أمام كل هذا نتساءل عن سلطات قاضي التحقيق في مواجهة الشخص المعنوي ؟
إن من أهم النتائج المترتبة على مبدأ الجمع بين المسؤوليتين هو ملائمة المتابعة بالنسبة للنيابة، لذا يميز بين حالة الشخص الطبيعي الممثل للشخص المعنوي، وحالة الشخص المعنوي في حد ذاته .
أ- حالة الشخص الطبيعي الممثل للشخص المعنوي:
عندما تتخذ إجراءات الدعوى الجزائية اتجاه ممثل الشخص المعنوي بصفته وليس كمسؤول عن الجريمة هنا لا يجوز أن يتعرض هذا الممثل لأي إجراء ينطوي على إكراه غير تلك الإجراءات التي تتخذ ضد الشاهد [64]ومن ثم لا يجوز القبض عليه ولا حبسه مؤقتا أو إخضاعه للرقابة القضائية، والإجراء الوحيد الذي ينطوي على القهر والذي يمكن أن يتخذه قاضي التحقيق أو المحكمة المختصة اتجاهه هو إجباره على الحضور بواسطة رجال السلطة العامة إذا رفض الحضور طوعا، غير أن الشخص المعنوي ذاته يمكن إخضاعه للرقابة القضائية [65].
ب - حالة الشخص المعنوي ذاته:
يبدو من غير المعقول تطبيق إجراءات الحبس المؤقت على الشخص المعنوي مثلما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، غير أن لقاضي التحقيق كامل الصلاحية بعد توجيه الاتهام من طرف النيابة في وضع الشخص المعنوي تحت نظام الرقابة القضائية وفق ما جاءت به المادة 65 مكرر4 قانون إجراءات جزائية- المقابلة لنص المادة45.706 قانون إجراءات جزائية فرنسي- وبمقتضى ذلك يستطيع قاضي التحقيق أن يخضع الشخص المعنوي لتدبير أو أكثر من التدابير الآتية:
Ø إلزامه بدفع كفالة.
Ø إلزامه بتقديم تأمينات عينية لضمان حقوق الضحية.
Ø منعه من ممارسة بعض الأنشطة المهنية أو الاجتماعية إذا كانت الجريمة ارتكبت أثناء ممارسة هذه الأنشطة أو بمناسبتها.
Ø المنع من إصدار شيكات أو استعمال بطاقات الدفع مع مراعاة حقوق الغير.
ويجوز لقاضي التحقيق التعديل من مضمون هذه الرقابة أو رفعها كلية إما تلقائيا أو بطلب من وكيل الجمهورية أو المتهم حسب القواعد العامة .
وبطبيعة الحال فإن مخالفة الالتزامات المفروضة على الشخص المعنوي بناء على الرقابة القضائية لا يكون الحبس المؤقت كما هو الوضع بالنسبة للشخص الطبيعي بل يترتب عليه غرامة من100.000دج إلى 500.000دج بأمر من قاضي التحقيق بعد أخد رأي وكيل الجمهورية.
مع العلم أن التقرير التمهيدي عن مشروع القانون المعدل للأمر رقم155.66المتضمن قانون الإجراءات الجزائية اقترح إدراج مادة جديدة(65 مكرر5) تنص على معاقبة ممثل الشخص المعنوي الذي يخالف التدابير المتخذة ضد الشخص المعنوي بنصف العقوبة المحدد في المادة 65 مكرر4، إلا أنه بعد مناقشة هذا الاقتراح رأت اللجنة عدم تبنيه لأن الأحكام الواردة في ذات الفصل والعقوبات المنصوص عليها في المادة65 مكرر4 التي يقترح التعديل تطبيقها تخص الشخص المعنوي الذي تختلف مسؤوليته الجزائية عن مسؤولية الشخص الطبيعي.
وفي هذا الإطار لا يمكن معاقبة الشخص المعنوي وممثله بعقوبتين على نفس الفعل، وهو مخالفة التدبير المقرر أثناء مر حلة التحقيق.
