منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الصوفية و التصوف حقيقة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-02-19, 13:08   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
حسين القسنطيني
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

في رحاب التصوف الإسلامي - الحلقة الثانية
أبو القاسم الجنيد اوختيار المغاربة لطريقته

يقول أبو إسحاق الشاطبي :" الذي أراه أن الشيخ في سلوك طريق التصوف على الجملة لازم ، لا يسع أحدا إنكاره ، وكان هذا من الأمور الضرورية ، لكن الشيخ شيخان: شيخ تعليم وتربية، وشيخ تعليم بلا تربية ، فشيخ التربية ليس بضروري لكل سالك، وإنما يحتاج إليه من فيه بلادة ذهن واستعصاء نفس، وأما من كان وافر العقل منقاد النفس فليس بلازم في حقه وأما شيخ التعليم فهو لازم لكل سالك " وكل ذلك وفق شروط وضوابط معلومة عند أهل هذا الشأن
من هنا نتحدث عن الإمام الجنيد باعتباره سيد الطائفة ومعلمها وأحد أبرز رجالات التصوف الذين وجهوه ، وهو على جلالة قدره وأثره البعيد في مجال علم التصوف وكثرة أتباعه، لم يحظ بما يستحق من الدراسة ومن ثم كان لابد من تقديم نبذة عنه- هنا - على أمل أن تتاح لنا الفرصة لنخصه - إن شاء الله - ببحث قائم في مقال قادم:
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز كان أبوه يبيع الزجاج ، فلذلك كان يقال له :القواريري، أصله من نهاوند ، ومولده ومنشؤه بالعراق[ ولد سنة 215 وتوفي سنة297ه] وكان فقيها على مذهب أبي ثور، تلميذ الإمام الشافعي، وصحب خاله السري السقطي، والحارث المحاسبي ، فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله، وحج الى مكة ثلاثين حجة على رجليه.
ولم يكن الجنيد صوفيا فحسب، بل كان متكلما كذلك ولقب" بسيد الطائفة" و"طاووس العلماء" وسلم بأن الأنبياء أفضل من الأولياء، وقابل بين الحضورالذي أنبأنا به الأنبياء، والمشاهدة التي يقول بها الأولياء ، وكان صوفيا يفضل الصحو على حالة السكر عند المتصوفة، ويقول بفضل صفاء النفس على الإغراق في الصوفية، وكان متكلما يقول بأن معرفة الله لا تأتي إلا بطريق العقل، ويعرف مريدوه وأتباعه باسم "الجنيدية"
قال في جمع الجوامع: ونرى أن طريق الجنيد سيد الصوفية علما وعملا وصحبة طريق مقوم ، فإنه خال من البدع دائر على التسليم والتفويض والتبرؤ من النفس
قال الشوكاني في سياق حديثه عن جواز إطلاع الله تعالى الولي على المغيبات- وذكر حديث:" اتقوا فراسة المومن فإنه يرى بنور الله-:
" من أغرب ما نحكيه فيما يتعلق بهذا الحديث أن السري السقطي شيخ الجنيد أمره بأن يخرج يتكلم على الناس ، فاعتذر منه بما في لسانه من العجمة وبعدم صلاحيته لذلك ، فعزم عليه أن يخرج صبح تلك الليلة يتكلم على الناس في الجامع فكأنه نادى مناد في الناس : بأن الجنيد سيتكلم على الناس عقب صلاة الفجر في الجامع فجاءوا إليه أفواجا .
