الجزائر اعتذرت ومصر لم تتجاوب!
خضير بوقايلة
09/12/2009
لا شيء يوحي بأن جذوة الحرب الشعبية بين الجزائر ومصر ستنطفئ قريبا، مثلما أن بوادر استعارها ليست واضحة تماما. فقد نقلت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية عن الرئيس المصري حسني مبارك قوله إن علاقات مصر مع الجزائر (لا تهزها بعض الأحداث العارضة)، وقيل إنه أمر زبانية الفضائيات والصحف المصرية بكف ألسنتهم عن شتم الجزائر والجزائريين ووقف الحملة الشرسة التي صعّدوها مباشرة بعد مباراة أم درمان التي أقصي فيها المنتخب المصري من المشاركة في نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا.
تزامن ذلك مع زيارة لوزير الطاقة الجزائري شكيب خليل إلى القاهرة للمشاركة في اجتماع للدول العربية المصدرة للنفط وأعلن فيها عن توقيع اتفاق لتأسيس شركة مختلطة مصرية جزائرية للتنقيب عن النفط والغاز في مصر والجزائر وفي بلدان أخرى، باستثمارات قد تناهز مبالغها 15 مليار دولار. وأكد خليل أن الأحداث الأخيرة لن تكون سببا فى قطع العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر. وقال الوزير من العاصمة المصرية، إن العلاقات بالفعل بدأت تتحسن وليس هناك دليل على ذلك أكثر من وجودي هنا في القاهرة.
من جهته قال وزير الدولة المصري للشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب إنه ليس من المصلحة قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والجزائر، لكنه مع ذلك أكد أن القاهرة لن تعيد سفيرها، الذي استدعته من الجزائر في عز الحملة الهمجية، إلا بعد اعتذار الجزائر لشقيقتها الكبرى والتعويض عن الخسائر التي لحقت بالمصريين من مصالح وأفراد، مضيفا أن مصر قدمت ملفا تفصيليا عن أحداث مباراة أم درمان للفيفا، كما أنها أعدت ملفا شاملا بحجم الخسائر، التي لحقت بالمصريين والمصالح المصرية في الجزائر، وستطالب بالتعويض الكامل عنها بمختلف الوسائل القانونية، من خلال القنوات الدبلوماسية والقضائية. لم يقل لنا معالي الوزير عن ماذا يريد أن تعتذر الحكومة الجزائرية، عن الهدف الذي سجله عنتر يحيى في شباك الحضري وأقصى بموجبه منتخب مصر من المونديال وخلط أوراق مخطط التوريث، أم عن قرارها إقامة جسر جوي يحمل أنصار المنتخب الجزائري إلى الخرطوم، أم عن رفض رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم محمد روراوة مصافحة نظيره المصري في العاصمة السودانية أم عن مظاهرات الفرح والاحتفالات التي عمت مدن وقرى الجزائر احتفاء بتأهل (الخُضر) إلى نهائيات كأس العالم وأيضا نكاية في (المصريين) الذين أهانوا ضيوفهم في القاهرة؟
الجزائر، يا معالي الوزير، قد اعتذرت لكم، أو على الأقل هذا ما فهمه كثير من الجزائريين من تنقل وزير الطاقة المقرب من الرئيس بوتفليقة إلى القاهرة وإعلانه هناك عن مشروع الشراكة الجزائرية المصرية الجديدة في مجال التنقيب عن النفط. اعتذار لم يجد ترحيبا لدى كثير من الجزائريين الذين يعتقدون أن الاعتذار (إذا كانت هناك ضرورة لأي اعتذار) يجب أن يصدر عن الجانب المصري، خاصة من زبانية الفضائيات الذين سمحوا لمن هبّ ودبّ بشتم ذاكرة الجزائريين وتاريخهم وشرفهم. الجزائريون غضبوا من مبادرة وزيرهم، ومع ذلك يبدو أن معالي الوزير ومن لف لفه لم يفهموا لغة الاعتذار تلك ولا إعلان الوزير الأول الجزائري استعداد بلاده، عن طريق شركات التأمين، دفع تعويضات للشركات المصرية المتضررة من تخريب المتظاهرين الجزائريين لها.
