منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - دور الشعب وانتفاضة إسلامية قوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-31, 08:43   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
المعزلدين الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية المعزلدين الله
 

 

 
الأوسمة
وسام الاستحقاق 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثالث:

فلسطين اليوم أندلس البارحة

كان الدرس الثالث من تاريخ الأندلس هو الأخطر من نوعه، وتبدو معالمه في سؤال ربما يكون قد شغل أذهان البعض كثيرا، وهو: لماذا انتهى الإسلام بالكليّة من بلاد الأندلس؟!

فبلاد الأندلس (أسبانيا والبرتغال) هي اليوم من أقل بلاد العالم في عدد المسلمين، والذين بلغ عددهم فيها مائة ألف مسلم فقط، أي أقل من عدد المسلمين في مدينة من مدن أمريكا.

ففي مدينة دالاس الأمريكية وحدها يصل عددهم إلى مائة ألف مسلم، وهي بعد لم تكن قد حكمت بالإسلام، بينما تعداد المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية (أسبانيا والبرتغال) وبعد أن حُكمت ثمانية قرون بالإسلام لا يزيد عن مائة ألف مسلم، وهو أمر في غاية الغرابة.

ومن هنا كان هذا السؤال: لماذا انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكليّة كأفراد وشعوب ولم ينته من البلاد الأخرى، والتي استُعمرت استعمارا صليبيا، طال أمده في بعض الدول مثل الجزائر التي احتُلت ثلاثين ومائة سنة، ومصر التي احتُلت سبعين سنة، وفلسطين احتُلت مائتي سنة في زمن الصليبيين، وغيرها من الدول الإسلامية التي غُلبت على أمرها، ورغم ذلك لم يندثر المسلمون أيا كانت طريقة اندثارهم ولم يتغيروا، وظلوا مسلمين وإلى الآن؟!

وللإجابة على هذا التساؤل لننظر أولا ما كان يفعله الاستعمار الأسباني في بلاد الأندلس، فقد كان الاستعمار الأسباني استعمارا استيطانيا إحلاليا، ما إن يدخلوا بلدا إلا قتلوا كل من فيه من المسلمين في حرب إبادة جماعية، أو يطردونهم ويهجّرونهم إلى خارج البلد، ثم يُهجّروا إليها من النصارى من أماكن مختلفة من الأندلس وفرنسا من يحل ويعيش في هذه المدن وتلك الأماكن التي خلفها المسلمون، وبذلك لم يعد يبقى في البلاد مسلمون.

وحكم البلاد وعاش فيها بعد ذلك نصارى وأبناء نصارى، على عكس ما كان يحدث في احتلال البلاد الإسلامية الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها، فإن الاحتلال في هذه البلاد كان بالجيوش لا بالشعوب، واحتلال الجيوش ولا شك مصيره إلى ردة وزوال.

وإن مثل هذا ليضع أيدينا على شيء هو في غاية الأهمية، ذلك أن الاحتلال الاستيطاني هذا الذي حدث في بلاد الأندلس لم يتكرر في أيٍ من بلاد العالم إلا في مكان واحد فقط، وهو أيضا يخص المسلمين، وهو فلسطين.

وإن ما يحدث الآن فيها وعلى أرضها ما هو إلا تكرار لأندلس جديدة، ما يفعله اليهود الآن من تهجير اليهود إلى أرض فلسطين، وإبادة في الشعب الفلسطيني بالقتل والطرد والتشريد، وإصرارهم (اليهود) على عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم، ثم الإكثار من بناء المستعمرات، كل ذلك وغيره ما هو إلا خطوة من خطوات إحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطيني.

فقد شُرّد الشعب الفلسطيني وبات مصيره في طي النسيان، بات العالم أجمع ينسى قضيته يوما بعد الآخر، بل بات محتملا أن ينسى هو نفسه (الشعب الفلسطيني) قضيته، وأخشى والله أن ينسى الفلسطينيون المشردون القضية تماما كما نسيها أهل الأندلس الذين هاجروا إلى بلاد المغرب وإلى تونس والجزائر بعد عام أو عامين، أو حتى بعد عشرة أو مائة عام، فقد مر الآن على سقوط الأندلس خمسمائة عام، فمن يفكر في تحريرها؟!

وهكذا وعلى هذا الوضع يسير اليهود ويجمعون ويُهجّرون شتاتهم إلى بلاد فلسطين لإحلال الشعب اليهودي مكان الشعب الفلسطيني.

فكانت قضية فلسطين شديدة الشبه بالأندلس، وتُرى لماذا عُقد اتفاق السلام الأخير بين اليهود وبين الفلسطينيين، ومن بين كل بلاد العالم هناك يعقد في إحدى مدن الأندلس القديمة في مدريد؟!

كانت مفاوضات السلام تدور في أوسلو وترعاها أمريكا وروسيا وغيرها من البلاد، ومع ذلك أُقيمت في مدريد، وفي إزالة علامات التعجب أن ذلك كان بسبب أن المفاوضات قامت في سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة وألف من الميلاد، وهي ذكرى سقوط الأندلس، حيث كان قد مر على سقوطها خمسمائة عام.

ففي تلك الأثناء كانت شوارع مدريد مكتظة بالاحتفالات والمهرجانات، حيث هزيمة المسلمين وانتصار الصليبيين في هذه الموقعة القديمة منذ خمسمائة عام، وكأنهم يبعثون برسالة مفادها: ها هو التاريخ يتكرر، وها هي أحداث الأندلس تتكرر من جديد في فلسطين، وها هي الانتفاضة التي تحدث في فلسطين تُقتَل كما قُتلت من قبل انتفاضة موسى بن أبي غسّان في غرناطة، ها هو التاريخ يتكرر، لا داعي للحرب ولا داعي للجدال والمحاورات الكثيرة؛ فإن مصيركم هو ما حدث في الأندلس من قبل.

وأخيرا

بعد هذه الدراسة، وبعد تلك الحقبة المهمة من تاريخ المسلمين، نستطيع أن نسطر من جديد: ما كان التاريخ- وتاريخ الأندلس خاصة- يوما ما بُكاء على اللبن المسكوب، ولا عيشا في صفحات الماضي، إنما كان لأخذ الدرس والعبرة، وكما ذكرنا في البداية : [فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {الأعراف:176} . وأيضا: [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ] {يوسف:111} .

والذي يجب أن يشغلنا الآن هو أن نقف مع تاريخ الأندلس وقفة نفهم منها أحداث فلسطين وأحداث الشيشان وكوسوفا والبوسنة والهرسك وكشمير، وغيرها من البلاد، وما هو دور الشعوب والأفراد في قضية فلسطين حتى لا تصبح أندلسا أخرى.

والذي يجب أن يشغلنا هو أن يعرف كل منا دوره في الحياة، ومن ثم يقوم عليه بأحسن ما يكون وأحسن ما يجب أن يكون القيام، وإن معرفة مثل ذلك لتقبع خلف كل صفحة من صفحات تاريخ الأندلس، وخلف كل صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي بصفة عامة.

وليعلم كل منا أنه إنما هو على ثغرة عظيمة من ثغور الإسلام، فليحذر وليحرص كل الحرص على ألا يُؤْتى الإسلام من قِبله، ولا يُلدغ الثانية، وقد قال عز وجل: [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {النور:55} .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

.










رد مع اقتباس