منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ما قيل في كتاب الله تعالى - المطلوب المشاركة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-03-30, 16:59   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ابو مريم الجزائري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

[size=5]السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

'' فأما القرآن العظيم وما انطوى عليه من المعجزات، فمعجزاته كثيرة نحصرها في عشرة أوجه:

- الوجه الأول:
حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة عادة العرب، وذلك أنهم خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الأمم، وحسبك أن القرآن أنزل بلغتهم، ومع ذلك فقد قرعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به، ووبخهم وسفه أحلامهم، وسب آلهتهم، وذكم آباءهم، وشتت نظامهم، وفرق جماعتهم، وأنزل الله تعالى فيهم ما أنزل من قوله عز وجل: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس 38 ]. " وقوله تعالى: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{24} [ البقرة ] ، وقوله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [الإسراء88 ] وغير ذلك، فنكصوا عن معارضته، وأحجموا عن مماثلته، ورضوا بقولهم { قلوبنا غلفٌ } و {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } [ فصلت5 ] و {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }[ فصلت26 ]، واعترف فصحاؤهم عند سماعه أنه ليس من كلام البشر، كالوليد بن المغيرة وعتبة ابن ربيعة.

- الوجه الثاني :
صورة نظمه العجيب، المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها، وسجعها ورجزها وهزجها وقريضها، ومبسوطها ومقبوضها، كما قال الوليد بن المغيرة لقريش عند اجتماعهم كما قدمناه، ومن ذلك جمعه بين الدليل والمدلول، وذلك أنه احتج بنظم القرآن، وحسن وصفه وإيجازه وبلاغته، وأثناء هذه البلاغة أمره ونهيه ووعده ووعيده، فالتالي له يفهم موضع الحجة والتكليف معاً من كلام واحد.

- الوجه الثالث:-
ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما لم يكن ولم يقع فوجد، كما جاء في قوله تعالى: " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " . وقوله في الروم: { و َهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }[ الروم3 ]. وقوله: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } [لست أدري هل يقصد التوبة:33 ، أو الصف: 9 ؟؟ ] وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ } [ النور55 ].... الآية.
وقوله: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [ الفتح 1 ] ...السورة، فكان جميع ذلك: فتح الله مكة، وغلبت الروم فارس، وأظهر الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ]، ودخل الناس في دين الله أفواجا، واستخلف الله المؤمنين في الأرض، ومكن دينهم وملكهم أقصى المشارق والمغارب، وما فيه من الإخبار بحال المنافقين واليهود، وكشف أسرارهم، وغير ذلك.

- الوجه الرابع :
ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة والشرائع الداثرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا من مارس العلوم من أهل الكتاب، واطلع على الكتب المنزلة القديمة، كقصص النبياء مع قومهم، وخبر موسى [ عليه السلام ] والخضر وذي القرنين ولقمان وابنه وبدء الخلق، وغير ذلك مما في كتبهم القديمة مما اعترف بصحته العلماء من أحبار يهود، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه مع عدم إنكارهم لصحته، قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [المائدة15] .

- الوجه الخامس :
الروعة التي تلحق قلوب سامعيه، وأسماعهم عند سماعه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته؛ قال الله عز وجل: { [ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ ] تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } [ الزمر23 ] وقال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [ الحشر21 ] هذا في حق المؤمنين به، وأما من كذب به فكانوا يستثقلون سماعه، ويودّون انقطاعه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن صعب مستصعب على من كرهه [ ميسر على من تبعه ] وهو الحكم " [ أخرجه: الخطيب فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع (2/189 رقم 1573) وأوره الذهبى فى ميزان الاعتدال (5/371 ترجمة 6552) والحافظ ابن حجر فى اللسان (4/391 ، ترجمة 1193) كلاهما فى ترجمة عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمى ].وقد تقدم أن عتبة بن ربيعة لما سمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ قوله: " صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود " [ فصلت 13 ] ، أمسك على في [ فم ] النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف ''.

