السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي المسلم الكريم ، إنَّ الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم ، وأثنى عز وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة ، وقد توعّد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [ النساء : 93 ] .
فاستحضر أخي المسلم هذا التهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير فأيُّ تهديدٍ بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد كل ذلك ؛ لأنَّ المسلم له مكانة عند الله تعالى . ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أنْ تُصانَ ، وأن يُغضَب لإراقتها .
أخي المسلم الكريم قد بيّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى فقد صحّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )) (26) وفي رواية أخرى : (( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ )) (27).
وفي حديث آخر : (( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق ))(28) فهذه مكانة المسلم عند الله تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك ؟ !!
فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق ، زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحلافها ، وكل ما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق . بل المسلم له حرمة حتى بعد موته فقد نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت ، وأخبر أنَّ عظم الميت إذا كُسر فكأنما كُسر وهو حيٌّ ، فقد صحّ عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً )) (29).
أخي المسلم الكريم ، إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذّر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال : (( سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر ))(30) وقال : (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))(31) وبيّن أنَّ هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال : (( اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ))(32) وقال أيضاً : (( أكبر الكبائر : الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور )) (33) . وروى النسائي (34) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويصوم رمضان ، ويجتنب الكبائر كان له الجنة )) فسألوه عن الكبائر فقال : (( الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف )) .
وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله ( يعني سره ذلك وفرح به ) لن يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )) (35).
وقاتل المسلم مهما فرَّ في هذه الدنيا ، فإنَّه لن يفلت يوم القيامة ، ولن يتركه المقتول يوم القيامة ، فقد صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول : يا رب هذا قتلني فيقول له : لما قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لك فيقول : فإنها لي ، ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول : يا رب ، إنَّ هذا قتلني فيقول الله : لما قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لفلان فيقول الله تعالى : (( إنها ليس لفلان فيبوء بإثمه )) ))(36) وفي رواية للنسائي(37) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة فيقول : سَلْ هذا فيم قتلني ؟ )) فهذا هو الحساب وهو أشد أنواع الحساب فهو ليس تحقيقاً دنيوياً يستطيع به بعضهم أن يتخلص ببعض من يكون للخائنين ظهيراً .
فاحذر أخي المسلم كل الحذر أنْ تقع في دم حرام فتقتل أحداً من أجل فلان أو مُلْكِ فلان أو إمارة فلان ، فإنهم لن ينفعوك شيئاً عند الله ، ولن يدفعوا عنك شيئاً من عذاب الله . وروى النسائي (38) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : (( يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب أوداجه دماً فيقول : أي رب سَلْ هذا فيم قتلني ؟ )) وعند ابن ماجه (39) والترمذي(40) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دماً فيقول : يا رب سَلْ هذا فيم قتلني ؟ حتى يدنيه من العرش )) .
إذن احذر أخي المسلم أنْ يكون لك أحدٌ بالمرصاد يوم القيامة فإنَّ من تقتله في الدنيا لن يتركك في الآخرة ، بل هو لك بالمرصاد . والله سبحانه وتعالى لما جعل للنفس المسلمة هذه الحصانة الكبيرة ؛ ذلك لأنَّ نفس المسلم لها مكانة وحرمة ، فليس أحد يملكها أو يملك إزهاقها ، بل إنَّ ذلك ممنوع غاية المنع ، ولا يجوز إلا بإذن من الله تبارك وتعالى وإذن رسوله صلى الله عليه وسلم .
بل حتى نفسك التي بين جنبيك لا تملكها أنت ولا يحل لك إزهاقها ؛ ولهذا جاء الوعيد الشديد فيمن يقتل نفسه متعمداً ؛ ففي الصحيحين (41) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( من تَردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يَتردّى فيها خالداً مُخلَّداً فيها أبداً ، ومن تَحسَّى سُماً فقتل نفسه فَسُمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً ، ومن قتلَ نفسَه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً )) . وروى البخاري (42) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( والذي يخنق نفسه يخنقها في النار ، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار ، والذي يقتحم يقتحم في النار )) . وفي الصحيحين (43) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال ، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّبَ به يوم القيامة ، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله )) . ولفظ جامع الترمذي(44) : (( ليس على المرء نذر فيما لا يملك ، ولاَعِنُ المؤمن كقاتله ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله ، ومن قتل نفسه بشيء عُذِّبَ بما قتل به نفسه يوم القيامة )) .
فتنبه أخي المسلم الكريم دائماً بأنَّ مسألة قتل النفس بغير حق من الأمور الخطيرة التي تضيّق على من ارتكبها الدنيا بما فيها ، فمجرد أنْ يقع المسلم في هذه الجريمة تضيق عليه الأرض وتضيق عليه نفسه لذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لن يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ نفساً حراماً ))(45) وفي رواية لأبي داود (46) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يزال المؤمن مُعنقاً ( والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير ) ما لم يُصِبْ دماً حراماً …..)) وروى البخاري (47) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إنَّ من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلة )) .
ونبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا فضل من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم المسلم فقال : (( من لقي الله لا يشرك به شيئاً لم يتند بدم حرام دخل الجنة ))(48) .
فهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم مسلم ، وهنيئاً لمن خرج من الدنيا ولم يحمل مسلماً على ظهره يأتي به يوم القيامة ، هنيئاً لمن خرج من الدنيا وقد سلم المسلمون من لسانه ويده ، هنيئاً لمن فارق الدنيا ولم يقترف جريمة يسفك بها دم مسلم .
