ازدهر الأدب العربي في العصر العباسي في بغداد في نصف القرن الثامن.
بلغ العصر الذهبي للثقافة والتجارة الإسلامية أبهى عصوره في عهد هارون
الرشيد وابنه الخليفة المأمون. بدأ النثر يأخذ وضعه الصحيح بجانب الشعر،
ولم يخرج الأدب الماجن آنذاك عن حدود التعاليم الدينية. لم يسهم الكتاب
العباسيين فقط في ازدهار عهدهم ولكن أيضا تركوا أثرهم علي النهضة
الأوروبية.
استمر العباسيون ينظمون في الأغراض الشعرية القديمة – أي الجاهلية والاسلامية-، ولكن بما يتلاءم مع حياتهم وأذواقهم، وبيئتهم وحياتهم الجديدة، وهناك من اعترض على بعض الأغراض القديمة، كالوقوف على الأطلال، ورأى فيها تقوقعا وشيء لا يتلاءم مع العصر. وفي هذا العصر ظهرت أغراض جديدة لم تكن من قبل، مثل: الغزل الفاضح، والشعر الخمري – شعر وصف الخمرة والتغني بها – وشعر الزهد، والشعر الفلسفي وغير ذلك وفي العصر العباسي نشطت حركة النثر بما يتلاءم والنهضة الحضارية واستخدم النثر في مجالات كثيرة كالموسوعات الأدبية، والسياسية والاجتماعية والتاريخية والعلمية، وفي هذا العصر وضعت قواعد البلاغة. وفي الأندلس نشأ الأدب العربي وكان باتصال مستمر مع تطور الأدب العربي العباسي.
الشعر العباسي
تحول الشعر في هذا العهد إلى زينة اجتماعية ، أو وسيلة كسب ، أو تعبير عن واقع الحياة وآمال الشعب وآلامه .
1-منزلة الشعر والشاعر :
#الشاعر بلبل القصور ونديم الملوك وروح الغناء .
#وهو لسان الحياة في شتى مظاهرها .
2-أقسام الشعر العباسي وأغراضه :
أ) الشعر الرسمي :
*هو مدح للأمراء واستدرار لأكفهم .
*هدفه الكسب وأسلوبه دغدغة الأثرة الملكية .
*مغالاة في المعاني ، وتزييف في العواطف .
*جلال القدم وتأن وتنميق .
ب)الشعر الشعبي :
هو الذي يردد أصداء الحياة ويميل إلى إرضاء الناس عامة ومنه مايلي :
1-اللهو والغزل :
# تعدى الغزل حدود التقليد العربي وأغرق في الفحش إلى حدودالشذوذ المقيت .
# سهولة وابتعاد عن الصعب .
# خضوع للغناء .
2-الخمر :
- إكثار من وصف الخمر والغناء ووصف مجالسهما .
- مجاهرة بالدعوة إلى ممارسة الخمرة والغناء .
- مبالغة جرت الكثيرين إلى الإلحاد والزندقة والاستهتار بالدين .
3-الزهد والتصوف :
- شيوع التزهد والتوجد في من قسم من الشعر .
- تطور شعر الزهد عن شعر الدين .
-تطور الشعر الزهدي إلى شعر صوفي .
4-الحكمة :
- نحا الشعر الحكمي نحوا جديدا في العمق .
- عالج مذاهب حياتية مستقاة من الفلسفة والتجربة .
- أصبح فلسفة مع أبي العلاء المعري .
هذا بشار بن برد أصل أبائه من بلاد الفرس، وقع عليهم سبي؛ فآل ملك أبي بشار لبني عقيل، وفيهم ولد بشار، ولما كبر صار يختلف إلى أعراب البصرة حتى أخذ عنهم العربية، وتعلّم الشعر ونبع فيه. وقد وُلد أعمى، ثم أصابه الجدري، فصار قبيح المنظر، ولكنه كان شديد الذكاء واسع الخيال، ذا ملكة قوية في الشعر، يُعَدُّ من أكبر شعراء عصره، وفي مقدمة المحدثين وأهل الافتنان، ومن أصحاب المعاني المخترعة في الشعر العربي، كان كثير الهجاء للناس ماجنًا، متهمًا في دينه بالزندقة. قد تصرف بشار في فنون الشعر ومعانيه، وذاع شعره في زمانه، وصار إمامًا بين الشعراء. وكان لأسلوبه قوة معروفة وجمال ممتاز، وقدمات مقتولاً سنة 167هـ.
