا وفسادًا كبيرًا، فمن نصيحتهم: الحذر والتحذير من ذلك".
ثم قال: "وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرًّا لا علنا،
-----------------------ـ
1 مسلم، الإيمان 10/74 ح
ص -41- ثم بلطف، وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن في تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص".
ثم قال: "واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس، فتقول لهم: إني نصحتهم، وقلت وقلت، فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أُخَرْ معروفة".
هذا ماقاله الشيخ عبد الرحمن السعدي في نصيحة ولاة الأمور السلطان الأعظم وولاته، وقد نص على أن النصيحة تكون سِرًّا لا علنا، ثم بلطف وعبارة تليق بالمقام، كما حذر الناصح لهم على هذا الوجه المحمود، إن كان يقصد بنصيحته الصدق والإخلاص، ألاّيفسد تلك النصيحة بالتمدّح عند الناس فيقول: إني نصحتهم وقلت وقلت، فإن ذلك يدل على الرياء وعلامة على ضعف الإخلاص كما قال الشيخ السعدي.
وبعد ذكرنا لكلام الشيخ السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ، وهو من العلماء المعاصرين، نرى أنه من المناسب ذكر مثال من كلام العلماء السابقين.
يقول ابن أبى عاصم في كتاب السنة 2/ 521ح 1096 "باب: كيف نصيحة الرعية للولاة ؟"، وقد أورد فيه بإسناده عن شريح بن عبيد قال: قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم: ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده، فيخلو به فإن قبل منه فذلك، وإلا كان قد أدى الذى عليه" ، قال الألباني: "إسناده صحيح".
هذا هو أسلوب علماء أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الناجية في نصحهم لولاة أمورهم؛ لأنهم يريدون لأمتهم وللعباد والبلاد الخير والصلاح، وهو ما نعتقد أن علماءنا في الوقت الحاضر وهم المتبعون لمنهج السلف الصالح يقومون به لولاة أمورهم بالأسلوب الذى ذكره العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ، فهم لا يقدمون النصائح علنًا حتى نسمعها، لأنهم يعلمون أنها بهذه الأسلوب غير مجدية، ولا هو منهج أهل السنة والجماعة، ثم هم لا يفسدون تلك النصائح التي يقدمونها بالتمدح بين الناس بأن يقولوا: فعلنا وفعلنا وقلنا لهم وقلنا؛ لأن هذا ـ كما قال السعدي فيه رياء وعدم إخلاص في النصيحة، وفي الوقت نفسه فيه أضرار كثيرة.
أما الوقائع العينية مع الولاة والأمراء فما صح منها فإنه كان نصيحة للأمير مباشرة عند ظهور مخالفتة للسنة، مع وجود الألفة بينهم ـ أي: العلماء والأمراء ـ، والقصد من النصيحة الإصلاح لا التشهير كما في قصة مروان أمير المدينة، ففي صحيح البخارى كتاب العيدين ح 956 عن أبي سعيد الخدري قال:
ص -42- "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة" قال: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ـ وهو أمير المدينة ـ في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجذبني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة.
قال ابن حجر وفي رواية عبد الرزاق عن داود بن قيس: "وهو ـ أي: مروان ـ بين أبي مسعود ـ يعني: عقبة بن عمرو الأنصارى ـ، قلت: وهذا يدل على الصلة الوثيقة بين العلماء وولاة الأمور".
ويقول ابن حجر وهو يعدد فوائد الحديث: "وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة، وفيه جواز عمل العالم بخلاف الأَولَى إذا لم يوافقة الحاكم على الأَولى، لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف، فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها، والله أعلم.
ثم نقل عن ابن المنير قوله: حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين، وحمله مروان على الأَولية، واعتذر عن ترك الأَولَى بما ذكر من تغير حال الناس، فر أى أن المحافظة على أصل السنة وهو سماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها، والله أعلم.
ومثل هذا ما ذكر من الوقائع مع عمر بن الخطاب، فما صح من ذلك، فهو نصيحة للأمير أو الوالي مشافهة في الوقت نفسه الذى ظهر فيه ما يخالف السنة، لا تشهيراً وقدحًا وإشاعة لمثالبهم ففي ذلك شر وضرر وفساد كبير.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: لأن الهدف هو الإصلاح، وبهذا الأسلوب يتحقق الإصلاح ـ إن شاء الله ـ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.









آخر تعديل عمي صالح 2014-01-03 في 22:09.
رد مع اقتباس