تذكّر أخي المسلم وصية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه : (( إنَّ أول ما ينتن من الإنسان بطنه ، فمن استطاع أنْ لا يأكل إلا طيباً فليفعل ، ومن استطاع أنْ لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه فليفعل )) (49).
فاحذر أخي المسلم كل الحذر أنْ يحول بينك وبين الجنة ملء كف من دم تهريقه بغير حقه .واعلم أخي المسلم الكريم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحذِّر أمته من الأمور التي تدعو الإنسان إلى أنْ يقتل مسلماً أو أنْ يجرح مسلماً ، ومن ذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يمر المسلم ، ومعه السهام في أسواق المسلمين ، أو في مساجد المسلمين ، أو في أي مكان من أماكن تجمعهم ، إلا أن يكون النصل مغطىً حتى لا يجرح به مسلماً ، وهو لا يشعر . فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : (( إذا مَرَّ أحدكم بمسجدنا أو في سوقنا ، ومعه نبل فليمسك عن نصالها بكفه ، لا يعقر مسلماً ))(50) ومن تلك الأمور التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الإشارة إلى المسلم بأي شيء يحتمل أنْ يقتله أو يجرحه ، نهى عن ذلك وأخبر أنّ من فعل ذلك فأنَّه ربما نال اللعنة والوعيد الشديد ؛ لذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( لا يُشِرْ أحدُكم على أخيه بالسلاح ؛ فإنَّه لا يدري لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار )) (51).
وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال : (( من أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكة تلعنه ، وإنْ كان أخاه لأبيه وأمه ))(52). وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يُتعاطَى السيف مسلولاً (53)، وكل هذا الاحتراز لشدة حرمة المسلم على المسلم ؛ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك خشية أنْ يكون هناك خطأ فيقع السيف ويجرحك أو يؤذيك أو يقع على أخيك ، وإذا كان ذلك في الأسلحة القديمة فهو في الأسلحة الحديثة أشد تأكيداً ؛ لأنَّ الضرر أعظم ، والخطر أكبر ، والعلة تدور مع الحكم وجوداً وعدماً . ومن الأمور التي يستفاد منها خطورة أمر دماء المسلمين ، هو أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حذّر من الدخول في الفتن ، وما ذلك إلا لأن لا يقع المسلم في دماء المسلمين ؛ لخطورة الأمر وشدته ، فالفتن مظنة لأنْ يكون هناك قاتل ومقتول ، فالفتن إذا سعرت وابتدأت صعب على الناس إطفاؤها . فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد حذّر أمته من الفتن ، وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه الأمة فقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي من تَشرّف لها تستشرفه ، ومن وجد فيها ملجئاً أو معاذاً فليعذ به ))(54) هكذا بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المخلَص من الفتن أنْ يهرب منها المسلم قدر الاستطاعة .
فاحذر أخي المسلم من الوقوع في الفتن ، فالفتنةُ قد تُريكَ الحقَ باطلاً والباطلَ حقاً . وقد تعميك وتصمك وأنت لا تشعر ، وقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الفتن ستقع في أمته فقال : (( إذا وضع السيف في أمتي لم يرتفع عنها إلى يوم القيامة ))(55) وأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل وتكثر فيها الفتن حتى أنه من شدة الفتن يمر الرجل على القبر ويتمرّغ عليه ويقول : يا ليتني صاحب هذا القبر ، من شدة ما يرى من الفتن والأمور العظيمة ؛ ففي الصحيحين (56) من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيقول : يا ليتني مكانه )) وقال أيضاً : (( والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أيِّ شيءٍ قَتَلَ ، ولا يدري المقتولُ على أيِّ شيءٍ قُتِلَ ))(57) وفي رواية لمسلم : (( والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يومٌ ، لا يدري القاتل فيم قَتَلَ ولا المقتول فيم قُتِلَ ، فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال : الهرج القاتل والمقتول في النار )) (58). ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما يذكر ذلك إنما يذكره ليحذرنا من أن نكون من أولئك أو من أن نشارك في سفك تلك الدماء أو أن نتلطخ فيها ، أو أن نلقى الله بها ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يَتقاربُ الزمانُ ويُقبَضُ العلمُ ويُلقَى الشحُّ ويَكثرُ الهرجُ ، فقيل : وما الهرجُ ؟ قال : القتل ))(59) وقال أيضاً : (( إنَّ بين يدي الساعة لهرجاً )) ، قال : قلت : يا رسول الله ما الهرج ؟ قال : (( القتل )) ، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليس بقتل المشركين ، ولكن يقتل بعضكم بعضاً ، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته )) فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ومعنا عقولنا ذلك اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا ، تنـزع عقول أكثر ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم )) (60).
فعلى المسلم أن يبتعد عن الفتن كل الابتعاد ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إذا أدركوا الفتن أو أحسوا بالفتن أنْ يبتعدوا عنها كل الابتعاد ، وأنْ يهربوا منها كل الهرب ؛ لأنَّ الفرار من الفتنة من الدين ؛ لذا بوّب البخاري في صحيحه : باب من الدين الفرار من الفتن (61).
أخي المسلم الكريم ، إنَّ المسلم ينبغي له أنْ يحذر من الدخول في الفتن ، وأنْ يستعيذ بالله تعالى منها -فقد كان عمار بن ياسر يستعيذ من الفتن – وأنْ يحذر أنْ يشارك فيها بقول أو فعل أو رأي أو بغير ذلك ؛ فإنَّ الفتن إذا صارت لم يسلم منها أحد إلا مَن رَحِمَ اللهُ .
هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً .