منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - عاجل إلى الأخ عباس: المسؤولية الجزاية للشخص المعنوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-24, 18:35   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أمينة87
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمينة87
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المطلــب الثانـي
الإتجـاه التشريعـي حول فكـرة المسؤوليـة الجزائيـة للشخـص المعنوي

إن إبراز موقف التشريع الجزائري خلال الحقبة السابقة لتعديل كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية له بالأهمية بما كان، حتى يمكننا معرفة اتجاه المشـرع إلى التكريــس المرحلي للمسؤولية الجزائية، الذي أملته عليه جملة التحـولات السياسيــة و الاقتصاديــة والاجتماعية التي عرفتها بلادنا، قصد إيجاد جوابا للتساؤل الذي فرض نفسه ولعدة سنوات حول ما إذا كان جائزا إقامة المسؤولية الجزائية ليس فقط على عاتق رئيس أو مدير المؤسسة بل على الشركة نفسها بصفتها شخصا معنويا ؟

وحتى نصل إلى الجواب سنتطرق إلى جملة التشريعات المرحلية المتعاقبة في كل من قانون العقوبات أو القوانين المكملة له المعالجة لهذه المسألة بداية من مرحلة:

Ø عدم الإقرار إلى
Ø الإقرار الجزئي إلى
Ø التكريس الفعلي لهذا المبدأ.

1) مرحلة عدم الإقرار :

كقاعدة عامة جاء بها قانون العقوبات لسنة 1966 الذي لم ينص في مواده على جزاءات تلحق بالشخص المعنوي.

فنصت المادة التاسعة منه في بندها التاسع على عبارة "حل الشخص الاعتباري" ضمن العقوبات التكميلية التي تجيز الحكم بها في الجنايات والجنح، وهذا ما قاد إلى الاعتقاد بأن المشرع الجزائري يعترف ضمنيا بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، إلا أن هذا الرأي مردود لعدة أسباب [16] .

· أنه لا يوجد أي دليل يمكن الاستناد إليه للقول بأن عقوبة "حل الشخص الاعتباري" عقوبة مقررة لشخص معنوي ارتكب جريمة باسمه ولحسابه، والواقع أنها عقوبة تكميلية مقررة للشخص الطبيعي الذي يرتكب جناية أو جنحة.

· إضافة إلى أن الوارد في هذه الفقرة هو تدبير أمن شخصي [17]لا يوقع إلا على الأشخاص الطبيعيين، لأنه يفترض فيهم أنهم وحدهم قادرون على مزاولة مهنة أو نشاط أو فن، وبذلك يكون حكم المادة 23 الذي يحدد حالات تطبيق هذا التدبير قاصرا على الأشخاص الطبيعيين دون الأشخاص الاعتباريين.

ثم أن المشرع الجزائري قد أفرغ هذه العقوبة من محتواها في نص المادة 17 التي جاءت لتوضيح مفهوم العقوبة، وشروط تطبيقها و ذالك بكيفيتين:

Ø الأولى/ تتمثل في كون المشرع لم يعد يتكلم عن حل الشخص المعنوي، و إنما تحدث عن منع الشخص الاعتباري من الاستمرار في ممارسة نشاطه.
Ø الثانية/ تتمثل في كون المشرع لم يحدد شروط العقوبة سالفة الذكر، وحيث أنها عقوبة تكميلية فلا يجوز الحكم بها إلا إذا نص القانون عليها صراحة كجزاء لجريمة معينة، وبالرجوع إلى قانون العقوبات و القوانين المكملة له لا نجد فيها إطلاقا حل الشخص المعنوي كعقوبة لجناية أو جنحة [18] .

