الخامس: أن تقديم العقل على النقل إذا عارض العقل النقل، وتأويل النقل بناء على هذا التعارض أورَدَّهُ ليس شيئا انفرد به الأشاعرة بل هو من مقررات العقول؛ وقد قرره أصحاب العلوم المختلفة في علومهم، فمثلا التأويلات التي أول بها السلف جملة من نصوص الكتاب والسنة كثير منها مبنية على مخالفة ظواهر هذه النصوص للعقل، وحتى المحدثون الذين قد يتخيل أنهم أبعد الناس عن هذا التقديم قد قرروا هذا التقديم في مؤلفاتهم وجعلوه من أصولهم، قال الخطيب البغدادي: باب القول فيما يرد به خبر الواحد، ....: وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد رد بأمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه؛ لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا.
والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم انه لا أصل له أو منسوخ.
والثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له، انتهى[.
وأفاجئ الدكتور بأن ابن تيمية أيضا قائل بهذه القاعدة التي قررها الأشاعرة. قال في الرسالة التدمرية في معرض الإستدلال على أمر من أمور العقيدة: "والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم عن المعارض المقاوم" ففكر أيها الدكتور في كلام ابن تيمية هذا، أليس معناه أنه إذا عارض هذا الدليل من السمع معارض عقلي لا يَثْبُت ما دل عليه لعدم سلامته عن المعارض الذي هو الدليل العقلي. وهل هذا إلا قول بهذه القاعدة التي قررها الأشاعرة ؟؟!!
أهـ
إن ما كتبه الأخ الهيثم لا يعدو أن يكون مجرد نقل من غير دراية، و هذا يسقط من ضبطه و فقهه و عدالته، و ما يزيد الطين بلة هو أنه اعتمد نفس الأخطاء و نفس المغالطات و تبعه فيها مشجعه الأخ المهاجر حفظهما الله، و كنا نهيب بأبناء الجزائر أن يكونوا من أمثال الشيخ بلقرد و آيت علجات و حماني، ليكونوا منارات علم كما كان أسلافهم السنوسي و الونشريسي و شيخ الإسلام يحيى و ابن قنفذ و غيرهم كثير، فإذا بنا نعبد شموسا لا لشيء فيها سوى أنها تشرق من المملكة الشرقية...
و قد رأيت أن أذكر هنا لهؤلاء الأخوين و للقارئ الجزائري المسلم من يسب هؤلاء:
من أهل الحديث:
· الإمام الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله تعالى إمام وقته والذي لم يرَ مثل نفسـه، وقصته مع الإمام الباقلاني تغني عن الإطالة في إثبات اتباعه لمذهب الأشعري.(انظر تبيين كذب المفتري 255، السير 17/558، أثناء ترجمة الحافظ أبي ذر الهروي، وتذكرة الحفاظ 3/1104).
· الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله تعالى، صاحب حلية الأولياء، كان من الطبقة الثانية من أتباع الإمام الأشعري، أي من طبقة الإمام الباقلاني والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والحاكم وابن فورك رحم الله الجميع (تبيين كذب المفتري 246، الطبقات الكبرى للتاج السبكي 3/370).
· الحافظ أبو ذر الهروي عبد بن أحمد رحمه الله تعالى، عدّه الحافظ ابن عساكر في الطبقةالثالثة ممن أخذ عن أصحاب أصحاب الأشعري (انظر المصادر السابقة، والطبقات الكبرى للتاج السبكي 3/370).
· الحافظ أبو طاهر السلفي رحمه الله تعالى، ذكره التاج السبكي في الخامسة. (الطبقات 3/372)
· الحافظ الحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى صاحب المستدرك على الصحيحين، وإمام أهل الحديث في عصره، وشهرته تغني عن التعريف به، اتفق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين. ذكره الحافظ ابن عساكر في الطبقة الثانية، أي من أصحاب أصحاب الإمام. (تبيين كذب المفتري ص/227).