المبحث الثـاني
الجزاءات المطبقـة على الأشخاص المعنوية
أثرنا تسميه الفصل تحت عنوان "الجزاءات" لأن لفظ الجزاء يشمل العقوبة والتدبير في نفس الوقت خاصة بعد الاعتراضات التي لاقتها فكرة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، وقد كان من بين أسباب الاعتراض في إقرارها أن العقوبات المنصوص عليها وعلى الأخص السالبة للحرية لا يمكن تطبيقها عليه.
ولكن بعد اتساع نطاق تطبيق عقوبة الغرامة وابتكار عقوبات جديدة تتلاءم مع طبيعته، لم يعد لهذا الاعتراض محل، وهو ما تبناه المشرع الجزائري بتعديل كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية.
لذا يبقى السؤال المطروح حول نوع العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي؟ وهل هناك تدابير تتخذ في مواجهته؟
المـطلـــب الأول
العقـــوبات المطبقــــة علـى الشخـص المعنـوي
أول ما يمكن أن يقال حول العقوبات المستحدثة للشخص المعنوي في ظل التعديل الجديد سواء ما جاءت به المادة 18 مكرر، 18 مكرر 1 بالنسبة للجنايات، الجنح والمخالفات كقاعدة عامة، أو ما خض به الجرائم محل المساءلة السابق تبيانها، أن المشرع لم يميز بين العقوبات الأصلية والعقوبات التكميلية التي جاءت بها المادة التاسعة منه، لذا عمل على إدماجها في بعض جوانبها على أنها عقوبات أصلية، وهذا راجع إلى ما أملته عليه طبيعة الشخص المعنوي في حد ذاتها كمحل للمساءلة يختلف عن الشخص الطبيعي، إضافة إلى ما يثار من تساءل عند محاولة ترجمة اتجاه المادة 18 مكرر 1 ومحلها من التطبيق من حيث تحديد المخالفات المتابع بها الشخص المعنوي في ظل المادة الأولى من القانون ذاته إذ "لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير امن بغير قانون"، فنحن حقيقة أمام عقوبة مستحدثة لكن في غياب الجريمة يجعل منه نصا لجزاء لن يطبق لا قانونا ولا عملا على خلاف ما جاء به في الجنح والجنايات، وهذا راجع إلى التسرع في تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي دون إعادة النظر في قانون العقوبات وخاصة في جوانب المخالفات منه.
لذا يمكن تقسيم العقوبات التي تطبق عليه قياسا على تلك المطبقة على الشخص الطبيعي إلى مجموعة من التقسيمات تبعا للمعيار الذي جاء به في الباب الأول مكرر في كل من المادتين 18 مكرر، 18 مكرر 1 وإسقاطها على فحوى النصوص الخاصة في القانون ذاته المحددة للجرائم محل المتابعة والعقوبات المستحدثة بالنظر إلى الحق الذي تمس به [66] وفقا للنهج الذي سار عليه بعض فقهاء القانون الفرنسي:
1- عقوبات تمس ذمته المالية المباشرة:
أ- الغرامة:
تتمثل في إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من المال لصالح خزينة الدولة ويعتبر من أهم العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في كل من الجنايات، الجنح والمخالفات.
لذا جاء النص عليها كقاعدة عامة في كل من المادة 18 مكرر بالنسبة للجنايات والجنح والمادة 18 مكرر1 إذا كنا أمام مخالفة « الغرامة التي تساوي من مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة » وهو ما يقابل نص المادة 131/38 قانون عقوبات فرنسي [67] .
إضافة إلى تحميلها في النصوص القليلة التي أفردها لتحديد الجرائم محل المتابعة سواء ما تعلق منها بجريمة تكوين جمعية الأشرار " مادة 177 مكرر 1" أو جريمة تبيض الأموال مادة " 389 مكرر 7 " وجريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات " مادة 394 مكرر 4 " .
