تقييم النظرية الكينزية:
- كان لكينز أكبر الأثر في إدخال أدوات تحليل جديدة في دراسة مختلف التغيرات والظواهر الاقتصادية حيث تعتبر الأفكار الاقتصادية لكينز بمثابة ثورة وثروة في الفكر الاقتصادي ، واستطاع أن يقدم نموذجاً كاملاً عن تحليل الأوضاع الاقتصادية التي سادت فترة الكساد العالمي .
- عمل كينز على الجمع بين الاقتصاد العيني والاقتصاد النقدي .
- جعل كينز للنقود دوراً هاماً في تحديد مستوى الدخل والتشغيل من خلال تأثيرها على سعر الفائدة باعتبار هذه الأخيرة ظاهرة نقدية ، وبذلك استطاع أن يربط بين النظرية النقدية ونظرية الدخل والتشغيل كما عارض التقليديين على أساس أن الادخار هو دالة لسعر الفائدة واعتبر أن الادخار هو دالة لمتغير الدخل وليس لسعر الفائدة وخلص إلى أن عرض الادخار يختلف عن الطلب على الاستثمار أن هذا الأخير المحدد للادخار عن طريق مضاعف الاستثمار الذي يؤثر في مستوى الدخل وأن قرار الاستثمار إنما يرجع إلى متغيرين هما :
- الكفاية الحدية لرأس المال وسعر الفائدة ومن ثم فلا يتوقع تساوي الادخار والاستثمار .
- يرى التقليديون أن الزيادة في العرض النقدي تؤدي إلى حالة تضخمية بينما توصل كينز إلى أن وجود الاقتصاد في مستوى أدنى من مستويات التشغيل الكامل فإن اللجوء إلى زيادة كمية النقود يؤدي إلى زيادة العمالة ورفع مستوى الإنتاج .
- استحدث كينز أدوات تحليل جديدة استعملها معظم الاقتصاديين فيما بعد أهمها على الإطلاق نظرية سعر الفائدة .
- ساهم على غرار الاقتصاديين الذين عاصروه في إدخال أسلوب البحث الإحصائي في صلب دراسة الاقتصاد التحليلي مولعاً بالقياس الكمي .
كما لقي كينز معارضة ونقد شديد في بناء نموذجه التحليلي الذي رغم أنه تمكن من تفسير ومعالجة حالة الكساد آنذاك إلا أنه قد لا يكون صالحاً على الإطلاق في غير هذه الظروف باعتبار أنه لم يتعامل مع حالة التضخم .
- افترض كينز أن الزيادة في الطلب النقدي تؤدي على زيادة الإنتاج وزيادة العمالة وذلك يتصور في ظل المنافسة ولكن في وضع احتكاري قد تؤدي الزيادة في الطلب النقدي إلى رفع الأسعار بدلاً من زيادة الإنتاج ، وفي هذه الحالة يزيد ربح المحتكر دون أن يزيد الإنتاج ومن ثم دون زيادة في العمالة ، وإذا ما جاءت الزيادة في الطلب النقدي عن طريق سياسة مالية للدولة في تمويل العجز ( كالاقتراض من البنك المركزي عن طريق سياسة مالية للدولة في تمويل العجز فإن هذا الطلب سيؤدي إلى إيجاد تضخم عند مستويات أدنى من مستوى التشغيل الكامل كوضع عام على عكس ما يقول به كينز .
- على ضوء الدراسات التطبيقية التي قام بها الاقتصاديون في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للمشروعات أثبت عدم وجود علاقة عكسية حتمية بين سعر الفائدة والاستثمار، فقد تكون الكفاية الحدية للاستثمار مرتفعة جداً عن سعر الفائدة فيصعب القول أن سعر الفائدة يمكن أن يكون محدداً للاستثمار ، وذلك في حالات الرواج ، بينما في حالات الكساد قد تنخفض الكفاية الحدية بمعدلات كبيرة جداً بالرغم من انخفاض سعر الفائدة ، وذلك نظراً للتوقعات المستقبلية التي تتسم بالتشاؤم ولا تدفع للاستثمار .
- يراعي البنك المركزي عوامل عديدة تخص الاقتصاد ككل فيعمل على تثبيت سعر الفائدة في حدود معينة ، بحيث لا يتجاوز في ارتفاعه حد معين في أوقات الرواج، كذلك لا ينخفض أقل من حد معين في أوقات الكساد ، فتقل أهميته بالنسبة للمقترضين .
- نظراً إلى أن المشروعات الكبيرة تمول نفسها ذاتياً فهي لا تتأثر بتقلبات سعر الفائدة
- أثبتت تجربة المصارف والشركات الإسلامية التي تمت خلال العشر سنوات الأخيرة في عدد من البلدان الإسلامية أن نسبة يعتد بها من رجال الأعمال لا تبالي بسعر الفائدة والتغيرات الحادثة فيه وذلك في كافة أعمالها الاستثمارية .
