منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مواضيع الثقافة العامة في مسابقات التوضيف
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-22, 01:41   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
himo-freedom
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

العولمة والتحديات الثقافي

الثقافة العربية الإسلامية
لقد بدأت الهيمنة الغربية تتفاقم لتطال جميع مجتمعات العالم سواء بواسطة السيطرة المباشرة
والفعل الإلحاقي المتعمد أو بصورة غير مباشرة عبر الروابط الثقافية والاقتصادية حتى وصلت إلى أعلى
أطوارها في الحقبة الراهنة حيث تقلصت المسافات بين أرجاء المعمورة بسبب تطور وسائل الاتصال ومن
ثمة لم يعد أي مكان في العالم بمعزل عن سواه و فقدت من جراء ذلك هذه المجتمعات قدرتها على الانعزال
والحركة المستقلة كليا عن الآخرين
.

ولقد كان الثمن الباهظ لواقع من هذا النوع أن فقدت دول الأطراف القدرة على خلق نهضة تنموية
مستقلة تقود إلى اللحاق بالغرب أو على الأقل تحصين الذات أمام حالة الاستلاب والنهب المتواصلتين
. حالة
التردي هذه تفاقم أمرها بعد فرض دول المركز العولمة الثقافية على دول الأطراف
.

و العولمة الثقافية هذه تعني أول ما تعني سلب سيطرة الدول على مجال سيادي هام هو
: المجال
الثقافي، بغية إحداث خلخلة في البنية الثقافية لتلك الدول مما يساعد بطبيعة الحال على نشر ثقافة العولمة، التي
هي السلاح الآخر الذي أخذ تجار العولمة يستخدمونه لامتصاص ثروات الشعوب
.

إن عولمة الثقافة تهدف بالدرجة الأولى إلى إقصاء الثقافات الأخرى عن العالمية بحجة تعارضها
وعدم قدرتها على الانسجام مع توجهات الثقافة الغربية المادية، وفي الوقت ذاته القيام بعملية خنق للثقافة
العربية الإسلامية و إيقاف خطرها الزاحف على الغرب
.

إن مصطلح العولمة يثير من الأسئلة أكثر ما يقدم من الأجوبة وهو يحتاج إلى التوقف عند
الأسئلة التي يثيرها لعلها تساعد في تحديد مفاهيمه ومدلولاته، ولتحقيق ذلك كان من الطبيعي لمن يبحث هذا
الموضوع أن يتساءل
: مالعولمة؟ هل هي ظاهرة جديدة مستحدثة أو أنها لفظ جديد للتعبير عن واقع قديم؟
كيف نتعامل مع هذا الواقع ؟ هل نقبل التغيير ونقبل عليه فنتغير معه أو نبقى أنفسنا ونتفتح على الآخرين؟
و من المناسب حين يود المرء أن يتحدث عن الثقافة و العولمة أن يحدد دلالات هذه المصطلحات،
فلعل في ذلك التحديد فائدة تجعله يمضي في الموضوع على بينة مما يريد
. ويجعل القارئ أقدر على متابعته
ومساءلته عما ينتهي إليه من آراء وما يخلص إليه من نتائج، وما يقدم من اقتراحات وحلول
.

إن صياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مسألة شاقة نظرا إلى تعدد تعريفاتها والتي تتأثر أساسا
باتجاهات الباحثين و الأحكام التي يتبنونها رفضًا أو قبولا، فضلا عن أن العولمة ظاهرة غير مكتملة الملامح
كما يقول السيد يسين
:" و ذلك عائد إلى تعدد الاتجاهات التي تتنازع الباحثين الذين تناولوا قضايا العولمة
وحاولوا صياغة تعريف لها فمن جهة ليست العولمة نظامًا يعبر عن تطلعات البشر المختلفة، ولا هو موضع
اتفاق على سيادته المستقبلية ومن جهة أخرى تختلف المنطلقات التي تتناول هذه الظاهرة بالتعريف فلكل
باحث وجهة هو موليها
"

و العولمة في أصلها اقتصادية،قائمة على إزالة الحواجز والحدود أمام حركة التجارة، لإتاحة حرية
تنقل السلع ورأس المال
.و مع أن الاقتصاد والتجارة مقصودان لذاتهما في العولمة، إلا أنها لا تقتصر عليهما
وحدهما وإنما تتجاوزهما إلى المجال السياسي، الثقافي و الاجتماعي بما تتضمنه من أنماط سلوكية ومذاهب
فكرية و مواقف سياسية، وكل ذلك هو الذي يصوغ هوية الشعوب
.