إلا أنه وباستقراء هذه النصوص السابقة نتوصل إلى أن المشرع الجزائري قد حدد الغرامة التي يمكن فرضها على الشخص المعنوي على أساس تلك المطبقة على الشخص لطبيعي، وذلك في الحالات التي يمكن أن ترتكب فيها الجريمة بواسطة أجهزته أو ممثليه دون أن يساوي بينهما فجعلها تعادل خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في كل من جريمتي تكوين جمعية الأشرار والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وأن لا تقل عن أربع مرات في جريمة تبييض الأموال.
ومؤدى ذلك أنه إذا ارتكب شخص معنوي جريمة تبييض الأموال فإن الحد الأدنى لعقوبة الغرامة يكون إما 12.000.000 دج أو 32.000.000 دج حسب الحالة.
وتصبح الغرامة معادلة لـ 500.000 دج أو 10.000.000 دج أو 25.000.000 دج إذا كنا أمام جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وهكذا تحسب الغرامة جناية أو جنحة أو مخالفة.
ويبدو أن المشرع الجزائري قد وضع في اعتباره أن عقوبة الغرامة تطبق عادة على الشخص الطبيعي مع عقوبة أخرى سالبة للحرية، ولما كانت الأخيرة لا يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي فقد وجد أن المساواة تقتضي مضاعفة مبالغ الغرامة التي يحكم بها عليه.
وإذا كان المشرع قد حدد مجال الغرامة في القاعدة العامة في حدها الأدنى والأقصى إلا أنه لم يحدث انسجام سواء بينها وبين النصوص الخاصة المستحدثة في ذات القانون أو بين هذه الأخيرة ذاتها، إذ وضع حدا لإعمال السلطة التقديرية للقاضي في جريمتي تكوين جمعية الأشرار والمساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات إذ جاءت بمعنى اللزوم بالحكم في حدود 05 مرات الحد الأقصى للغرامة المطبقة على الشخص الطبيعي في ذات الجريمة على خلاف نص المادة 389 مكرر7 إذ وضع الحد الأدنى للغرامة تاركا المجال مفتوح لسلطة القاضي فيما يخص الحد الأقصى والذي لا يمكن أن يتجاوز حسب اعتقادنا في كل الأحوال ما جاء في المادة 18 مكرر.
دون أن ننسى الإشارة إلى بعض النصوص الخاصة التي حملها المشرع- بعد تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في كل من قانوني العقوبات و الإجراءات الجزائية-، عقوبة الغرامة كالقانون رقم 18.04 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار الغير المشروعين بها [68]، والأمر رقم 05.05 المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2005 [69] بالإضافة إلى الأمر رقم 06.05 الخاص بمكافحة التهريب [70].
ب – المصادرة :
عرفتها المادة 15 قانون عقوبات بأنها الأيلولة النهائية إلى الدولة لمال معين أو أكثر، جاء النص عليها في المادة 18 مكرر، 18 مكرر 1 كعقوبة أصلية في الجنايات، الجنح والمخالفات، إلا أنه ومن منطلق الخاص يقيد العام أسقطت هذه العقوبة من نص المادة 394 مكرر4 الخاصة بجريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، بينما أبقي عليها في كل من جريمتي تبييض الأموال و تكوين جمعية الأشرار، إلا انه في الأولى قيد سلطة القاضي في الحكم بها من عدمه فجاءت بصيغة الوجوب مع الغرامة على اختلاف الثانية أطلقها و جعلها عقوبة تخييرية بعد الحكم بالغرامة، و تنصب المصادرة إما على الشيء أو على قيمته:
· مصادرة الشيء ذاته :
حدد المشرع الأشياء محل المصادرة كقاعدة عامة في المادتين 18 مكرر، 18 مكرر 1 و كقاعدة خاصة في جريمتي تبييض الأموال و تكوين جمعية الأشرار –بينما اكتفى بالنص على الغرامة المالية فقط كعقوبة وحيدة لجريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات بقوله «أن المصادرة تقع على الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو الناتج عنها» كما تشمل كذالك مصادرة الممتلكات و العائدات محل التبييض إذا كنا أمام جريمة تبييض الأموال.