هذا يحيلنا إلى إشكال آخر ورد في المادة 647 من قانون الإجراءات الجزائية المدرجة ضمن الباب الخامس، الذي ينظم أحكام "صحيفة السوابق القضائية" فهذه المادة تضع أحكاما خاصة بتحرير بطاقات صحيفة السوابق القضائية للشركات المدنية والتجارية، وتحدد المادة حالات هذه البطاقة فتنص في الفقرة الثانية "كل عقوبة جنائية في الأحوال الاستثنائية التي يصدر فيها مثلها على شركة".

والسؤال الذي يطرح هنا: هل معنى ذلك أن المشرع الجزائري قد حاد على الأصل وأقر بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؟

يرى الدكتور "رضا فرج" في شرحه لهذه المادة، بأن المشرع الجزائري بإيراده للفقرة السابقة الذكر يكون قد استبعد في الواقع إمكانية توقيع العقوبة على الشخص المعنوي، وبالتالي استبعد الاعتراف بمساءلته كقاعدة عامة، والفقرة جاءت لتقرير بعض الأحكام في الحالات الاستثنائية التي تصدر بشأنها نصوص خاصة توقع العقوبات الجزائية على الأشخاص المعنوية [19] .

وما تجدر الإشارة إليه ونحن بهذا الصدد ما جاء به القانون رقم 09.01 المؤرخ في 26 جوان 2001 المعدل والمتمم لقانون العقوبات [20] .

إذ جاء في المادة 144 مكرر 1و المادة 146 المعدلتان، حديث عن النشرية التي تسيء إلى رئيس الجمهورية، أو الهيئات النظامية أو العمومية، بنشرها عبارات تتضمن إهانة، سبا أو قذفا حيث تتعرض هذه النشرية للعقوبات الجزائية المجسدة في الغرامات المالية.

إلى أن السؤال يثور حول من يتحمل المسؤولية الجزائية عن هذه الجرائم الناتجة عن مقال صحفي، عنوان يومي، رسم كاريكاتوري، هل تؤول إلى الصحفي الذي قام بهذا العمل شخصيا، أو إلى المسؤول عن النشرية باعتباره من سمح بنشر مثل هذه المقالات أو الرسوم، أم مساءلة النشرية ذاتها؟

للإجابة على ذلك لا بد من تحديد مدى تمتع النشرية بالشخصية المعنوية من عدمه، لأنه سبق وأن توصلنا إلى أن أي كيان قانوني حتى يمكن مساءلته لا بد من أن يتمتع بالشخصية المعنوية قبل كل شيء.

غير أنه ما يبدو غريبا في هذه المسؤولية، هو التناقض الذي وقع فيه المشرع في القانون 90/07 المتعلق بالإعلام فمن جهة يقرر أن النشرية هي عبارة على شركات أو مؤسسات بما يترتب على ذلك من آثار، ثم يأتي في الباب الرابع تحت عنوان "المسؤولية وحق التصحيح وحق الرد" في المادة 41 منه ليقرر أنه "يتحمل المدير أو كاتب المقال أو الخبر مسؤولية أي مقال ينشر في نشريه دورية أو أي خبر يبث بواسطة الوسائل السمعية البصرية" وهو موفق واضح في تحديد الجهة المسؤولة، لكن بالمقابل في الباب السابع المتعلق بالأحكام الجزائية في المادة 79 يقرر نوعان من العقوبات الخاصة بالأشخاص المعنوية، في الغرامة والوقف.

ومن هذا التحليل نجد أن تطبيق القواعد العامة أمرا حتميا، خاصة بعد تعديل قانون العقوبات في 26جوان 2001، إذ أن الأصل هو تطبيق القانون العام ما لم يرد نص خاص يقيده، وهو ما كان معمول به بموجب قانون الإعلام 90/07 إلى غاية تعديل 2001 الذي أقر المسؤولية الجزائية للنشرية.

انطلاقا مما سبق نلاحظ أن المشرع الجزائري في قانون العقوبات لم يتبنى المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بنص صريح، وإنما نص عليها بصورة ملتوية محددة في نص وحيد، مما يدفعنا إلى البحث في النصوص القانونية الخاصة.