- الوجه السادس:
كونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا، وقد تكفل الله تعالى بحفظه فقال: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [ الحجر 9 ] . وقال تعالى " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " [ فصلت 42 ] ، وسائر معجزات الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها، فلم يبق إلا خبرها، والقرآن العزيز باق منذ أنزله الله تعالى وإلى وقتنا هذا، وما بعد إن شاء الله إلى آخر الدهر، حجته قاهرة، ومعارضته ممتنعة.

- الوجه السابع :
أن قارئه لا يمل قراءته، وسامعه لا تمجه مسامعه، بل الإكباب على تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبة، لا يزال غضا طريا، وغيره من الكلام ولو بلغ ما عساه أن يبلغ من البلاغة والفصاحة يمل مع الترديد، ويسأم إذا أعيد، وكذلك غيره من الكتب لا يوجد فيها ما فيه من ذلك، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن " [color=#FF8C00]أنه لا يحلق على كثرة الرد ولا تنقضي عبره، ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل [ هامش /color]" . [ 1].

- الوجه الثامن:
أن الله تعالى يسر حفظه لمتعلميه، وقربه على متحفظيه، قال الله تعالى: " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكرٍ " [ القمر 17 ]، فلذلك إن سائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منها، وإن لازم قراءاتها، وداوم مدارستها، لم يسمع بذلك عن أحد منهم، والقرآن قد يسر الله تعالى حفظه على الغلمان في المدة القريبة والنسوان، وقد رأينا من حفظه على كبر سنه، وهذا من معجزاته.

- الوجه التاسع :
مشاكله بعض أجزائه بعضا، وحسن ائتلاف أنواعها، والتئام أقسامها، وحسن التخلص من قصة إلى أخرى، والخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه، وانقسام السورة الواحدة على أمر ونهي، وخبر واستخبار ووعد ووعيد، وإثبات نبوة وتوحيد، وتقرير وترغيب وترهيب، إلى غير ذلك، دون خلل يتخلل فصوله، والكلام الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته، ولانت جزالته، وقل رونقه، وتقلقلت ألفاظه، وهذا من الأمور الظاهرة التي لا يحتاج عليها إقامة دليل، ولا تقرير حجة، ولا بسط مقال.

- الوجه العاشر :
وجمعه لعلوم ومعارف لم تعهدها العرب، ولا علماء أهل الكتاب، ولا اشتمل عليها كتاب من كتبهم، فجمع فيه من بيان علم الشرائع، والتنبيه على طرق الحجج العقليات، والرد على فرق الأمم بالبراهين الواضحة، والأدلة البينة السهلة الألفاظ، الموجزة المقاصد، لقوله تعالى: " أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم " [ يس 81 ] ، وقوله: " قل يحييها الذي أنشأها أول مرةٍ " [ يس 79 ]، وقوله: " لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا " [ الأنبياء 22 ] إلى غير ذلك مما اشتمل عليه من المواعظ والحكم وأخبار الدار الآخرة، ومحاسن الآداب، وغير ذلك مما لا يحصيه واصفٌ، ولا يعده عادٌ، قال الله تعالى: " ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ " [ الأنعام 38 ] ، وقال تعالى: " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثلٍ " [ الروم 58 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أنزل على القرآن آمراً وزاجراً، وسنةً خالية، ومثلا مضروبا، فيه نبأكم وخبر ما كان قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلقه طول الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الحق ليس بالهزل، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فلج، ومن قسم به أقسط، ومن عمل به أجر، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله، ومن حكم بغيره قصمه الله، هو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، والشفاء النافع، عصمةٌ لمن تمسك به، ونجاةٌ لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد " [هامش 2 ] وقد عدوا في إعجازه وجوها كثيرة غير ما ذكرناه فلا نطول بسردها. " .

من كتاب نهاية الارب في فنون الادب :6/126.
باب ذكر معجزاته [ رسول الله صلى الله عليه وسلم].
المؤلف: الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم البكري التميمي القرشي المعروف بالنويري الكندي المتوفى سنة 733هـ - 1331م ( رحمه الله تعالى).
طبعة: دار الكتب المصرية بمصر- سنة 1923م .


-------------