· الحافظ ابن حبان البستي رحمه الله تعالى صاحب الصحيح وكتاب الثقات وغيرها، الإمام الثبت القدوة إمام عصره ومقدم أوانه.
· الحافظ أبو سعد ابن السمعاني رحمه الله تعالى، صاحب كتاب الأنساب. (الطبقات 3/372)
· الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى صاحب التصانيف التي طار صيتها في الدنيا والمؤلفات المرضية عند المؤيدين والمخالفين.
· الإمام الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى صاحب كتاب تاريخ مدينة دمشق الذي لم يترك فيه شاردة ولا واردة إلا أحصاها.
· الإمام الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى، ذكره الحافظ ابن عساكر أول الطبقة الرابعة.(التبيين ص / 268).
· الإمام الحافظ محي الدين يحيى بن شرف النووي محي الدين رحمه الله تعالى، صاحب المؤلفات النافعة التي كتب الله لها القبول في الأرض وبين الناس، مثل كتاب رياض الصالحين والأذكار وشرح صحيح مسلم وغيرها.
· الإمام المحقق بقية الحفاظ صلاح الدين خليل بن كيكلدى العلائي الذي لم يخلف بعده في الحديث مثله، ولم يكن في عصره من يدانيه في علم الحديث.
· شيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى وهو أول من ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية التي كان لا يليها إلا أشعري.
· الإمام الحافظ ابن أبي جمرة الأندلسي مسند أهل المغرب رحمه الله تعالى ورضي عنه، صاحب كتاب بهجة النفوس في شرح مئة حديث من صحيح البخاري.
· الإمام الحافظ الكرماني شمس الدين محمد بن يوسف رحمه الله ورضي عنه، صاحب الشرح المشهور على صحيح البخاري.
· الإمام الحافظ المنذري رحمه الله تعالى صاحب الترغيب والترهيب.
· الإمام الحافظ الأبي رحمه الله تعالى شارح صحيح مسلم.
· الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى صاحب أعظم شرح على صحيح البخاري المسمّى بـ " فتح الباري " والذي قيل فيه: لا هجرة بعد الفتح.
· الإمام الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى.
· الإمام الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى.
· الإمام القسطلاني رحمه الله تعالى شارح الصحيح.
· الإمام الحافظ المناوي رحمه الله تعالى.
وغيرهم وغيرهم من أئمة الحديث وحفاظ الأمة، كانوا من أهل السنة الأشاعرة والماتريدية.
الفقهاء:
قال الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى - (تبيين كذب المفتري ص/ 410):
(وأكثر العلماء في جميع الأقطار عليه – يعني مذهب الأشعري – وأئمة الأمصار في سائر الأعصار يدعون إليه... وهل من الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق له أو منتسب إليه أو راضٍ بحميد سعيه في دين الله أو مثنٍ بكثرة العلم عليه) اهـ.
وقال الإمام ابن السبكي رحمه الله تعالى (الطبقات 3/365): (وقد ذكر شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام أن عقيدته - يعني الأشعري - اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري) اهـ.
وقال الإمام أبو المظفر الإسفراييني - رحمه الله تعالى - (التبصير في الدين ص / 189):
(علوم الفقه ويختص بالتبحر فيه أصحاب الحديث وأصحاب الرأي.......) اهـ.
وقول هؤلاء الأعلام يغنينا عن الإفاضة بذكر أسماء العلماء الذين فاقوا نجوم السماء عدّا وسَمَوْا عليها جدّا.