2 )مرحلة الإقرار الجزئي [21] :

ظهر من خلاله اتجاه المشرع إلى الإقرار الجزئي بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، فجاء القانون رقم 90/36 المعدل بالقانون رقم91/25 [22]في المواد من 4 إلى 57 حيث نصت المادة 303 منه المقطع 09 على ما يلي: "عندما ترتكب المخالفة من قبل شركة أو شخص معنوي آخر تابع للقانون الخاص، يصدر الحكم بعقوبات الحبس المستحقة وبالعقوبات التكميلية ضد المتصرفين، والممثلين الشرعيين، أو القانونيين للمجموعة.

ويصدر الحكم بالغرامات الجزائية المستحقة ضد المتصرفين أو الممثلين الشرعيين، وضد الشخص المعنوي، دون الإخلال فيما يخص هذا الأخير، بالغرامات الجبائية المنصوص على تطبيقها"

كما جاء في الأمر رقم 96/22 المعدل والمتمم بالأمر رقم 03/01 [23]صراحة في المادة الخامسة منه "يعتبر الشخص المعنوي الخاضع للقانون الخاص دون المســـاس بالمسؤولية الجزائية لممثليه الشرعيين، مسؤولا عن (مخالفات الصرف) المرتكبة لحسابه، من قبل أجهزته أو ممثليه الشرعيين".

وما يلاحظ على هذا النص، أنه لم يحصر الأشخاص المعنوية ولم يفرض عليها قيدا، على خلاف التشريعات المقارنة وهو ما تداركه المشرع بتعديل رقم 03/01 ليحدد الأشخاص المعنوية الخاصة كمحل للمساءلة الجزائية، إضافة إلى شروط قيام المسؤولية –أن ترتكب لحسابه، ومن قبل أجهزته أو ممثليه- مع تبيان إجراءات المتابعة والعقوبات المطبقة.

وإلى جانب ذلك نجد القانون رقم 03/09 [24]،يعاقب في المادة 18 منه، الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في ذات القانون في المواد من 9 إلى 17 بغرامات مالية تعادل خمس مرات الغرامة المقررة للشخص الطبيعي.

ويبقى لنا أن نشير إلى بعض النصوص القانونية الأخرى التي أقرت صراحة بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، إلا أنها ألغيت بتعاقب القوانين، كالأمر رقم 37.75 المؤرخ في 19 أفريل 1975، المتعلق بالأسعار وقمع المخالفات الخاصة بتنظيمها، الذي ألغي بالقانون رقم 12.89 المؤرخ في 05/07/1989، متخليا بذلك عن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، وبالمقابل نجد بعض النصوص التي أقرت ضمنيا هذه المسؤولية، كالأمر رقم 06.95 المؤرخ في 25/01/1995 المتضمن قانون المنافسة [25].

ومن خلال ما سبق ذكره، نلاحظ أمام الخلط والغموض الذي أضفاه المشرع الجزائري على قانون العقوبات أو حتى في القوانين الخاصة، جعل من مسألة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أكثر تعقيدا عند ترجمة هذه النصوص عند التطبيق.

لذا كان أمام القضاء الجزائري أن استبعد صراحة في عدة مناسبات المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ،حيث رفض بناء على مبدأ شخصية العقوبة وتفرديها الحكم على الشخص المعنوي بالجزاءات الجبائية المقررة في قانون الجمارك ، كما رفض تحميل وحدة اقتصادية مسؤولية دفع الغرامة المحكوم بها على مديرها من أجل ارتكاب جنحة إصدار شيك بدون رصيد لحساب المؤسسة [26] .

كما تجاهـل المجلــس القضائي بعناية الديـوان الوطني للحليـب، عند النظــر في جريمة سوء التسيير [27]التي نسبت إلى المسؤول التجاري لهذا الديوان، عندما تم العثور علـى كميات كبيرة من الحليب متجاهلا كون هذا الأخير شخص معنوي ودون الأخذ لا بمسؤوليته الجزائية ولا حتى المدنية.