· مصادرة قيمة الشيء:
يتم مصادرة قيمة الأشياء السابقة إذا كان الشيء المصادر لم يتم ضبطه أو تقديمه للجماعات المسؤولة لذا أجازت المادة 389 مكرر 7 في جريمة تبييض الأموال على خلاف باقي الجرائم أن تكون المصادرة على قيمة هذه الممتلكات في حالة الحجز الإعتباري.
2- عقوبات ماسة بوجود الشخص المعنوي أو حياته:
أ - حل الشخص المعنوي:
يقصد بحل الشخص المعنوي منعه من الاستمرار في ممارسة نشاطه، و هذا يقتضي آن لا يستمر هذا النشاط حتى و لو كان تحت اسم آخر أو مع مديرين أو أعضاء مجلس إدارة أو مسيرين آخرين و يترتب على ذلك تصفية أمواله مع المحافظة على حقوق الغير حسن النية [71].
ولا شك أن عقوبة الحل تعتبر من اشد أنواع العقوبات التي توقع على الأشخاص المعنوية لذا جعلها المشرع الجزائري جوازيه صراحة في نص المادة 18 مكرر المحددة للعقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية كقاعدة عامة و أكدها في نص المادتين 177 مكرر1، 389 مكرر 7 الخاصتين بجريمتي تكوين جمعية الأشرار و تبييض الأموال على التوالي، بينما استبعدها على إطلاقها من مفهوم المادة 18 مكرر 1 و المادة 394 مكرر 4 و هو ما يفرض علينا التساؤل فإذا كانت أسباب استبعادها في المخالفات يمكن أن نجد له مبرر في عدم خطورتها سنقف من دون شك بلا جواب عند البحث عن أسباب حصر جريمة المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات في عقوبة الغرامة لا غير دون باقي العقوبات بما فيها الحل رغم خطورتها.
وعلى خلاف المشرع الجزائري الذي لم يتطرق إلى مضمون هذه العقوبة و قواعد تطبيقها جاءت المادة 131/39 من قانون العقوبات الفرنسي للنص على حالتين يجوز فيهما للقاضي الحكم بالحل مع تحديد ماهية الجريمة التي يجوز فيها ذلك، إذا أنشئ الشخص المعنوي لارتكاب الوقائع الإجرامية أو أن يتحول عن هدفه المشروع إلى ارتكاب الجريمة على أن تكون جناية أو جنحة عقوبتها الحبس لمدة 05 سنوات مع إحالته للمحكمة المختصة لإجراء تصفيته. .
3 - عقوبات ماسة بالنشاط المهني للشخص المعنوي:
أ - غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز 05 سنوات :
يقصد بها منع ممارسة النشاط الذي كان يمارس قبل الحكم بالغلق و هي ما تقابل نص المادة 131/39 فقرة رابعة قانون عقوبات فرنسي [72].
وتعد هذه العقوبة من العقوبات الأصلية التي نص عليها المشرع الفرنسي لكثير من الجنايات و الجنح على خلاف المشرع الجزائري الذي أوردها ضمن العقوبات العامة المطبقة على الشخص المعنوي إلا انه لم يتبناها إلا في النص الخاص بجريمة تكوين جمعية الأشرار مستبعدا باقي الجرائم الأخرى بما فيها المخالفات مما يجعل حدود تطبيقها ضيق بالرغم من أهمية هذه الجرائم لمثل هذه العقوبة خاصة و أنها خاضعة لتقدير القاضي بعد الحكم بالغرامة و بصفة مؤقتة لمدة لا تتجاوز 05 سنوات يحددها الحكم الصادر بالإدانة.
ب- المنع من ممارسة نشاط مهني أو اجتماعي :
أوردت المادة 18 مكرر قانون عقوبات المقابلة لنص المادة 131/39 فقرة ثانية عقوبات فرنسي [73]، عقوبة المنع من ممارسة نشاط مهني أو اجتماعي في الجنايات و الجنح إلا انه و كباقي العقوبات افردها لجريمتي تكوين جمعية الأشرار و تبييض الأموال دون باقي الجرائم الأخرى.