وقال في الغزل:
يا منظرًا حسنًا رأيتــه * من وجه جاريـة فديته
بعثت إلى تســـومـني * ثوب الشباب وقدطويته
والله رب محمـــــد * ما إن غدرت ولا نويته
أمسكت عنك وربمـــا * عرض البلاء وما ابتغيته
إن الخليفـــة قد أبى * وإذا أبــى شيئـًا أبيته
ومخضّب رخـص البـا * ن بكى على وما بكيتــه
ويشوقني بيـت الحبيب * إذا ذكـرت وأين بيتــه
وهذا العباس بن الأحنف، وكان شاعرًا ظريفاً، نشأ في بغداد في حال يسر ورخاء،لم يصطنعْ المدح والتكسب بالشعر، بل توفر على الغزل في مدح فوز، ولزم هذا الفن وحده مجيدًا موفقا، حتى مات 192هـ.
يمتاز شعره بالسهولة، وحس التصرف، وجمال المعاني، فهو من شعراء الغزل العذريين.
ومن شعره في الغزل:
قالت ظلـوم سميــة الظلم
ما لي رأيتك ناحـل الجسم
يا من رمى قلبي فأقصــده
أنت العليم بموضع السهم
وذلك أبو نواس الحسن بن هانئ،نشا نشأته الأولى في البصرة، وكان يَكْلَفُ بمن يجيدُون قرض الشعر، ثم تحوّل إلى الكوفة ليأخذ على والبة بن الحباب، وكان والبة شاعرًا ماجنًا مشتهرًا بالشراب، وصافًا للخمر ثم انتقل إلى بغداد.
برع أبو نواس في الشعر، حتى بذّ أهل زمانه، ولم يُجِدْ شاعر قبله ولا بعده وصف الخمر كما أجادها، وكان ماجنًا مستهترًا، توفر عمله على تحصيل اللذائذ ما يبالى في ذلك شيئًا وقرض الشعر في أبواب المجون غير متأثم ولا متحرج. أبونواس لايُعد من أعظم الشعراء العباسين فحسب، بل من أعظم شعراء العربية على الإطلاق، وكانت وفاته سنة 198هـ.
قال يصف الخمر:
دع عنك لومي فـإن اللّوم إغـراء
داوني بالتـي كانت هـي الـداء
صفراء لاتنزل الأحــزان ساحتها
لو مسّها حجـر مستـه سـرّاء
رقّت عن الماء حتى ما يـلائمها
لطافة، وجفا عـن شكلها الماء
فلو مزجت بها نورًا لمـازجها
حتى تولد أنوار وأضـــواء
دارت على فتية دان الزمان لهم
فما يصيبهـم إلا بمـا يشـاء
لتلك أبكي ولا أبكي على منزلة
كانت تحـل بها هنـد وأسماء
وهذا أبوالعتاهية إسماعيل بن القاسم يكنى أبا إسحق، نشأ بالكوفة، عالج الشعر صبيًّا خليعًا، ثم ألمّ بمذاهب المتكلمين والفلاسفة حتى خرج زاهدًا، وكان بـخيلاً شديد البخل. غلب عليه مذاهب الزهد حتى مات 211هـ ببغداد .
ويمتاز شعره بالسهولة ووضوح المعنى، وتناول خواطر العامة فكان صلةً حسنةً بين الطبقات المتباينة، ويكاد شعره من السهولة يكون نثرًا.
يقول في الوعظ:
لدوا للموت وابنـوا للخراب
ألا يا موت! لم أر منك بُـدًّا
وجملة من أمثاله:
ما أكثـر القـوت لمن يمـوت
هي المقادير فلمني أو فـذر
إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر
ما انتفع المـرء بمثل عقلـه
وخير ذخـر المـرء حسن فعله
إن الشباب والفراغ والجـدة
ما زالت الدنيا لنا دار أذى
ممزوجة الصفو بألوان القذى
وهذا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، وُلد في قرية جاسم من بلاد حوران الشام، ثم انحدر إلى مصر صبيًّا فتروى الأدب، وأكثر من حفظ الشعر قصيده وأراجيزه، وعالج القريض حتى أجاده وبرع فيه، ثم صار إلى بغداد، فمدح الخليفة المعتصم وغيره فأبدع وأوفى على الغاية.