ويظهر الحرج الذي كان يحس به القضاء إزاء غياب النص الصريح على المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، في القرار الصادر عن مجلس قضاء قسنطينة ،تعود وقائعه إلى اتهام المدعو (وع) بترويج شيك بدون رصيد لصالح شركة تجارية (م) للإبقاء عليه كضمان، وبالفعل فإن الشركة المستفيدة أبقت على الشيك عندها ولم تقدمه إلا بعد حوالي ثمانية عشر شهرا عندها تبين أنه بدون رصيد، وكان من الطبيعي أن تدين محكمة الجنح الساحب بجنحة ترويج شيك بدون رصيد وقبول الشركة كطرف مدني [28] .

لذا لا جدال في أنه بدون النص الصريح في القانون على هذه المسؤولية، وعلى العقوبات التي يمكن توقيعها على الأشخاص المعنوية، وعلى النظام الإجرائي الخاص بمحاكمته وتنفيذ العقوبة عليه، لا يمكن في ضوء تلك النصوص القول بأن القانون السابق كان يعترف بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي كقاعدة عامة، وبالمقابل لم ينكر إمكانية ذلك وهو ما تضمنته العديد من النصوص القانونية الخاصة.

3 )مرحلة التكريس الفعلي لمبدأ المسؤولية الجزائية :

وهو ما خلص له تعديل كل من قانون العقوبات 04/15 المؤرخ في 10/11/2004، وقانون الإجراءات الجزائية رقم 04/14 الصادر بذات التاريخ، بعد أن قادت إليه عدة دوافع واعتبارات ذاتها التي مرت بها كل التشريعات التي أقرت بالمسؤولية الجزائيـة للشخــص المعنوي، وعلى رأسها القانون الفرنسي [29]-نظرا لتطابق التشريعيـن-، مما أدى إلــى استحداث مسؤولية جزائية محددة من ناحية الأشخـاص والجرائم، ومشروطة ل إ عمالها يجب أن ترتكب لحساب الشخص المعنوي بواسطة أعضائه أو ممثليه، دون أن تنفي مسؤولية الشخص أو الأشخاص الطبيعيين فاعلين كانوا أو شركاء في الجريمة التي يسأل عنها الشخص المعنوي.

فما هو مجال تطبيق هذه المسؤولية؟
وما هو النظام العقابي المستحدث لتكريس ذلك؟






























الفصل الأول
مجال تكريس مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في ظل تعديل قانوني العقـوبات والإجراءات الجزائيـة

قبل إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بموجب تعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، كان هذا الأخير موضع مساءلة مدنية فقط، إلا أن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا جعلت المشرع ينظر للشخص المعنوي من جانب جزائي متعديا بذلك إطار التعويض المدني مما فرض عليه استحداث مجال لمساءلته جزائيا.

لذا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة إبراز كيفية تنظيمه للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في كل من قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، وهذا يعني أننا سنتناول هذا الموضوع من الوجهة التشريعية، بداية بتحديد الأشخاص المسؤولة جزائيا وفقا للمادة 51 مكرر من قانون العقوبات، وهذا يستوجب أن نفرق بين الأشخاص المعنوية العامة والخاصة نظرا لخصوصية المشاكل المتعلقة بالنوعين (مبحث أول).

كما يستلزم أن نتطرق إلى الجرائم التي من شأنها أن تسند للأشخاص الاعتباريين انطلاقا من النصوص القانونية التي تفرض لكل جريمة نص خاص في إطار مبدأ الشرعية (مبحث ثاني).