إلا أن الملاحظ عند استقراء هذه النصوص غياب التنسيق بين القاعدة العامة و النصوص الخاصة بالجرائم محل المساءلة إذ جاءت نص المادة 177 مكرر1 بصيغة الإلزام بالحكم لمدة 05 سنوات مع التوسع في مجال تحديد النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته، على خلاف نص المادة 389 مكرر7 تركت المجال مفتوح لإعمال السلطة التقديرية للقاضي عند الحكم بها لمدة لا تتجاوز 05 سنوات دون تحديد مجال النشاط على عكس ما اتجه له التشريع الفرنسي في تعريفه لمفهوم النشاط المهني أو الاجتماعي في المادة 131/28 منه [74].
4-العقوبات الماسة ببعض الحقوق:
أ - الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات:
يقصد بهذا الإجراء حرمان الشخص المعنوي من التعامل في أية عملية يكون طرفها احد أشخاص القانون العام كما جاءت به المادة 131/34 قانون عقوبات الفرنسي.
ويستوي أن تكون الصفقة منصبة على أعمال عقارية أو منقولة، و سواء تعلقت بالقيام بعمل أو تقديم خدمة أو مواد معينة، و يمنع على الشخص المعنوي الاقتراب من الصفقة التي يكون احد أطرافها شخص من أشخاص القانون سواء مباشرة أو غير مباشرة، و هذا يعني انه لا يجوز التعاقد من الباطن مع شخص معنوي آخر تعاقد مباشرة مع الشخص المعنوي العام [75].
لذا جاء النص على هذه العقوبة كقاعدة عامة في نص المادة 18 مكرر في كل من الجنايات و الجنح دون المخالفات بصيغة الجواز بعد الحكم بالغرامة، و تم تضمينها في النص الخاص بجريمة تكوين جمعية الأشرار دون باقي الجرائم الأخرى إلا أنها وردت بصيغة اللزوم من حيث تحديد مدة الإقصاء بخمس سنوات، مما يدعو إلى تقييد سلطة القاضي في الحكم بخلافها.
ب - الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات :
يتمثل هذا الإجراء في وضع الشخص المعنوي تحت حراسة القضاء، و هو بالتالي يقترب كثيرا من نظام الرقابة القضائية، جاء النص عليه في المادة 18 مكرر المحددة للعقوبات المطبقة على الشخص المعنوي بما فيها المخالفات، و قد حدد هذا الإجراء لمدة مؤقتة لا تتجاوز 05 سنوات تنصب على حراسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.
إلا أن ما يعيب على هذا النص هو عدم تضمينه لإجراءات الحراسة القضائية على أنشطة الشخص المعنوي على خلاف التشريع الفرنسي في نص المادة 131/46 قانون عقوبات، إذ جعل الحكم الصادر بهذا الإجراء يعين وكيلا قضائيا مع تحديد مهامه في الإشراف على الأنشطة التي بموجب ممارستها أو بمناسبتها ارتكبت الجريمة، مع تقديم كل 06 أشهر تقريرا إلى قاضي تطبيق العقوبات عن المهمة المكلف بها، ليعرض على القاضي مصدر الأمر حتى يتمكن من تغيير العقوبة أو رفع الحراسة القضائية أو الإبقاء عليها [76].
5 - العقوبات الماسة بالسمعة:
أ - نشر وتعليق حكم الإدانة:
يقصد به نشر حكم الإدانة بأكمله أو مستخرج منه فقط في جريدة أو أكثر تعينها المحكمة أو تعليقه في الأماكن التي يبينها الحكم على أن لا تتجاوز مدة التعليق شهر واحد.