وكان هذا أول كرامة للجنيد لأنه لم يطلع على ما دار بينه وبين شيخه أحدا، فخرج ووجد الجامع غاصا بأهله فلما قعد أقبلوا إليه بأجمعهم فبرز رجل وسأله عن معنى حديث :"اتقوا فراسة المومن" فأطرق قليلا ثم قال له:أسلم فقد آن لك أن تسلم ،فقام وجثا بين يديه وأسلم وانكشف أن ذلك الرجل من النصارى " دخل مع الناس" متجسسا و مختبرا للإسلام وأهله فكان في ذلك سعادته الأبدية "
أبرزشيوخه: تتلمذ الجنيد في التصوف لكبار رجاله من أمثال:
- الحارث بن أسد المحاسبي {ت243ه}
- أبي الحسن السري السقطي {ت253ه} وهو خاله /
- أبي اليزيد " با يزيد" البسطامي {ت 261ه}
- محمد بن علي القصاب {ت275هودرس الفقه على:
- أبي ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان تلميذ الإمام الشافعي {ت 240ه}
أبرز تلامذته:
- الحسين بن منصورالحلاج {ت309ه}
- محمد بن موسى الواسطي الفرغاني {ت320ه}
- دلف بن جحدر الشبلي {ت334ه}
- أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي {ت341ه}
- جعفر بن محمد الخلدي الخواص {ت348ه}
آثاره:
كان الجنيد يكتب بأسلوب معقد مغرق في التجريد، ذلك الأسلوب الذي صقله الحلاج بعد ذلك ليصبح أسلوب العبارات الرنانة المغرقة في الجدل على حد تعبير الدكتور فؤاد سزكين
وقد خلف آثارا ذكر منها هذا الأخير نحو 23 كتابا ورسالة جلها مخطوط دون تلك التي تنسب إليه
وقد قام د.علي حسن عبد القادر بتحقيق: رسائل الجنيد – برعي وجداي بالقاهرة – مكتبة دوت كوم / 1988م – ثم طبعت رسائل الجنيد من جديد بترجمة وتحقيق: جمال رجب سيدبي -داراقرأ للطباعة والنشر والتوزيع بتاريخ:01/01/2005 وذلك في مجلديضم 16 مخطوطا بالإضافة الى معظم رسائل الجنيد أو أقواله المتناثرة في مختلف مصادر التصوف
وفاته ومدفنه :
توفي الجنيد ببغداد ودفن في مقابر الشونيزية بجانب ضريح خاله... ومن عجيب الموافقات أنه كان في سنة 1916 من المقرر أن تمر السكة الحديدية ببغداد داخل منطقة بساتين في الكرخ إلا أن المهندس الألماني المشرف على العملية خالف الخرائط والمسح الجوي للسكة الذي كانت تنفذ في خط مستقيم ، وجعلها نصف دائرية في تلك المنطقة وحين أستدعي للاستفسار قال:"لا يوجد أي تفسير علمي ، لقد راودتني رؤيا في المنام مفادها أن أبتعد عن تلك البساتين"
والتصوف الصحيح أساسه التقيد بالكتاب والسنة وكل من خالفهما فدعواه مردودة باطلة لا يقبلها شرع ولا عقل ، والتصوف هو أن يعمر الإنسان قلبه بالصلة بالله والخوف منه والرجاء فيه والله تعالى يقول {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرا} و طريقة الجنيد قيل إنها أسلم طرق التصوف لكونها خالية من الشبهات والبدع ومن كلامه:الطريق الى الله مسدود إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال الجنيد:" من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة"
وقال:"مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة "
وقال:"علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"
وقال:"الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام "
و سئل عن التصوف فقال:"تصفية القلب عن موافقة البرية ومفارقة الأخلاق الطبيعية وإخماد الصفات البشرية ومجانبة الدواعي النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بالعلوم الحقيقية واستعمال ما هو أولى على الأبدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله على الحقيقة واتباع الرسول {ص} في الشريعة"
وقال: إذا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أن باطنه خراب ليس التصوف لبس الصوف ترقعه
*** ولا بكاؤك إن غنى المغنونا
ولا صياح ولا رقص ولا طرب
*** ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كدر
* * * وتتبع الحق والقرآن والدينا
وأن ترى خاشعا لله مكتئبا
* * * على ذنوبك طول الدهر محزونا45
قال أبو سعيد الخراز البغدادي من أوائل الصوفية وأئمتهم {ت279ه} : "صحبت الصوفية خمسين سنة ، فما وقع بيني وبينهم خلاف ، قيل : ولم ذلك ؟ قال :لأني كنت على نفسي" - يعني أنه كان منشغلا بعيوب نفسه ، ومن يكن كذلك لا ينظر الى عيوب غيره...
قال أبوعلي اليوسي :كان شيخ الطائفة أبو القاسم الجنيد في زمانه يقول رضي الله عنه :
أهل التصوف قد مضوا صار التصوف مخرقة الأبيات المعروفة فما بالك بزماننا الخ.. {كلام نفيس } كان الإقبال على الدين والزهد في الدنيا غالبا على المسلمين في صدر الإسلام
وتقوم طريقة الجنيد - كما حددها- على ثماية شروط:
دوام الوضوء، والخلوة، ونية الاختلاء ، والمداومة على الذكر، ودوام الصوم ،وترك الخاطر، ودوام ربط القلب بالشيخ ، ودوام الرضى بقضاء الله وترك الاعتراض على الله وعلى الشيخ
ويتصل الجنيد برسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة أسانيد من أشهرها :
الجنيد عن السري السقطي عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم وللعلماء بالرجال في هذه الأسانيد مقال
يقول د.حسن جلاب:"وتتجمع أسانيد الطرق الصوفية المغربية عند الجنيد لتتفرع بعد ذلك ، إذ لا نكاد نجد طريقة لا تتصل بها إلا نادرا ، وحتى في هذه الحالة غالبا ما تتوفر هذه الطريقة على سند ثان يوصلها الى الجنيد.