لنخلص في الأخير إلى الشروط الواجب توافرها لقيام المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية من حيث المتابعة، التحقيق و المحاكمة (مبحث ثالث)

المبحث الأول
الأشخاص المعنوية المعنية بهذه المسؤوليـة

على عكس المشرع الفرنسي الذي لم يجعل من المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية مبدأ عاما، فإن قرر هذه المسؤولية لكافة الأشخاص المعنوية الخاصة، إلا أنه قيد هذا المبدأ فيما يتعلق بالأشخاص المعنوية العامة، إذ استبعد من نطاق المادة 121/2 قانون عقوبات كل من الدولة والتجمعات المحلية ، بالمقابل حصرت المادة 51 مكرر مجال المسؤولية الجزائية في أشخاص القانون الخاص، إذ استثنت كل من الدولة، الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام.

وإن كانت التشريعات التي اعتمدت مبدأ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي تتفق في مجملها على استثناء الدولة بالمفهوم الضيق من مجالها، فالأمر على خلاف ذلك بالنسبة للأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام وبدرجة أقل الجماعات المحلية.

أمام هذا وجب تحديد الأشخاص المعنوية المسؤولة جزائيا وفقا للمادة 51 مكرر

بداية بالأشخاص المعنوية العامة "مطلب أول".
فالأشخاص المعنوية الخاصة "مطلب ثاني".


المطلـــب الأول
الأشخــاص المعنويــــة العامــــة

يبدو لنا أنه مما يتجاوز حدود هذه الدراسة البحث عن الأشخاص المعنوية العامة بصفة تفصيلية، فقد تكفل الفقه والقضاء الإداري بتعريفها وبيان التفرقة بينها وبين الأشخاص المعنوية الخاصة، ونعتقد أن القضاء الجنائي في تحديده للمقصود بالشخص المعنوي سوف ينطلق من معطيات القانون الإداري في هذا الشأن [30] .

إلا أن هذا لا يمنع من توضيح بعض الملابسات التي تركها المشرع في مفهوم المادة 51 مكرر، خاصة ما تعلق منها بالأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام وأسباب استبعادها من مجال المسؤولية الجزائية.

وقبل ذلك يتعين علينا أن نحدد مفهوم كل من الدولة والجماعات المحلية كأشخاص معنوية إقليمية.

فأما الدولة يقصد بها الإدارة المركزية "رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، الوزارات،..." ومصالحها الخارجية "المديريات الولائية ومصالحها"، فلاستثنائها ما يبرره باعتبارها تضمن حماية المصالح الجماعية منها والفردية، وتتكفل بتعقب المجرمين ومعاقبتهم.

وأما الجماعات المحلية التي استثناها المشرع الجزائري ويقصد بها الولاية والبلدية، فقد اختلفت التشريعات بشأنها فمنها ما يستثنيها من المسؤولية، ومنها ما يبقى عليها ضمن الهيئات المسؤولة جزائيا، ومنها ما اتخذ موقفا وسطا كما هو حال القانون الفرنسي الذي لم يستثنيها، غير أنه حصر مسؤوليتها في الجرائم المرتكبة أثناء ممارسة أنشطة من المحتمل أن تكون محل اتفاقيات تفويض مرفق عام سواء كان الغير شخص من القانون الخاص أو القانون العام.

أمام هذا الوضع نتساءل عن أسباب الاستبعاد المطلق للجماعات المحلية من مجال المسؤولية الجزائية في نص المادة 51 مكرر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأعمال التي تصدر عنها بعيدا عن ممارستها لامتيازات السلطة العامة ؟

إضافة إلى هذا جاءت ذات المادة لاستبعاد الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام دون تحديدها، على خلاف مجمل التشريعات التي تتفق على إخضاعها للمساءلة الجزائية، وهو ما يخالف مبدأ المساءلة أمام العدالة الذي يقرر ذات المسؤولية الجزائية في مواجهة الشخص الطبيعي الذي ارتكب نفس الأفعال، فإن كان المبرر الوحيد لعدم مساءلة كل من الدولة والجماعات المحلية هو عدم المساس بمبدأ الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وأنه من غير المعقول متابعة ومعاقبة هذا الأخير لهذه الفئات من الأشخاص، رغم أن الجماعات المحلية عادة ما تتصرف بعيدا عن امتيازات السلطة العامة، إلا أنه بالمقابل لا نجد ما يبرر الاستبعاد المطلق للأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، على خلاف باقي التشريعات التي تتفق على تضمينها في إطار المسؤولية الجزائية أيا كانت هيكلتها القانونية [31] .