ويكون ذلك على نفقة المحكوم عليه في حدود ما تحدده المحكمة لهذا الغرض من مصاريف، ولا يميز المشرع في نص المادة 18 مكرر بين الجناية والجنحة، إذ يجوز الحكم بها في كل الجرائم، غير أنه يشترط أن تكون هذه العقوبة مقررة بنص صريح في القانون، وهو ما لم يتبناه في كل الجرائم المستحدثة لمساءلة الشخص المعنوي في ظل تعديل قانون العقوبات بما فيها المخالفات.
المطــلب الثانـــــي
التــدابيـــر المتخــذة في مواجهـة الشخــص المعنــوي
يعد تدبير الأمن الصورة الثانية للجزاء الجنائي يعرفها علماء العقاب على أنها مجموعة الإجراءات التي يصدرها القاضي لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص مرتكب الجريمة بغرض تخليصه منها.
وإذا كان قانون العقوبات الجزائري لم يعرف تدابير الأمن فقد نص عليها في المادة الأولى وسوى بينها وبين العقوبة من حيث خضوعها لمبدأ الشرعية بنصه «العقوبة درجة واحدة ولا عقوبة
أو تدابير أمن بغير قانون » كما أشار إليها في المادة الرابعة التي نصت فقرتها الأولى على أن «يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير أمن » وأضافت في فقرتها الأخيرة أن لتدابير الأمن هدف وقائي وهي إما شخصية وإما عينية.
وبذلك يكون المشرع قد قسم تدابير الأمن إلى تدابير شخصية وأخرى عينية، وما يهمنا هو النوع الأخير لارتباطها بالشخص المعنوي ومنها نتساءل عن مكانتها بين العقوبات المستحدثة في ظل تعديل قانون العقوبات؟.
من منطلق مبدأ الشرعية نقول أن المشرع الجزائري أستبعد صراحة تضمين العقوبات المستحدثة للشخص المعنوي في ظل تعديله لقانون العقوبات التدابير الاحترازية واقتصر على حصرها في العقوبات الأصلية نظرا لطبيعة الشخص المعنوي في حد ذاته.
إلا أنه وباعتبار أن العقوبات الموقعة لا تهدف إلى التكفير عن الذنب أو إصلاح حال الجاني كما هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي، وإنما تهدف أساسا إلى تحقيق الردع، كان من الأجدر لو أفرد التعديل الجديد بعض العقوبات كتدابير يرجع إعمالها إلى السلطة التقديرية للقاضي خاصة ما تعلق بعقوبة الإقصاء من الصفقات العمومية، الوضع تحت الحراسة القضائية أو المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية تطبق بجانب باقي العقوبات الأصلية الأخرى خاصة وأن طبيعة هذه العقوبات تميل إلى كونها عقاب أكثر منـه تد بير.
المبحث الثالث
مجال تطبيق العقـوبة على الأشخاص المعنـوية
أعطى المشرع الفرنسي سلطة تقديرية كبيرة في تحديد العقوبة الواجبة التطبيق، وهذه السلطة ليست قاصرة على تحديد عقوبة الشخص الطبيعي، وإنما تمتد أيضا إلى الشخص المعنوي في الحالات التي يتواءم فيها استخدام هذا الأمر، فهو يستطيع بحرية ودون حاجة لإبداء الأسباب لأن يحدد مقدار العقوبة، وفي تحديده هذا يضع في اعتباره مقدار الضرر الذي نتج عن الجريمة وجسامة الخطأ المنسوب إلى المتهم وشخصية هذا الأخير [77]، ولعل من أهم مظاهر هذه السلطة فيما يتعلق بتطبيق العقوبة على الشخص المعنوي.
سلطة القاضي في وقف تنفيذ العقوبة وفي الإعفاء منها أو تأجيلها مع التشديد في العقاب في حالة العود.
فما مكانة هذه السلطات في ظل استحداث المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية؟
الإجابة عن هذا التساؤل ستكون محور دراستنا في هذا المبحث بداية بتحديد سلطة القاضي في وفق تنفيذ العقوبة ( المطلب الأول ) ثم الإعفاء منها أو تأجيل النطق بها مع تشديدها في حالات العود ( المطلب الثاني ).