ألوان من الصبر:
الصبرأنواع كثيرة ـ بحسب المتعلقات ـ لاشتماله على خلال الإسلام، وأخلاقه الفاضلة؛ لذا لا تكاد تجد مقاما من مقامات الدين ـ من أولها إلى آخرها ـ إلا ولها ارتباط متين،وصلة وطيدة بخلق «الصبر» ولنضرب لذلك أمثلة:
الصبر على شهوة المعدة يسمى: قناعة، وضده: الشره
والصبر عن شهوة الفرج يسمى: عفة، وضده: الشبق
والصبر عن حفظ السر يسمى: كتمانا، وضده: نكث العهد، والصبر عن فضولا لمعيشة يسمى: زهدا، وضده: الحرص، والصبر عند القتال يسمى شجاعة، وضده: الجبن
والصبر عند الغضب يسمى حلما، وضده الحمق
والصبر عند المصيبة يسمى صبرا، وضده: الجزع أو الهلع، والصبر عند الحرمان يسمى: ضبط النفس، وضده: البطر، والصبر عند توقع الأمور يسمى: تؤددة، وضده: الطيش
والصبر عن شح النفس وإمساكها يسمى جودا، وضده: البخل.
تنبيه:
قد ذكر الله تعالى هذه الأنواع من الصبر، وسمى الكل صبرا، فقال سبحانه:
﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
[البقرة: 177]
فالبأساء: المصيبة، والضراء: الفقر،والبأس: الحرب.
الصبرضرورة ملحة وفريضة شرعية:
الصبر يلازم ابن آدم في جميع أحواله، ويرافقه في كل تقلباته، فهو ضرورة لازمة، بل به بلوغ الآمال وإنجاح الأعمال؛ فلولا الصبر ما انتصر حق، ولا نهضت أمة؛ ولولا صبر الزراع على بذره ما حصد، ولولا صبر الغارس ما جنى، ولولا صبر طالب العلم ما نجح ولا فاز، ولولا صبر المجاهد في سبيل الله ما انتصر؛ فمن صبر ظفر، ومن ثبت نجح، ولله در من قال:
لا تحسب المجد تمرا آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
ولما كان الصبر بهذه المثابة: أمر الله تعالى ـ في كثير من الآيات ـ منها: قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[آل عمران: 200]
ونهى عن ضده، فقال سبحانه:
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾
[الأحقاف: 35].
والصبر الممدوح:
هو الذي يكون ابتغاء وجه الله تعالى وحده، قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾
[لرعد: 22]
والذي لا سخط فيه، ولا شكوى معه، ولا تبرم ولا جزعبعده، ولقد أحسن من قال:
وإذا شـكـوت إلى ابن آدم إنمـا تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
والصبر المحمود صاحبه:
هو ما كان في أوانه، ولم يأت بعد وقته، لأن الناس جميعا يصبرون، لكن شتان بين صبر الاختيار وصبر الاضطرار؛ روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر،فقال: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي»، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنَّه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال:
«إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».