ويقصد بها المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أساسا، والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري بدرجة أقل، حسب ما جاء به القانون رقم 01/88 المؤرخ في 12/01/88 المتضمن قانون توجيه المؤسسات الخاضعة للقانون العام DROIT PUBLIC .
أ- مؤسسات عمومية ذات طابع إداري: EPA :

تمارس نشاطا ذا طبيعة إدارية، تتخذها الدولة و المجموعات الإقليمية المحلية كوسيلة لإدارة مرافقها الإدارية، وتخضع في أنشطتها إلى القانون العام، ومن هذا القبيل:

* المدرسة العليا للقضاء ( ESM ) مرسوم تنفيذي رقم 05/303 المؤرخ في 20/8/2005.

* الديوان الوطني للخدمات الاجتماعية ( ONOU ) (مرسوم تنفيذي رقم 95/84 المؤرخ في 22/3/1995).

* الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار ( ANDI ) (مرسوم تنفيذي رقم 01/282 المؤرخ في 24/9/2001).

* المستشفيات (مرسوم تنفيذي رقم 97/406 المؤرخ في 02/12/1997).

وقد أضاف القانون رقم 98/11 المؤرخ في 22/08/1998 المتضمن القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتطور التكنولوجي إلى هذه المؤسسات فئة أخرى وهي:

v المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي ومن هذا القبيل:

§ مركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية ) CREAD مرسوم تنفيذي رقم 85/07 مؤرخ في 17/12/1985 معدل بموجب المرسوم التنفيذي رقم 03/455 المؤرخ في 01/12/2003.

§ مركز تنمية الطاقات المتجددة ) CDER مرسوم تنفيذي رقم 85/07 مؤرخ في 22/03/1988 المعدل بموجب المرسوم التنفيذي رقم 03/456 المؤرخ في 1/12/2003.

§ مركز البحث النووي مرسوم رئاسي رقم 99/86 المؤرخ في 15/أفريل/1999.

وأضاف القانون رقم 99/05 المؤرخ في 4/4/1999 المتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي:

v المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني:

التي تشمل الجامعات والمراكز والمدارس ومعاهد التعليم العالي (مادة 38 من القانون رقم 99/05 والمادة 02 من المرسوم التنفيذي المؤرخ في 23/08/2003 المتضمن تحديد مهام الجامعة والقواعد الخاصة بتنظيمها وسيرها.

دون أن ننسى المؤسسات المتعلقة بالجيش والدفاع الوطني، كصندوق التقاعدات العسكرية (المادة 02 مرسوم رئاسي رقم 99/98 المؤرخ في 20/أفريل1999).



ب- مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري EPIC :

هي أشخاص عمومية تابعة للقانون الخاص، يكون موضوع نشاطها تجاريا وصناعيا مماثل للنشاط الذي تتولاه الأشخاص الخاصة، تتخذها الدولة والجماعات المحلية كوسيلة لإدارة مرافقها ذات الطابع الصناعي والتجاري، وهي تخضع في هذا لأحكام القانون العام، والقانون الخاص معا كل في نطاق معين كما جاء في المادة 45 من القانون رقم 88/01، هذا الأخير ولو أنه أدخل تحت طياته EPIC كأشخاص معنوية عامة، إلا أنها تبقى تثير غموض من حيث إخضاعها للمساءلة الجزائية بعد تعاقب التعديلات على القوانين الداخلية لهذه المؤسسات، وهو ما يثير نوع من الإشكال القانوني من حيث مكانتها في المساءلة بعد استحداث المسؤولية الجزائية ومن هذا القبيل:

§ دواوين الترقية والتسيير العقاري EPGI (مرسوم تنفيذي رقم 91/147 المؤرخ في 12/05/1991.

§ الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره AADL (مرسوم تنفيذي رقم 91/148 مؤرخ في 2/05/2001.

§ الجزائرية للمياه ADE مرسوم تنفيذي رقم 01/101 مؤرخ في 21/04/2001).

§ بريد الجزائر (مرسوم تنفيذي رقم 02/43 مؤرخ في 14/01/2002).

وبدرجة أقل هيئات الضمان الاجتماعي (مادة رقم 49/01 مرسوم تنفيذي رقم 92/07 المؤرخ في 04/01/1992). على اعتبار أنه لم يحدد الطبيعة القانونية لهذه الصناديق،على خلاف المرسوم السابق رقم 85/223 في المادة 2 منه، أين صنفها على أنها مؤسسات ذات طابع إداري.

وكل هذه الملابسات نرتقب زوالها في التعديلات اللاحقة لتحديد مجال هذه المسؤولية، أين يتمكن القاضي من تطبيقها بعيدا عن التخمينات التي تؤدي كثيرا من الأحيان إلى صدور أحكام متناقضة من حيث تكييف النظام القانوني لهذه المؤسسات كمحل للمساءلة من عدمه.

المطلـــب الثانـــي
الأشخــاص المعنويـــة الخاصـــة

وفقا لنص المادة 51 مكرر فإن كافة الأشخاص المعنوية الخاصة تسأل جنائيا عما يمكن أن ترتكبه من جرائم في الحالات التي ينص عليها القانون، مهما كان الشكل الذي تتخذه، أو الهدف الذي أنشأت من أجله، سواء كانت تهدف إلى تحقيق الربح أو تسعى إلى ذلك.

وهكذا تسأل جزائيا التجمعات الإدارية التي منحها المشرع الشخصية المعنوية أو القانونية، فيدخل فيها الشركات أيا كانت أشكالها: مدنية أو تجارية وأيا كان شكل إدارتها وأيا كان عدد المساهمين فيها، ويدخل في هذه الفئة أيضا الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي، الثقافي، الرياضي، بمجرد إعلانها إلى الجهات الإدارية المختصة، والنقابات والتجمعات ذات الأهداف الاقتصادية، سواء كانت تابعة للقطاع الخاص أو القطاع العام، كالمؤسسات العمومية الاقتصادية بعد أن الغي الفصل الخاص بها بالقانون رقم 01/04 المؤرخ في 20/8/2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية و تسييرها وخوصصتها، سواء كانت في شكل شركات ذات أسهم كسونلغاز مادة 165 من القانون رقم 02/01 المؤرخ في 05/2/02 أو شركات اقتصادية مختلطة كمركب الحديد والصلب بعنابة، والشركة الجزائرية الألمانية-هنكل-لمواد التنظيف ENAD ... [32]

وبما أن المسؤولية الجزائية لا تتقرر إلا للأشخاص التي تتمتع بالشخصية المعنوية، فإن المادة 417 من القانون المدني نصت على أن الشركة كعقد تعتبر بمجرد تكوينها شخصا معنويا، غير أن هذه الشخصية لا تكون حجة على الغير إلا بعد استفاء إجراءات الشهر المنصوص عليها قانونا، على أن إخلال الشركة بهذه الإجراءات يخول للغير حق التمسك بتلك الشخصية في مواجهتها، أي أن الشخصية المعنوية للشركات المدنية تثبت لها من تاريخ تكوينها بالنسبة للأطراف ومن تاريخ استكمال إجراءات الشهر بالنسبة للغير.

