منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - السيرة النبوية الشريفة والدعوة المحمدية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-25, 18:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عازفة الاحزان
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية عازفة الاحزان
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ملخص السيرة النبوية

ما قبل الهجرة - الجزء 2




المرحلة الثالثة - الرسول في الطائف
في شوال سنة عشر من النبوة ( في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619م ) خرج النبي إلى الطائف وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلاً ، سارها ماشياً على قدميه جيئة وذهوباً ومعه مولاه زيد بن حارثة ، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام ، فلم يجب إليه واحدة منها . فلما انتهى إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف ، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله ، وإلى نصرة الإسلام ، فقال أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة ( أي يمزقها )إن كان الله أرسلك ، وقال الآخر : أما وجد الله أحداً غيرك ، وقال الثالث : والله لا أكلمك أبداً ، إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك . فقام عنهم رسول الله ، وقال لهم : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني .
وأقام رسول الله بين أهل الطائف عشرة أيام ، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلمة ، فقالوا: اخرج من بلادنا ، وأغروا به سفهاءهم ، فلما أراد الخروج تبعه سفهاءهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس ، فوقفوا له سماطين ( أي صفين ) وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه ، ورجموا عراقيبه ، حتى اختضب نعلاه بالدماء . وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه ، حتى أصابه شجاج في رأسه ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، على ثلاثة أميال من الطائف ، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى رسول الله إلى حبلة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار فلما جلس إليه واطمأن ، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبه وحزناً مما لقي من الشدة ، وأسفا على أنه لم يؤمن به أحد ، قال : اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتهجمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك
فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاماً لهما نصرانياً ، يقال له عداس ، وقالا له : خذ قطفا من هذا العنب واذهب به إلى هذا الرجل . فلما وضعه بين يدي رسول الله مد يده إليه قائلاً (( بسم الله )) ثم أكل .
فقال عداس : إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ قال : أنا نصراني ، من أهل (( نينوى)) فقال رسول الله من قرية الرجل الصالح يونس بن متى . قال له : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ قال رسول الله : ذاك أخي ، كان نبياً وأنا نبي ، فأكب عداس على رأس رسول الله ويديه ورجليه يقبلها .
فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر : أما غلامك فقد أفسده عليك . فلما جاء عداس قالا له : ويحك ما هذا ؟ قال : يا سيدي ، ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل ، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي قال له : ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه .
ورجع رسول الله في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيباً محزوناً كسير القلب ، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله جبريل ومعه ملك الجبال ، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة .
وقد روى البخاري تفصيل القصة _ بسنده _ عن عروة بن الزبير ، أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي : هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال : لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت _ وأنا مهموم _ على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب _ وهو المسمى بقرن المنازل _ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني ، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك . وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال ، فسلم عليّ ، ثم قال : يا محمد ، ذلك فما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين _ أي لفعلت ، والأخشبان : هما جبلا مكة ، أبو قبيس والذي يقابله وهو قعيقعان _ قال النبي : بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئاً .
وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول تتجلى شخصيته الفذة وما كان عليه من الخلق العظيم الذي لا يدرك غوره .
وأفاق رسول الله ، وأطمأن قلبه ، لأجل هذا النصر الغيبي الذي أمده الله عليه من فوق سبع سماوات ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادي نخلة ، وأقام فيه أياماً . وفي وادي نخلة موضعان يصلحان للإقامة _ السيل الكبير والزيمة _ لما بهما من الماء والخصب ، ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته فيه .
وخلال إقامته هناك بعث الله إليه نفراً من الجن ، ذكرهم الله في موضعين من القرآن ، في سورة الأحقاف وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين (29) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم (30) يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم
وفي سورة الجن : قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجباً (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولم نشرك بربنا أحداً إلى تمام الآية الخامسة عشرة .
ومن سياق هذه الآيات _ وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادث _ يتبين أن النبي لم يعرف بحضور ذلك النفر من الجن ، وإنما علم ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات ، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة ، ويقتضي سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مراراً .
