و الروابط الاخرى تتحدث عن :نقد الهيجلية من وجهة نظر ماركسية
حين كنت أكتب الجزء الأول من "رأس المال" كان أبناء الجيل الجديد، اولئك الأدعياء المتهورون التافهون يباهون بأنهم ينظرون إلى هيجل
نظرتهم إلى "كلب ميت".... لذا بادرت وأعلنت صراحة أنني لست إلا تلميذا لهذا المفكر العملاق (كارل ماركس- رأس المال).
هذا ما قاله ماركس عن هيغل، ولذلك لن تجد بين مؤسسي الماركسية من يجادل في الأثر الذي تركه الجدل الهيجلي على فكر ماركس، وهو أثر
يتعدى الحدود الضيقة التي يعلمها اليوم كثير من الماركسيين. هناك شبه إجماع على أن الجدل الماركسي ليس إلا تطبيق الجدل الهيجلي في
ميادين جديدة، وخاصة المجتمع والتاريخ، "فقد كان ماركس وإنجلز، يريان في جدل هيجل أوسع مذهب من مذاهب التطور، وأوفرها
مضمونا وأشدها عمقا ، وأثمن اكتساب حققته الفلسفة الكلاسيكية الألمانية.. وكانت كل صيغة أخرى لمبدأ التطور تتراءى لهما وحيدة
الجانب، فقيرة المضمون، تشوه وتفسد السير الواقعي للتطور.. في الطبيعة والمجتمع".
(لينين- ماركس إنجلز الماركسية Vol. Ip. 36).
وكان ماركس يقول دائما إن الإطار المثالي الذي غلف الجدل الهيجلي، لم يمنع هذا الرجل مطلقا من أن يكون أول من عرض
الصورة العامة للجدل بطريقة واعية وشامله" (كارل ماركس رأس المال المجلد الأول صفحه 20)، بل نراه قبل إصدار كتابه "رأس المال"
يعيد قراءة منطق هيجل ويقول في رسالة إلى إنجلز، "لقد القيت في البحر بنظرية الربح التي ظهرت حتى الآن، أما من حيث المنهج فقد عدت من جديد
وألقيت نظرة سريعة على منطق هيجل الذي خدمني خدمة كبرى".
(ماركس وإنجلز- رسائل مختارة صفحة 100).
ولقد لخّص إنجلز رأي الماركسية في عبارة جامعة حين كتب إلى "شمت" يقول باختصار شديد "من المستحيل أن نستغني عن هيجل" فهو "ملحمة جدلية".
ولينين خلال وجوده في سويسرا ينقطع ثلاث سنوات في مكتبة بيرن، ويعكف على قراءة مؤلفات هيجل، ويقف طويلا عند فلسفة المنطق لهيغل الكبير
يلخص ويشرح ويعلق، ثم يقرأ ما كتبه الشراح والنقاد من أمثال سترلنج ومكتجارت وبيلي... وغيرهم. ويخرج في النهاية بهذه النتيجة "يستحيل
استحالة قاطعه أن نفهم "رأس المال" لكارل ماركس- لا سيما الفصل الأول منه، ما لم ندرس منطق هيجل ونفهمه بأكمله، ولهذا السبب
فقد مضى نصف قرن من الزمان، ولم يفهم ماركس واحد من الماركسيين".
وكذلك كتب لينين في العدد الثالث من مجلة "تحت راية الماركسية (مارس 1922) مقالا أطلق عليه الماركسيون أنفسهم اسم "وصية لينين الفلسفية"
لأنها آخر ما كتب في الفلسفة، يدعو إلى إقامة قاعده فلسفية راسخة وصلبة، ويرى أنه ما لم يتحقق ذلك، "فإن العلم الطبيعي، والمذهب المادي،
لن يستطيعا الصمود في نضالهما ضد هجمات الأفكار البرجوازية المتلاحقة...". وليس من سبيل إلى تحقيق هذه الغاية إلا إذا تجمع المثقفون
والمفكرون والكتاب، وتضافرت جهودهم للقيام بدراسة جادة وواعية للجدل الهيجلي، وتفسيره تفسيرا ماديا ، ذلك الجدل الذي طبقه ماركس
عمليا في كتابه رأس المال، وفي مؤلفاته السياسية والتاريخية"، بل يرى لينين أن الأمر لا يقتصر على مجرد دراسة الجدل الهيجلي وشرحه،
وإنما يجب أن يتعداه إلى الدعاية لهذا الجدل. وهو يعترف بأن هذه مهمة شاقة وعسيرة وقد تكون عرضة لكثير من الأخطاء، لكنها مع ذلك ضرورية
ولازمة، ولا مندوحة عن القيام بها، "إذ لا بد من أن ندعم هذا الجدل من جميع الجوانب، فنقوم بنشر مقتطفات متنوعة من مؤلفات هيجل الرئيسية
وتفسيرها تفسيرا ماديا ، ونشرحها مستعينين بأمثلة من الطريقة التي طبق بها ماركس الجدل، ومستعينين كذلك بشواهد من ميدان العلاقات الاقتصادية والسياسية".
ثم يصل لينين في نهاية هذا المقال إلى قمّة الفهم الناضج لوضع الجدل الهيجلي في الفلسفة الماركسية حين يقول: "وفي اعتقادي أن جماعة المحررين
والمساهمين في مجلة "تحت راية الماركسية" يجب أن ينظموا صفوفهم في جماعة تحمل إسم "جماعة الأصدقاء الماديين للجدل الهيجلي".
ويرى لينين أنه ما لم يضع المذهب المادي نصب عينيه القيام بهذا العمل وتحقيقه تحقيقا منظما فإن المادية لن تصمد في كفاحها.
غير أن اعتراف مؤسسي الماركسية بفضل الجدل الهيجلي بهذه الصورة لم يرق- فيما يبدو- لبعض القادة السياسيين أمثال "جوزيف ستالين" الذي حاول
أن يطمس المعالم الهيجلية بأي شكل حتى ولو بالخروج عن أبسط حدود الأمانة العلمية. (يستشهد "ستالين" في كتيبه الصغير الذي وضعه عن الجدل
بمثل من إنجلز ، عن التغييرات الكمية، أخذه الأخير عن هيجل ولكنه أشار صراحة إلى المرجع وهو الموسوعه (أنظر جدل الطبيعه لهيجل)، غير أن
ستالين يسوق النص كما لو كان مثلا يضربه إنجلز (كتاب ستالين صفحه 8).
ويكتب ستالين "غير أن ذلك لا يعني قط أن جدل ماركس وإنجلز هو نفسه جدل هيجل فهما لم يقتبسا من جدل هيجل سوى "نواته العقلية" وطرحا
غلافه المثالي ثم وسعاه وأعطياه طابعا علميا حديثا ، ولم يدرك ستالين، أن "النواة" هي منطق هيجل كله، وأن هيجل شرح هذه "النواة" في ثلاثة
مجلدات فضلا عن الموسوعة"- وأنها ثمرة جهاد شاق ضمّ بين جوانبه كل ما أطلق عليه ماركس فيما بعد أسم "القوانين الأساسية للجدل" "والقوانين الكلية للحركة"
والمقولات "الماركسية" و"نظرية المعرفة"، وما أطلق عليه ستالين إسم خصائص المنهج الجدلي الماركسي "بل لم يدرك ستالين أن كتيبه هذا
ليس إلا انعكاسات سطحية لما كتب هيجل".