أما بالنسبة للشركات التجارية فإن المادة 549 من القانون التجاري تنص ″ لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري، وقبل إتمام هذا الإجراء يكون الأشخاص الذين تعهدوا باسم الشركة ولحسابها متضامنين من غير تحديد أموالهم، إلا إذا قبلت الشركة بعد تأسيسها بصفة قانونية أن تأخذ على عاتقها التعهدات المتخذة، فتعتبر بمثابة تعهدات الشركة منذ تأسيسها″

انطلاقا من ذلك لا مسؤولية جزائية على الأشخاص التي تتمتع بالشخصية المعنوية، وهو ما يثير خلافا حول إمكانية خضوع بعض الحالات للمسؤولية الجزائية، كالمجموعات أو التكتلات التي أنكر المشرع صراحة تمتعها بالشخصية المعنوية، كشركة المحاصة Société en participation التي لها صفة التستر ولا وجود لها اتجاه الغير، وهذا يعني أنه في حالة ارتكاب جريمة تحت غطاء هذه الشركة، فإن المسؤولية تقع على عاتق المديرين أو أعضاء الشركة [33]،إضافة إلى شركة الواقع Société de fait لأنها تعتبر شركة لاغيه فحالتها تتساوى مع وضع الشركة التي يتم حلها بواسطة القضاء.

وعلى هذا الأساس قيل أن معيار الشخصية المعنوية يعد عنصرا ضروريا في تقرير المسؤولية الجزائية، وأنه متى ثبتت لأي كيان قانوني أصبح من الممكن مساءلته جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها وهو بصدد ممارسة نشاطه.

إلا أن اشتراط الشخصية المعنوية يثير من الناحية العملية إشكالية مدى مسؤولية الأشخاص المعنوية في مرحلة الإنشاء والتأسيس، ومرحلة التصفية ؟

1 - مرحلة الإنشاء والتأسيس:

تكتسب الشركة المدنية الشخصية المعنوية من يوم تكوينها، على خلاف الشركات التجارية من تاريخ القيد في السجل التجاري، فإذا ارتكبت جريمة خلال فترة تأسيس الشركة، فهل يمكن إخضاعها لأحكام المادة 51 مكرر من قانون العقوبات؟

سبق أن أوضحنا أن المشرع الجزائري قد نص على المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، والاستناد إلى عبارات النص يقود إلى نفي المسؤولية الجزائية عن الشركة في مرحلة الإنشاء والتأسيس، طالما أنها لم تكتسب الشخصية المعنوية بعد.

2 - مرحلة التصفية :

لا يترتب على حل الشركة مباشرة اختفاء الشخص المعنوي، إذ على الرغم من قرار الحل الصادر من القضاء فإنها تظل قائمة لتلبية احتياجات التصفية التي قد تأخذ وقتا طويلا فإذا ارتكبت جرائم باسم الشخص المعنوي وهو في هذه المرحلة فهل يجوز مساءلته جزائيا؟

الجواب كان محل اختلاف بين الفقهاء ، إلا أننا نجد أن الهدف من إبقاء الشخصية القانونية للأشخاص المعنوية مستمرة بعد انقضاء الشركة طوال فترة التصفية لاتخاذ الإجراءات الضرورية وإبرام العقود والتصرفات، ستكون على هذا الأساس مسؤولة من الناحية الجزائية عن الجرائم المحددة في قانون العقوبات في المادة 51 مكرر على أن تكون قد ارتكبت خلال هذه الفترة لحساب الشخص المعنوي وباسمه من طرف أجهزته أو ممثليه، على غرار ما ذهب إليه المشرع الجزائري في المادة 766/02 [34].

ونشير في الأخير إلى أن الأشخاص المعنوية الأجنبية تكون خاضعة لذات المسؤولية الجزائية التي تخضع لها الأشخاص المعنوية متى كانت نشاطاتها خاضعة لأحكام قانون العقوبات الجزائري.