ومن الجدير بالذكر أن استعمال مصطلح العولمة في التداول السياسي قد طرح من قبل العالم
الكندي مارشال ماك لوهان، الذي يعتبر أول من أشار إلى مصطلح العولمة عندما صاغ في نهاية عقد
الستينيات مفهوم القرية الكونية، وقد تبنى هذه الفكرة من بعده الأمريكي بريجنسكي، الذي أشار إلى أن تقدم
أمريكا، التي تمتلك ما يزيد على
65 % من المصادر الإعلامية، يمكن أن يكون نموذجا كونيا للحداثة يروج
للقيم الأمريكية كالحرية وحقوق الإنسان
.

انتشر استخدام مصطلح العولمة بعد ذلك في كتابات سياسية و اقتصادية عديدة في العقد الأخير،
وذلك قبل أن يكتسب المصطلح دلالات استراتيجية و ثقافية مهمة من خلال تطورات واقعية عديدة شهدها
العالم منذ أوائل التسعينات
.

من خلال ما تقدم يمكن تقديم مفهوم للعولمة يجمع بين مفهومها وخصائصها على النحو التالي
:" العولمة هي
تلك الحالة أو الظاهرة التي تسود في العالم حاليًا، وتتميز بمجموعة من العلاقات والعوامل والقوى، تتحرك
بسهولة على المستوى الكوني متجاوزة الحدود الجغرافية للدول ويصعب السيطرة عليها، تساندها التزامات
دولية أو دعم قانوني، مستخدمة لآليات متعددة، ومنتجة لآثار ونتائج تتعدى نطاق الدولة الوطنية إلى المستوى
العالمي؛ لتربط العالم في شكل كيان متشابك الأطراف، يطلق عليه القرية الكونية
" .

و كما كان هناك اختلاف بين الباحثين في تحديد مفهوم دقيق للعولمة فقد كان هناك أيضا نفس
الاختلاف بالنسبة لتحديد في تحديد مفهوم دقيق للثقافة
الثقافة هي مفهوم شامل معبر عن نظرة الفرد للإنسان والكون والإله وللآخرين من حوله
, ولنمط
الحياة والسلوك والعلاقة بين الدين والدولة والقيم، ولذلك فالثقافة تختلف طبيعتها من حضارة لأخرى حيث
نجد لكل حضارة خصوصيتها الثقافية التي تحدد هويتها سواء من حيث مصدرها ومنبعها أو من حيث غايتها
وهدفها
. ولكن العولمة تريد أن تصهر كل الثقافات الموجودة في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية التي تعني
العولمة عندها فرض منظومتها الثقافية والحضارية
, وجعل النموذج الغربي هو النموذج العالمي وهذا ما يعني
إذابة الهوية الثقافية للشعوب الأخرى
, مستغلة في ذلك التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات وما ترسله إلينا
عبر الفضائيات من سيل جارف من المواد الإعلامية والتي يعبر عنها الدكتور مصطفى محمود بقوله
:"وما
هذه العولمة الثقافية سوى العلف الثقافي الرديء الذي يلقي به الإعلاميون الكبار إلينا
, وهذه العولمة هي الاسم
الجديد للاستعمار المهين وغسيل المخ المتواصل الذي كتب علينا أن نعيش فيه
".