أعلام الأمة في اللغة والأدب من الأشاعرة والماتريدية
قال الإمام أبو المظفر الإسفراييني - رحـمه الله تعالى - (المصدر السابق [بتصرف يسير] وانظر الفرق بين الفرق ص/183، ص / 240، واتحاف السادة المتقين 2/102):
(وجملة الأئمة في النحو واللغة من أهل البصرة والكوفة في دولة الإسلام كانوا من أهل السنة والجماعة وأصحاب الحديث والرأي.... وكذلك لم يكن في أئمة الأدب أحد إلا وله إنكار على أهل البدعة شديد وبُعدٌ من بدعهم بعيد، مثل الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب وسيبويه والأخفش والزجّاج والمبرد وأبي حاتم السجستاني وابن دريد والأزهري وابن فارس والفارابي، وكذلك من كان من أئمة النحو واللغة مثل الكسائي والفراء والأصعمي وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة وأبي عمرو الشيباني وأبي عبيد القاسم بن سلام، وما منهم أحد إلا وله في تصانيفه تعصّبٌ لأهل السنة والجماعة ورَدٌّ على أهل الإلحاد والبدعة، ولم يقرّ واحد في شيء من الأعصار من أسلاف أهل الأدب بشيء من بدع أهل الأهواء.... ومن كان متدنساً بشيء من ذلك لم يَجُزْ الاعتماد عليه في رواية أصول اللغة وفي نقل معـاني النحو، ولا في تأويـل شيء من الأخبـار، ولا في تفسيـر آية من كتاب الله تعالى) اهـ.
هؤلاء هم المتقدمون من أئمة اللغة والأدب والنحو، ثم جاء من بعدهم وساروا على نفس الطريق السويّ في الاعتقاد لم يبدلوا ولم يغيروا مثل الإمام ابن الأنباري وابن سيده صاحب كتاب المخصص في اللغة وابن منظور صاحب كتاب لسان العرب والجوهري صاحب الصحاح والمجد الفيروزآباذي صاحب كتاب القاموس المحيط والمرتضى الزبيدي صاحب كتاب تاج العروس، ومن النحويين محمد بن مالك صاحب الألفية المشهورة في النحو وشارحها ابن عقيل وابن هشام المصري وغيرهم ممن لا غَناء لمتعلم أو متأدب عن كتبهم ومصنفاتهم، وكلهم كانوا على عقيدة أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية ومن وافقهم.
المفسرون لكتاب الله من الأشاعرة من بعد الأشعري رحمه الله تعالى، و أما من كان قبله و على نفس اعتقاده، فسنذكرهم في المؤخرة:
· الإمام الفذ المفسر والمحدث العلامة القرطبي رحمه الله تعالى، صاحب تفسير الجامع لأحكام القرآن، وقد سارت بتفسيره العظيم الشأن الركبان، حكى في تفسيره مذاهب السلف كلها، قال عنه الداوودي في الطبقات " هو من أجل التفاسير وأعظمها نفعاً ".
· الإمام الحافظ المفسر أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى، صاحب التفسير العظيم والبداية والنهاية وغيرها، فقد نُـقِـلَ عنه أنه صَـرَّحَ بأنه أشعري كما في الدرر الكامنة 1/58، والدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 2/89، أضف إلى ذلك أنه ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية التي كان شرط واقفها أن لا يلي مشيختها إلا أشعري، وزدْ عليه ما في تفسيره من التنزيه والتقديس والتشديد على من يقول بظواهر المتشابه كما مـرَّ من قوله عند تفسيره لقوله تعالىمن سـورة الأعراف ( ثمّ استوي على العرش ) (تفسيره 2/220) إلى غير ذلك من الأمثلة الظاهرة الجلية في كونه من أهل السنة الأشاعـرة.
· الإمام المفسر الكبير قدوة المفسرين ابن عطية الأندلسي رحمه الله تعالى صاحب تفسير المحرر الوجيز، ألّف كتابه في التفسير فأحسن فيه وأبدع، كان رحمه الله من أفاضل أهل السنة والجماعة ومن أكابر أهل الفضل، قال أبو حيان الأندلسي فيه (في مقدمة البحر المحيط): " هو أجلّ من صنف في علم التفسير وأفضل من تعرض للتنقيح فيه والتحرير "
· الإمام أبو حيان الأندلسي رحمه الله تعالى صاحب البحر المحيط والنهر الماد من البحر، الحجة الثبت اللغوي، وهو غني عن التعريف به والتنويه بذكره.
