المطلب الثالث: التضخم النقدي و المالي وأسبابهما
أولا:التضخم النقدي
مع بداية سنوات التسعينات حدث هناك نوع من الضبط في الكتلة النقدية، خصوصا بعد صدور قانون القرض و النقد لسنة 1990 و اخذ البنك المركزي صلاحيات و استقلالية من خلال استعماله و تأثره بإصلاح قامت به الجزائر للحد من الفجوة التضخمية بسبب العرض المتزايد في النقود خلال تلك الفترة و مع ذلك فان الكتلة النقدية استمرت في الارتفاع مما يفسر ارتفاع الأسعار بنسبة 200 % سنة 1992 حيث وصل معدل التضخم 31.68 %.
لقد تطورت الكتلة النقدية خلال فترة التسعينات رغم تدخل صندوق النقد الدولي، و هذا ما يفسر ارتفاع الأسعار بصفة خيالية خلال هذه الفترة حيث بلغ معدل التضخم سنة 1990 : 17.87 % لينتقل إلى 25.87% في السنة الموالية 1991 لينتقل إلى 31.68 % في السنة الموالية 1992 و ما يفسر زيادة المعروض النقدي خلال هذه الفترة هو الاحتياجات الملحة لتمويل الاستثمار ، خصوصا أن هذه الفترة تزامنت مع ما تعرض له الاقتصاد الوطني من خسائر اثر الأعمال التخريبية ، خصوصا أن الناتج الداخلي لم يكن في مستوى الزيادة في عرض النقود.
و يعود تطور الكتلة النقدية في الجزائر إلى مايلي :
- تطور الميزانية العامة للدولة.
- تمويل الاستثمارات العمومية.
- تحويل العاملين من الخارج.
- التوسع في اكتناز النقود من الأفراد. (42)
ثانيا: التضخم المالي
1- التضخم المحلي
يرتبط أساسا بالسياسة التنموية التي اتبعتها الجزائر منذ السبعينات و التي ارتكزت على الصناعة من غير الزراعة مما أدى إلى خلق دخول جديدة في القطاع الصناعي مقابل جمود في الإنتاج الزراعي و من أسبابه:
- زيادة الطلب على المنتوجات الزراعية الناتجة عن الزيادة في الاستهلاك من جهة و الزيادة في النمو الديمغرافي من جهة أخرى.
- جمود الإنتاج الزراعي.
- توسع عرض النقود بدون مقابل حقيقي من الإنتاج.
2- التضخم المستورد
إن الجزائر لا يمكن أن تتفادى هذا النوع من التضخم مادامت هناك علاقة وثيقة بالعالم الخارجي خصوصا و أن أغلب معاملاتها تتم مع البلدان الرأسمالية، و من خلال هذا التبادل يتغلغل التضخم داخل الاقتصاد الوطني عن طريق ارتفاع أسعار الواردات، و من ناحية أخرى فأن لهذا النوع من التضخم تأثير كبير على القدرة الشرائية للمواطنين و هذا راجع إلى اعتماد الجزائر على الواردات الرأسمالية .43)
باعتبار معظم المعاملات يسيطر عليها الدولار الأمريكي فان الو.م.أ تمارس سياسة تصدير التضخم و هذا ما جاء على لسان الدكتور نبيل الروبي"زيادة الاحتياط النقدي من الدولارات لدى البنوك المركزية يحملها عادة على التوسع في الإصدار، و هذا ما يسمى بتصدير التضخم" . (44)
المبحث الثاني: أثار التضخم على الاقتصاد الجزائري
ما يمكن ملاحظته هو أن التضخم يعتبر نتيجة حتمية للصراع الدائم بين مختلف الطبقات الاجتماعية من أجل المحافظة على كيانها كمحاولة الحفاظ على القدرة الشرائية من طرف العائلات مثلا، و في هذا الصراع فان وسائلا الدفاع تختلف بين هذا و ذاك حسب إمكانيات كل مجموعة و درجة تأثير التضخم عليها. لهذا نجد أن كل الشعوب تحاول محاربة هذه الظاهرة لما لها من آثار وخيمة على الاقتصاد و التنمية.
المطلب الأول: انعكاسات التضخم على الأعوان الاقتصاديين
تصنف المحاسبة الوطنية الأعوان الاقتصاديين حسب الفروع إلى مايلي :
فرع العائلات – المؤسسات المالية– المؤسسات غير المالية – الدولة و الخارج. و هذه الفروع كلها عرضة لظاهرة التضخم الذي يمارس عليها ضغوطاته بدرجات متفاوتة (45).
أولا: التضخم و العائلات
ترتبط العائلات بقطاع الاقتصاد من خلال دخلها ، و هذا الأخير يكون عرضة لظاهرة التضخم فنجد أن العائلات و لمقاومة الخطر تقوم ببعض التصرفات غير مرغوب فيها لضمان مكانتها في المجتمع و الحفاظ على قدرتها الشرائية كدفع الأطفال إلى العمل و البحث عن مصادر أخرى. و نتيجة عدم تكافؤ بين زيادة الأجور و زيادة مستوى الأسعار فإنه تعمد بعض الفئات إلى حماية قدراتها الشرائية و هذا بالمحافظة على مستوى الدخل الحقيقي عن طريق إضافة مدا خيل جديدة في العائلة كعمل الأطفال و خلق إعمال جديدة أو البحث عن وظيفة أحسن. (46)
ثانيا: أثر التضخم على المؤسسات غير المالية
تضم هذه المجموعة كل الأعوان التي ليست لها علاقة بعمليات الصرف و الإصدار و التمويل و منه تدخل في هذا الإطار كل المؤسسات الإنتاجية و كذا الخدمية، و ما يلاحظ على هذه المجموعة أنها و كغيرها من الأعوان تعاني من ظاهرة التضخم و لكن ليس بشكل متماثل بين الوحدات الإنتاجية داخل هذه المجموعة و الضحية هي المؤسسات المصغرة و المحدودة من حيث الإمكانيات، الأمر الذي قد يحتم عليها الإفلاس النهائي.
و بالنظر إلى ما تطمح إليه تجد المؤسسة نفسها غير قادرة على تمويل نفسها ذاتيا، الأمر الذي يؤدي بها إلى عمليات الاقتراض وما تقتضيه من تكاليف و ذلك للتعامل مع مختلف مشاريعها الاستثمارية و هنا تدخل مشكلة سعر الفائدة و تكلفة الاقتراض. (47)