- لا تعمل آلية سعر الفائدة في البلدان النامية بنفس الطريقة التي تعمل بها في البلدان المتقدمة ذلك أن قرارات الاستثمار لا تعتمد في العديد من الحالات على مقارنة الكفاية الحدية للاستثمارات بسعر الفائدة ، ذلك أن هناك عوامل هيكلية ومؤسسية عديدة تعرقل النشاط الاستثماري في البلدان النامية ومن ثم فإن زيادة النشاط الاستثماري قد تستدعي مثلا ً تغيير القوانين التي تحمي الملكية الخاصة والنشاط الاستثماري بحيث تصبح أكثر فاعلية في حماية النشاط الاستثماري وخفض معدلات الضرائب والتي قد تمثل تكلفة تفوق بكثير سعر الفائدة وإعطاء صغار المستثمرين وهم الأغلبية ميزات خاصة في المناطق الجديدة وتوجيههم إلى مشروعات ذات إنتاجية مرتفعة نسبياً بطرق مباشرة وإذا نظرنا إلى حجم هذه العوامل وخطورتها لاكتشفنا ضالة تأثير سعر الفائدة على القرارات الاستثمارية على مستوى الاقتصاد الكلي في البلدان النامية .
- تحصلت شركات عامة على قروض من البنوك على الرغم من أن الكفاية الحدية لهذه المشروعات كانتا منخفضة جداً وقد تشجعت هذه الشركات على الاقتراض نظراً انخفاض سعر الفائدة كذلك لم يتحصل رجا الأعمال الصغار على القروض بالرغم من أن الكفاية الحدية لمشروعاتهم كانت مرتفعة تستطيع أن تغطي سعر الفائدة ، وهذا يؤكد ما سبق وقلناه عن أن سعر الفائدة لا يعمل في ظروف البلدان النامية بالطريقة التي وضعها كينز وكان لابد من التطرق لكل هذا لإزالة الوهم الكبير في البلدان النامية حول السلاح السحري المسمى بسعر الفائدة .
النظرية النقدية المعاصرة
ظروف نشأة المدرسة النقدية المعاصرة
نظراً لمحدودية الفكر الكينزي وعدم قدرته على تفسير ظاهرة التضخم التي زامنت ظاهرة الركود الاقتصادي ، ظهر فكر اقتصادي معاصر قائم في أساسه ومنهجه على أطروحات ونظريات المدرسة التقليدية على الخصوص وبدرجة أقل المدرسة الكينزية فتعتبر مدرسة شيكاغو " نظرية فريدمان" امتداد للفكر الاقتصادي التقليدي ولكن في ثوب جديد وبأدوات تحليلية أكثر نجاعة وواقعية زامنت هذه المدرسة ظهور أزمة اقتصادية تعايش خلالها التضخم والكساد في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الخمسينات .
الفرع الثاني : الوقائع والأحداث الاقتصادية التي سادت مرحلة الكساد التضخمي
يمكن التمييز بين مرحلتين واجهت أوضاع النظم الرأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية ،المرحلة الأولى امتدت مع بداية الحرب العالمية الثانية إلى 1948 ؛أما المرحلة الثانية فهي حقبة السبعينات ، حيث زاد معدل التضخم خاصة في البلدان الرأسمالية المتقدمة واستمرت الضغوط التضخمية في التزايد في فترة التسعينات.
في تحيلنا لأسباب ظاهرة تلازم التضخم مع الكساد التي عرفتها الدول الصناعية الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية إلى وقتنا الحاضر ، فإننا نرى أن الفترة الأولى التي أعقبت الحرب وعرفت مثل هذه الظاهرة إنما ترجع كما يرى الكثير من الاقتصاديين إلى طبيعة وظروف الحرب وإلى اعتماد النموذج الكينزي القائم على تفضيل السياسة المالية وما يتبعها من تدخل للدول في زيادة حجم الإنفاق العام واعتماد ظاهرة النقود الرخيصة .
أما تفسير الظاهرة خلال السبعينات إلى التسعينات من القرن العشرين ، فإن الكثير من الاقتصاديين إنما يرجعون ذلك إلى الإجراءات والسياسات النقدية والمالية التي استخدمتها أمريكا وخاصة أزمة الدولار سنة 1971 ، حيث تخلت هذه الأخيرة عن تحويل الدولار إلى ذهب وما نتج عنه من انخفاض لقيمته 7.89% في نفس السنة ، لينخفض إلى 10% سنة 1973 .انعكست سياسة تخفيض قيمة الدولار سلباً على مستوى أسعار الكثير من المواد الأولية والمواد الغذائية والسلع المصنعة الاستهلاكية والوسيطية والاستثمارية .
ويمكن الوقوف على آثار التضخم العالمي وانخفاض قيمة العملات الدولية على البلدان النامية ، ومنها حتى الدول العربية المصدرة للنفط من خلال الآثار التي انعكست على أسعار النفط .
إلا أن هذه الزيادات في أسعار النفط التي صاحبت هذه الظروف في حقيقة الأمر لا تمثل زيادة حقيقية ، بسبب ظاهرة التضخم العالمي وما نتج عنه من انخفاض لقيمة الدولار الذي يمثل العملة الرئيسية لقيمة صادرات الدول النفطية .