وحقاً كان هذا الحادث نصراً آخر أمده الله من كنوز غيبه المكنون بجنوده التي لا يعلمها إلا هو ، ثم إن الآيات التي نزلت بصدد هذا الحادث كانت في طيها بشارات بنجاح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن أي قوة من قوات الكون لا تستطيع أن تحول بينها وبين نجاحها ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء ، أولئك في ضلال مبين وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً
أمام هذه النصرة وأمام هذه البشارات ، أقشعت صحابة الكآبة والحزن واليأس، التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطروداً مدحوراً ، حتى صمم على العود إلى مكة ، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ رسالة الله الخالدة بنشاط جديد وجد وحماس .
وحينئذ قال له زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ يعني قريشاً ، فقال : يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً ، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه . وسار رسول الله حتى إذا دنا من مكة مكث بحراء وبعث رجلاً من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فقال : أنا حليف ، والحليف لا يجير . فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال سهيل : إن بني عارم لا تجير على بني كعب ، فبعث إلى المطعم بن عدي ، فقال المطعم : نعم ، ثم تسلح ودعا بنيه وقومه فقال : البسو السلاح ، وكونوا عند أركان البيت ، فإني قد أجرت محمداً ، ثم بعث إلى رسول الله : أن ادخل ، فدخل رسول الله ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام ، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى يا معشر قريش ، إني قد أجرت محمداً فلا يهجه أحد منكم ، وانتهى رسول الله إلى الركن فا ستلمه ، وصلى ركعتين ، وانصرف إلى بيته ، ومطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته .
وقيل : إن أبا جهل سأل مطعماً : أمجير أنت أم متابع _ مسلم _ ؟ قال : بل مجير . قال : قد أجرنا من أجرت .
وقد حفظ رسول الله للمطعم هذا الصنيع ، فقال في أساري بدر : لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له .




وبينا النبي في هذه المرحلة التي كانت دعوته تشق فيها طريقاً بين النجاح والإضطهاد ، وكانت تتراءى نجوماً ضئيلة تتلمح في آفاق بعيدة ، وقع حادث الإسراء والمعراج .
واختلف في تعيين زمنه على أقوال شتى :
1- فقيل : كان الإسراء في السنة التي أكرمه الله فيها بالنبوة ، اختاره الطبري .
2- وقيل : كان بعد المبعث بخمس سنين ،رجح ذلك النوري والقرطبي .
3- وقيل : كان ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 10 من النبوة ، واختاره العلامة المنصور فوري .
4- وقيل : قبل الهجرة بستة عشر شهراً ، أي في رمضان سنة 12 من النبوة .
5- وقيل : قبل الهجرة بسنة وشهرين ، أي في المحرم سنة 13 من النبوة .
6- وقيل : قبل الهجرة بسنة ، أي في ربيع الأول سنة 13 من النبوة .
وردت الأقوال الثلاثة الأول بأن خديجة رضي الله عنها توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة وكانت وفاتها قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، ولا خلاف أن فرض الصلوات الخمس كانت ليلة الإسراء . أما الأقوال الثلاثة الباقية فلم أجد ما أرجح به واحداً منها ، غير أن سياق سورة الإسراء يدل على أن ألإسراء يدل على أن الإسراء متأخر جداً .
وروى أئمة الحديث تفاصيل هذه الوقعة . وفيما يلي نسردها بإيجاز :
قال ابن القيم : أسري برسول الله بجسده على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ، راكباً على البراق ، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام ، فنزل هناك ، وصلى بالأنبياء إماماً ، وربط البراق بحلقة باب المسجد.
ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ، فا ستفتح له جبريل ، ففتح له ، فرأى هنالك آدم أبا البشر ، فسلم عليه ، فرحب به ، ورد عليه السلام ، وأقر بنبوته ، وأراه الله أرواح الشهداء عن يميينه وأرواح الأشقياء عن يساره .
ثم عرج به إلى السماء الثانية ، فا ستفتح له ، فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ، فلقيهما وسلم عليهما ، فردا عليه ، ورحبا به ، وأقرا بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الثالثة ، فرأى يوسف ، فسلم عليه ، فرد عليه ورحب به ، وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الرابعة ، فرأى إدريس ، فسلم عليه ، ورحب به وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران ، فسلم عليه ورحب به ، وأقر بنبوته .