حتى تقدّم على شعراء عصره، ويمتاز في شعره بتخير اللفظ، وتجويد الصياغة، وهو أول من عنوا بتحري فنون البديع، وبـخاصةٍ الطباق والتجنيس، وكانت وفاته سنة 231هـ قال وهو يمدح الحسن بن رجاء:
لما وردنا ساحـة الحسن انقضى
أحيا الرجاء لنا بـرغم نوائب
أغلى عذاري الشعر أن مهورها
ترد الظنون بنا على تصديقها
وصاحبنا أبوالحسن علي بن الجهم، وُلد بخراسان، ثم انتقل إلى بغداد وأقام بها واختص بالمتوكل، وكان من خاصّته وأحبّه المتوكّل، ثم ظهر له شيء من سوء أخلاقه؛ لأنه كان نمّامًا واشيًا فنفاه إلى خراسان سنة 232هـ. كان ابن الجهم شاعرًا مشهورًا جيد الشعر وصافًا قوى الأسلوب رائع المعاني حسن التعليل مات سنة 249هـ.
يقول في الفراق :
يا رحمتا للغريب بالبلد النا
جملة القول إن الشعر العربي تطوّر في العصر العباسي، وتجاوز مرحلة المراهقة والفتوة حتى بلغ مرحلة الشباب، ومرحلة الكهولة؛ لذلك نجده في هذا العصر حافلاً بالمجون والخلاعة في جانب، وبحكم وتجارب في جانب آخر. ثم إنّه لـمّا ضعف أمر الدولة واستقلت الولايات بالحكم وجد الشعر ملاذًا في الحواضر غير بغداد وبقي جماله وطراوته فيها، كما نراه في شعر المتنبي وأبي فراس الحمداني وغيرهما فلما سقطت الدولة العباسية ذهب جمال الشعر من الشرق كذلك .
أبو الطيب المتنبي
# تاريخه : هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي
المتنبي الشاعر الحكيم ، وخاتم ثلاثة شعراء ،
وآخر من بلغ شعره غاية الارتقاء . وهو من سلالة
عربية جعفي بن سعد العشيرة إحدى قبائل اليمانية
ولد بالكوفة سنة 303هـ في محلة كندة ، ونشأ بها وأولع بتعلم
العربية من صباه ، وكان أبوه سقاء فخرج به إلى الشام .
ورأى أبو الطيب أن استتمام علمه باللغة والشعر لا يكون إلا بالمعيشة
في البادية ، فخرج إلى بادية بني كلب فأقام بينهم مدة ينشدهم
من شعره ويأخذ عنهم اللغة فعظم شأنه بينهم . وكانت الأعراب
الضاربون بمشارف الشام شديدي الشغب على ولاتها فوشى بعضهم إلى لؤلؤة
أمير حمص من قبل الإخشيدية بأن أبا الطيب ادعى النبوة في بني كلب ،
وتبعه منهم خلق كثير ، ويخشى على ملك الشام منه . فخرج لؤلؤة إلى
بني كلب وحاربهم وقبض على المتنبي وسجنه طويلا ، ثم استتابه وأطلقه .
فخرج من السجن وقد لصق به اسم المتنبي مع كراهته له . ثم تكسب بالشعر
مدة انتهت بلحاقه بسيف الدولة بن حمدان فمدحه بما خلد اسمه أبد الدهر .
وتعلم منه الفروسية وحضر معه وقائعه العظيمة مع الروم حتى عد من أبطال
القتال رجاء أن يكون صاحب دولة . ثم قصد كافور الإخشيدي أمير مصر
ومدحه ووعده كافور أن يقلده إمارة أو ولاية ، ولكنه لما رأى تغاليه
في شعره وفخره بنفسه عدل أن يوليه . وعاتبهم بعضهم في ذلك ،
فقال : يا قوم ، من ادعى النبوة بعد محمد ( صلى الله عليه وسلم )
أما يدعي المملكة بعد كافور ، فحسبكم فعاتبه أبو الطيب واستأذن
في الخروج من مصر فأبى . فتغفله في ليلة عيد النحر ،
وخرج منها يريد الكوفة ومنها قصد عضد الدولة بني بويه
بفارس مارا ببغداد ، فمدحه ومدح وزيره ابن العميد
فأجزل صلته وعاد إلى بغداد . وخرج إلى الكوفة فخرج عليه
أعراب بني ضبة وفيهم فاتك بن أبي جهل ، وكان المتنبي
قد هجاه هجاء مقذعا فقاتله قتالا شديدا حتى قتل المتنبي
وابنه وغلامه سنة 354هـ .
شعره : لا خلاف عند أهل الأدب في أنه لم ينبغ بعد المتنبي
في الشعر من بلغ شأوه أو داناه . والمعري على بعد غوره
وفرط ذكائه وتوقد خاطره وشدة تعمقه في المعاني والتصورات
الفلسفية يعترف بأبي الطيب ويقدمه على نفسه وغيره . ومن قوله :
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنّن أن الليث يبتسم
ومن قوله أيضا :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ارجوووووووووووووووووووووووو ان اكون قد افدتك