وتفسرهذه الظاهرة بحرص الطرق على أن تكون سائرة على نهج السنة المحمدية لشهرة الجنيد بذلك"
في رحاب التصوف الإسلامي - الحلقة الثالثة
الولاية والكرامات
عن أبي هريرة{رضي الله عنه } قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} :"إن الله تبارك وتعالى قال : "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء أحب الي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وإن سألني أعطيته وإن استعاذني أعذته وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المومن يكره الموت وأكره إساءته"
وأحسن ما قيل في قوله :"وما ترددت عن شيء ... " الخ أن يكون خطابا لنا بما نعقل والرب عز وجل يتنزه عن حقيقته بل هو من جنس قوله:" ومن أتاني يمشي أتيته هرولة"
أصل الولاية المحبة والتقرب، كما أن أصل العداوة البغض والبعد، وفسره الحافظ ابن حجر في الفتح فقال :"المراد بولي الله العالم بالله تعالى المواظب على طاعته المخلص في عبادته "
وهذا موافق لما في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } - "فأولياء الله هم خلص عباده القائمون بطاعاته المخلصون له . وأفضل أولياء الله هم الأنبياء وأفضل الأنبياء هم الرسل وأفضل الرسل هم أولو العزم ... وأفضل أولي العزم نبينا – وسيدنا – محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي أنزل الله سبحانه عليه :{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } - فجعل سبحانه صدق محبة الله عز وجل متوقفة على اتباعه وجعل اتباعه سبب حصول المحبة من الله سبحانه "
أصناف الأولياء: الناس أصناف والأولياء طبقات يقول الله تعالى : في سورة فاطر: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} وهذه الأصناف الثلاثة هم أمة سيدنا محمد{صلى الله عليه وسلم }خاصة فهم الذين أورثوا الكتاب بعد الأمم المتقدمة وهذا التقسيم للأمة فالظالم لنفسه أصحاب الذنوب المصرون عليها والمقتصد المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم والسابق بالخيرات هو المؤدي للفرائض والنوافل المجتنب للمحرمات والمكروهات ثم ذكر الله سبحانه المفاضلة بين أوليائه المومنين فقال :{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }
العصمة للأنبياء فقط، لكن الأولياء قل ما يقع منهم الخطأ فإذا وقع لا يخرجهم عن كونهم أولياء الله كالفقيه المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وقد تجاوز الله لهذه الأمة عن الخطإ والنسيان كما قال سبحانه {ربنا لا تواخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقد ثبت في الصحيح :"أن الله سبحانه قال: بعد كل دعوة من هذه الدعوات قد فعلت " وحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " قد كثرت طرقه حتى صار من قسم الحسن لغيره ...
كرامات الأولياء يقول التادلي:"اعلم أن كرامات الأولياء جائزة عقلا ومعلومة قطعا وممن قال بها إمام المتكلمين القاضي أبو بكر بن الطيب – يعني الباقلاني- فقال: إن المعجزات تختص بالأنبياء والكرامات تكون للأولياء وقال إمام الحرمين :المرضي عندنا تجويز خوارق العادات في معارض الكرامات "
وكم هي كرامات الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الصالحين والله يخص بفضله من يشاء من عباده وليس لأحد أن ينكر ما لم تنكره الشريعة فإذا جاء ما يخالفها رفض ونبذ
ويوضح ابن البناء المراكشي الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر ، فيقول:
"إن المعجزة من باب الوجود الممتنع عن البشر ، والكرامة من باب الوجود المفتوح للبشر، والسحر من باب الخواص الأرضية المرتبطة بالقوى ، وصاحب السحر لا بد له من آلة ظاهرة أو خفية ، وليس لصاحب المعجزة والكرامة آلة إلا الدعاء الى الله تعالى"
وبعد فيظهر مما تقدم أن التصوف الحقيقي ،ليس هروبا من الحياة أو إلغاء للعقل والحواس، بل هو تربية وتعبئة وصبر وجهاد وصدق وثبات وواقعية والتزام ، ومحبة وإخاء ورحم الله بشر الحافي حين قال : "لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك ، وكيف يكون فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك"
والتصوف في الوقت ذاته تعلق بالسماء بالعمل الصالح وبالدعاء الصادق بالهداية لهذه الأمة التي انغمست في الماديات وأهملت الروح التي هي سر الحياة ومنبع الرحمة وكل البركات