ومثلما أن مفيد شهاب لم يفهم لغة الاعتذار الجزائرية لشقيقتها الكبرى، فإن الجزائريين الغاضبين من وزيرهم شكيب خليل لا يريدون أن يفهموا أن كل ما جرى من شحن وتجاوزات من هذا الطرف أو ذاك لا يعدو أن يكون استغلالا سياسيا بشعا من نظامي الحكم في القاهرة والجزائر لشعبين لم يجدا شيئا يمكن أن يدخل عليهما البهجة والفرح إلا أقدام لاعبي كرة القدم. حكومتان عاجزتان عن توفير أبسط وسائل العيش الكريم لشعبيهما، تفطّنتا إلى أن في تصفيات كأس العالم بصيص أمل في تحويل أنظار المقهورين والمساكين والمحرومين والمغتصَبين عن الأضرار الجسيمة التي ألحقتاها بهم.
حكومتان لا تهمهما ضخامة الأذى الذي لحق بشعبين شقيقين بسبب مباراة سياسية خالصة. حكومتان ورئيسان يرفضان لحد الآن مخاطبة شعبيهما مباشرة وإعلان خطوات تهدئة حقيقية بعيدا عن حسابات السياسة السياسوية. ولعل أخطر ما سمعنا وقرأنا أن الجزائريين باتوا أناسا غير مرغوب فيهم في مدن وجامعات وفنادق مصر، تماما مثلما أن المصريين لم يعد مرحبا بهم في مصانع الجزائر ومؤسساتها الاقتصادية. لا يهم إن كان الجزائري أو المصري له علاقة بكرة القدم أو بما جرى في القاهرة أو في الجزائر بعدها، بل المهم أن يكون ابن هذا البلد أو ذاك.
وقد نقلت صحيفة (الخبر) الجزائرية أمس أن جزائريين منعوا أو رفضوا عودة عمال مصريين إلى مصانعهم بعد ان غادروا البلد خوفا على حياتهم أو تأثرا بالحملات العنصرية التي شنها زبانية الفضائيات المصرية. كما تداولت الصحف الجزائرية وبعض وسائل الإعلام المصرية أخبارا عن مطاردة الطلبة الجزائريين في جامعات مصرية وتنقل كثير منهم، برعاية السفارة الجزائرية في القاهرة، إلى الجزائر هربا من حملات المطاردة العنصرية التي تستهدفهم. أخبار يندى لها الجبين ويهتز لها عرش الرحمن، ومع ذلك فإن السياسيين هنا وهناك فضلوا أن يتحدثوا عن مصلحة البلدين بعيدا عن مصالح الشعبين، ولم تتجاوز محاولات التهدئة الخطب السياسية. لم نقرأ ولم نسمع فخامة الرئيس حسني مبارك أو أحد وزرائه ولا حتى وريث عرشه يزورون أو يستقبلون مواطنين جزائريين مقيمين في مصر لطمأنتهم ودعوتهم إلى البقاء ومواصلة ما جاءوا من أجله إلى ذلك البلد. ولم يصدر ذلك أيضا من الطرف الرسمي الجزائري. بل كل ما شاهدناه هو أن سفير مصر هرب من الجزائر فاتحا الباب لمواطني بلده الذين تركهم يواجهون أسوأ المخاطر لوحدهم وزبانية القاهرة يصبون الزيت على النار. لم يتجرأ أي وزير في حكومة بوتفليقة ولا حتى فخامته شخصيا على التدخل وإبلاغ المقيمين المصريين في الجزائر والجزائريين أيضا أن هؤلاء العمال والموظفين مقيمون شرعيون وحماية أرواحهم وممتلكاتهم هي من مسؤولية الدولة والشعب الجزائري.
وكأن الحكومة الجزائرية أيضا كانت فرحة لهروب طلبتها من الجامعات المصرية، وبدلا من إجبار الحكومة المصرية على حمايتهم تحت طائلة الاتفاقيات الدولية، سارعت إلى فتح جسر جوي لعودتهم إلى الجزائر ووعدتهم بتسهيل إدماجهم في الجامعات الجزائرية.
مبادرات لا تعبر إلا عن قصور في الرؤية وبحث عن الحلول السهلة بعيدا عن شعارات الأخوة والقومية والتضامن الفارغة التي طالما تغنى بها البلدان. مبادرات ظاهرها حماية كل حكومة لشعبها وسعيها للحفاظ على كرامته، وباطنها إذكاء الفتنة والفرقة والمساهمة في تعميق شرخ العداوة بين شعبين ما يجمعهما من آمال وأحلام وهموم أكثر مما يفرقهما.
' كاتب وصحافي جزائري