خلاّني..
أيامكم عسلٌ مذاب ، و لياليكم ماءٌ قراحٌ ينساب.
هذه حروفٌ أحادِثُ بها أحبّة ٌ و خلان ، في هذا الزمان ، و من هذا المكان ...
بعد أن أتت على العربيةِ تقلبات الأيام ، لهجرها من أهلها مع تعاقبِ الأعوام .
و سوف استعين بما يُعين ... ألاَ من مساعدٍ أو معين ؟..
صدّقوني ..
إن قلتُ ... إنني أعاني عسرة ، و على ما أصاب العربية تنتابني حسرة ،و وجهي تعلوه قترة..
فبعد إبحاري في الثقافة الحالية ؛ لم أجد لي مرفأ ، و الوقتُ يمضي و أنا اقرأ ، فَلِهَولِ ما وجدتُ فالدمع لا يرقأ ..
فإلى أيّ دليل ٍ اهتديتُ ؟... و ماذا وجدتُ ؟..
وجدتُ عرباً .. فلا جمرات الافكار فيهم تتوقد ، و لا عرائس الفصيح تتولد ..فبالجهل عمّ الظلام ، و القى على بدر البليغ من اللغةِ اللثام .
فترى عيّ الكلام كشف ساقهُ ، و لحن القول ضرب رواقهُ ، و غاب حسن النثر إشراقهُ ، و الشعر قد جفّ إيراقهُ.
و كأني بحافظ ، ألاحظ ... و هو يقول :
سرت لوثـة الإفرنجِ فيها كما سرَى **** لعاب الأفاعي في مسيل فراتِ
فجاءت كثوبٍ ضمّ سبعين رقعــــة **** رقعة مشكّلة الألوان مختلفاتِ..
آهٍ ! يا لسان .. فقد كان منّا لك الصدُّ ، حتى انفلت العقدُ... و كان القوم لك بعاصٍ و عائق ، و لم نكن لجمالك بقائدٍ وسائق.. و مرّت الأيام تترى ...
و لكن .. مهلا ! .. يا أهل العقول .. و اسمعوا ما أقول ..
قد تشرق الشمس في غير موضعها .. إذا كان الزمان ربيعاً...
فتعالوا بالسمر نفترش العراء ، و نلتحف السماء .. فنجوم لغتنا لا تزال في الفضاء..
يحضرني مطلع معلقة امرئ القيس .
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ و منزل **** بسقط اللوى بين الدخولِ فحوملِ .
قرأت البيت مراراً و تكرارا .. فقلتُ : كيف لهذا الشاعر الفحل يقول .. أنهُ وقف ؛ و طلب مِـمَن معه الوقوف ؟.. و بكى ، و طلب من رفيقهِ ، أو رفيقيهِ البكاء من ذكرى حبيبهِ؟..
فهالني ، بل ساءني أن تكونَ شخصية الملك الضليل بهذه الغرابةِ ..
و قلت : كيف غفل الأوائل عن هذهِ الزلة ، التي تؤدي الى المهزلة ؟ ! ..
و بعد تقصٍّ ، و بَحث نصٍّ ..
وجدتُ أن بعض العرب الأقحاح .. قد أعابوا عليه ذلك .. و قالوا :
من غيرِ الجائز لهُ ، أ و لغيرهِ .. أن يطلبَ من رفيقيهِ البكاء على حبيبهِ ، إلا إذا كانا يشتركان معه في حب الحبيب ..
بل كان أولى بذي القروح أن يطلب منهما البكاء لحاله هو ، و مشاركته آلامهِ و الرثاء لهُ.
اتمنى ألاّ يأتي من يقول لي : من أنتَ أيها الجليس .. حتى تعيب على امرئ القيس ؟ !.
و الآتي أسرد ، و للأوائل أنقد.