فلما جاوزه بكى موسى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لأن غلاماً بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .
ثم عرج به إلى السماء السابعة ، فلقي إبراهيم عليه السلام ، فسلم عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته .
ثم رفع إلى سدرة المنتهى ، ثم رفع له البيت المعمور .
ثم عرج إلى الجبار جل جلاله ، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ، وفرض عليه خمسين صلاة ، فرجع حتى مرّ على موسى ، فقال له : بم أمرك ؟ قال بخمسين صلاة : قال : إن أمتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فالتفت إلى جبريل ، كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار : أن نعم ، إن شئت ، فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى ، وهو في مكانه _ هذا لفظ البخاري في بعض الطرق _ فوضع عنه عشراً ، ثم أنزل حتى مر بموسى ، فأخبره ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل ، حتى جعلها خمساً ، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف ، فقال : قد استحييت من ربي ، ولكني أرضى وأسلم ، فلما بعد نادى مناد : قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي _ انتهى .
ثم ذكر ابن القيم خلافاً في رؤيته ربه تبارك وتعالى ، ثم ذكر كلاماً لابن تيمية بهذا الصدد ، وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلاً وهو قول لم يقله أحد من الصحابة . وما نقل عن ابن عباس من رؤيته مطلقاً ورؤيته بالفؤاد فا لأول ينافي الثاني .
ثم قال : وأما قوله تعالى في سورة النجم ثم دنا فتدلى فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء ، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل ، وتدليه ، كما قالت عائشة وابن مسعود ، والسياق يدل عليه وأما الدنو والتدلي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ، ولا تعرض في سورة النجم لذلك ، بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى . وهذا جبريل ، رآه محمد على صورته مرتين : مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى . والله أعلم _ انتهى .
وقد وقع حادث شق صدره هذه المرة أيضاً وقد رأى ضمن هذه الرحلة أموراً عديدة :
عرض عليه اللبن والخمر ، فاختار اللبن ، فقيل : هديت الفطرة أو أصبت الفطرة ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .
ورأى أربعة انهار في الجنة : نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، والظاهران هما : النيل والفرات ، ومعنى ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات ، وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلاً بعد جيل ، وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة .
ورأى مالك خازن النار ، وهو لا يضحك ، وليس على وجهه بشر وبشاشة ، وكذلك رأى الجنة والنار .
ورأى أكلة أموال اليتامى ظلماً لهم مشافر كمشافر الإبل ، يقذفون في أفواههم قطعاً من نار كالأفهار فتخرج من أدبارهم .
ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة ، لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم ، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم .
ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون الطيب السمين .
ورأى النساء اللاتي يدخلن على الرجال من ليس أولادهم ، رآهن معلقات بثديهن.
ورأى عيراً من أهل مكة في الإياب والذهاب ، وقد دلهم على بعير ندّ لهم وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون ، ثم ترك الإناء مغطى ، وقد صار ذلك دليلاً على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء .
قال ابن القيم : فلما أصبح رسول الله في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى ، فا شتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه ، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس فجلاه الله له ، حتى عاينه فطفق يخبرهم عن آياته ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً ، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها وكان الأمر كما قال ، فلم يزدهم ذلك إلا نفوراً ، وأبى الظالمون إلا كفوراً .
يقال سمى أبو بكر رضي الله عنه صديقاً ، لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس .
وأوجز وأعظم ماورد في تعليل هذه الرحلة هو قوله تعالى : لنريه من آياتنا وهذه سنة الله في الأنبياء قال : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ، وليكون من الموقنين وقال لموسى : لنريك من آياتنا الكبرى وقد بين مقصود هذه الإرادة بقولة : { وليكون من الموقنين } فبعد استناد علوم الأنبياء إلى رؤية الآيات يحصل لهم من عين اليقين ما لا يقادر قدره ، وليس الخبر كالمعاينة ، فيتحملون في سبيل الله مالا يتحمل غيرهم ، وتصير جميع قوات الدنيا عندهم كجناح بعوضة لا يعبأون بها إذا ما تدول عليهم المحن والعذاب.