· الإمام المقدم فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى صاحب تفسير مفاتيح الغيب، المفسر، المتكلم، إمام وقته، وفريد عصره، كان شجاً في حلوق المبتدعة، وسيفاً مصلتاً على أهل الزيغ والإلحاد.
· الإمام المفسر الحافظ البغوي محي السنة رحمه الله تعالى صاحب كتاب شرح السنة، وتفسيـره مملوء بما يدل على اعتقاد أهل السنة، وزاخر بالتأويل السني لنصوص المتشابه.
· الإمام المفسر أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى، صاحب تفسير بحر العلوم، وكتاب تنبيه الغافلين وبستان العارفين، وقد اشتهر بلقب إمام الهدى.
· الإمام المفسر الواحدي أبو الحسن على النيسابوري أستاذ عصره في النحو والتفسير، كان سنياً أشعرياً من أهل السنة والجماعة، صاحب المؤلفات النافعة والإشارات الرائعة، وله كتاب أسباب النزول، وهو من أشهر الكتب في بابه.
· الإمام المفسر أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي الحسيني الحسني رحمه الله تعالى، خاتمة المفسريـن ونخبة المحدثيـن كما وصفه الشيـخ بهجة البيطار وقال عنه أيضاً (حلية البشر 3 / 1450): " كـان رضي الله عنه أحد أفراد الدنيا يقول الحق ولا يحيد عن الصدق، متمسكاً بالسنن، متجنباً للفتن.
· الإمام المفسر السمين الحلبي رحمه الله تعالى صاحب تفسير الدر المصون.
· الإمام الحافظ المفسر جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور.
· الإمام الخطيب الشربينى رحمه الله تعالى صاحب تفسير السراج المنير.
وغير هؤلاء ممن لو أطلنا النفس بذكرهم لخرجنا عن المقصود، كلهم كانوا من أهل السنة الأشاعرة والماتريدية.
و أما من جاء قبل الأشعري رحمهم الله جميعا و كانوا على نفس ما أصله هذا الأخير فنذكر على رأسهم الحافظ المفسر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى
* ومن المفسرين المعاصرين:
· الأستاذ الداعية سيد قطب رحمه الله تعالى صاحب الكتاب العظيم " في ظلال القرآن ".
· الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور صاحب التفسير العظيم " التحرير والتنوير ".
· الأستاذ الداعية الشيخ سعيد حوى رحمه الله تعالى صاحب كتاب " الأساس في التفسير".
· الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى الذي ارتبط اسمه بالقرآن حتى إذا ما ذكر القرآن ذكر الشيخ، وإذا ذكر الشيخ ذكر القرآن.
· والشيخ الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله تعالى ورعاه صاحب التفسير المنير والفقه الإسلامي وغيرها من الكتب النافعة
فكل هؤلاء هم عند هذا الأخ و من شجعه على النقل الخالي من كل طلب للعلم، هم ضلال حتى لا نقول أكثر مما قاله بعضهم
و لعلنا نذكر كذلك من الفتحين الخلفاء ما قد يحار له أدنى عامي من المسلمين، نذكر على رأسهم صلاح الدين الأيوبي و نظمه للصلاحية و محمد الفاتح، و كل الأمراء و الخلفاء على مر عصور الخلافة العثمانية...
و لا نحب أن نظن بأن إخواننا هنا يقولون ما كان يعتمده الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو ما نقله عنه بعض علماء المسلمين من أنه كان يمتحن الداخل إلى طائفته بشهادة أنه كان قبلها على الشرك و أن كل المسلمين أو جلهم انقلبوا إلى الشرك بعد المائة السادسة، و قدنقل ذلك العالم زيني دحلان و أخوه سليمان و بعض فقهاء المذاهب الأربعة في عصره، فهل إلى أوبة من سبيل؟؟؟ و إحسانا بالظن قلنا فيما نقل عنه، و لم نجزم بذلك.. والله أعلى و أعلم و هو يهدي للتي هي أقوم... و عند الله تلتقي الخصوم...