والحكم والأسرار التي تمكن وراء جزئيات هذه الرحلة إنما محل بحثها كتب أسرار الشريعة ، ولكن هنا حقائق بسيطة تتفجر من ينابيع هذه الرحلة المباركة وتتدفق إلى حدائق أزهار السيرة النبوية _ على صاحبها الصلاة والسلام والتحية _ أرى أن أسجل بعضاً منها بالإيجاز :
يرى القارئ في سورة الإسراء أن الله ذكر قصة الإسراء في آية واحدة فقط ، ثم أخذ في ذكر فضائح اليهود وجرائمهم ، ثم نبههم بان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم فربما يظن القارئ ان الآيتين ليس بينهما ارتباط ، والأمر ليس كذلك ، فإن الله تعالى يشير بهذا الأسلوب إلى أن الإسراء إنما وقع إلى بيت المقدس ، لأن اليهود سيعزلون عن منصب قيادة الأمة الإنسانية ، لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجال لبقائهم على هذا المنصب ، وأن الله سينقل هذا المنصب فعلا إلى رسوله ويجمع له مركزي الدعوة الإبراهيمية كليهما ، فقد آن أوان انتقال القيادة الروحية من امة إلى امة ، من أمة ملأت تاريخها بالغدر والخيانة والإثم والعدوان ، إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات ، ولا يزال رسولها يتمتع بوحي القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم .
ولكن كيف تنتقل هذه القيادة والرسول يطوف في جبال مكة مطروداً بين الناس ، هذا السؤال يكشف الغطاء عن حقيقة أخرى ، وهي أن دوراً من هذه الدعوة الإسلامية قد أوشك إلى النهاية والتمام ، وسيبدأ دور آخر يختلف عن الأول في مجراه ولذلك نرى بعض الآيات تشتمل على إنذار سافر ووعيد شديد بالنسبة إلى المشركين وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً وبجنب هذه الآيات آيات أخرى تبين للمسلمين قواعد الحضارة وبنودها ومبادئها التي يبتنى عليها مجتمعهم الإسلامي ، كأنهم قد أووا إلى الأرض تملكوا فيها أمورهم من جميع النواحي ، وكونوا وحدة متماسكة تدور عليها رحى المجتمع ، ففيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيجد ملجأ ومأمنا يستقر فيه أمره ، ويصير مركزاً لبث دعوته في أرجاء الدنيا . هذا سر من أسرار هذه الرحلة المباركة ، يتصل ببحثنا فآثرنا ذكره .
ولأجل هذه الحكمة وأمثالها نرى أن الإسراء إنما وقع إما قبيل بيعة العقبة الأولى أو بين العقبتين ، والله أعلم .
بيعة العقبة الأولى
قد ذكرنا أن ستة من أهل يثرب أسلموا في موسم الحج سنة 11 من النبوة ، وواعدوا رسول الله إبلاغ رسالته في قومهم .
وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي _ موسم الحج سنة 12 من النبوة يوليو سنــة 621 _ إثنا عشر رجلاً ، فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد اتصلوا برسول الله في العام السابق _ والسادس لم يحضر هو جابر بن عبد الله بن رئاب _ وسبعة سواهم . وهـــم :
1- معاذ بن الحارث ، ابن عفراء ... من بني النجار
2- ذكوان بن عبد القيس .. من بني زريق
3- عبادة بن الصامت ... من بني غنم
4- يزيد بن ثعلبة ... من حلفاء بني غنم
5- العباس بن عبادة بن نضلة ...من بني سالم
6- أبو الهيثم بن التيهان ... من بني عبد الأشهل
7- عويم بن ساعدة ... من بني عمرو بن عوف
الأخيران من الأوس والبقية كلهم من الخزرج .
اتصل هؤلاء برسول الله عند العقبة بمنى ، فبايعوه بيعة النساء أي وفق بيعتهن التي نزلت عند فتح مكة .
روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال : تعالوا ، بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفي منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله ، فأمره إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه . قــال : فبايعته _ وفي نسخة فبايعناه _ على ذلك .
تـابع ...









رد مع اقتباس