و هناك نوعان رئيسيان من الثقافة
-
الثقافة السياسية و هي التي تهتم بأمور الناس وقضاياهم المصيرية، وبالذات فيما يرتبط
بالحريات، كحرية الرأي والتصويت أو كحرية الممارسة الدينية وغيرها
.

وتنقسم الثقافة وفق مفهومها هذا إلى قسمين
:
-
ثقافة تدفع الناس نحو التحرك والانطلاق والسعي الجاد للتغيير و الإصلاح.
-
ثقافة تقتل في الناس روح التحدي وتكرس فيهم روح التبعية والخوف و الاعتراف بالأمر الواقع
على مرارته
.
-
الثقافة الاجتماعية، وهي تتلخص في الأعراف والتقاليد التي يبني عليها المجتمع حياته بما يضمن
سعادته و رقيه في ظل قوانين يتمسك بها الجميع من دون وصاية من أحد، وهناك أيضًا نوعان من الثقافة
الاجتماعية
:
-
ثقافة تدعو وتحث باتجاه تحكيم القيم والمثل النبيلة كالتعاون والترابط والألفة.
-
ثقافة تشد الناس نحو السلبية والتفكك والانعزال وزرع روح الهزيمة في النفوس.

ولكي تكون الثقافة عنصرًا هامًا وبناء لا بد من أن تكون متكاملة بمعنى أن تكون ثقافة سياسية
واجتماعية للعلاقة الجدلية التي تربطهما، وأن تدفع الناس باتجاه القيم السامية وتحرك فيهم روح المسؤولية
والعطاء من أجل تغيير الواقع المتردي، و إصلاحه
: فالإصلاحات الاجتماعية عادة لا تصبح مجدية إلا عندما
تحركها ثقافة صادقة نشطة
.

و هذه النظرة القائمة على مبدأ التنوع الثقافي هي اليوم من مبادئ القانون الدولي
: فقد جاء في
المادة الأولى من إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي، أن لكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامهما والمحافظة
عليهما، و أن من حق كل شعب وواجبه أن ينمي ثقافته، و أن جميع الثقافات تشكل بما فيها من تنوع خصب،
و تأثير متبادل، جزءا من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر جميعا
".

و وفقا لمضامين هذا النص، آلا تعد عولمة الثقافة بمفهومها الغربي انتهاكا صريحا لمبادئ القانون
الدولي؟
وكما هو الحال بالنسبة لمفهوم العولمة فليس هناك في الواقع مفهوم محدد لمعنى الثقافة ومن ثمة
فهي تختلف من مفكر إلى آخر
.

وإذا كانت العولمة في معناها البسيط نعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته فشأن الثقافة أوغل في هذا
الميدان لأن التأثير الثقافي أسرع من أي تأثير آخر، وذلك بحكم التفاعل مع الغير، ولذا يرى دافيد روتكويف
أن طغيان ثقافة واحدة وعالمية و تهديد ثقافة المرء يصبح تهديدًا لدينه وأسلافه، ومن بعد تهديدًا لجوهر
هويته
.

والعولمة، كما تتبعناها من خلال هذه العجالة وكما هي مطروحة من قبل المتنفذين في دول المركز
وكما تؤكد ذلك دروسها اليومية، المرسلة إلى مختلف جهات المعمورة و خاصة إلى عالمنا العربي الإسلامي،
ليست فتحا إنسانيا مبينا يبشر بمستقبل أفضل للإنسانية جمعاء، لسبب بسيط كون هذه العولمة لم تتم صياغتها
من تلاق متكافئ بين المجتمعات البشرية، و إنما هي تعميم لنموذج وقيم غربية على بقية العالم، لتحقيق رغبة
جامحة للغرب بقيادة أمريكا في السيطرة والتسلط سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق الشركات العابرة
للقارات
. وعلى هذا الأساس تكون العولمة في كثير من جوانبها تمثل خطرا على شعوب العالم وتزداد هذه
الخطورة على المجتمعات العربية الإسلامية
. و من أجل مواجهة وضع كهذا يتحتم علينا القيام بحركة نهضوية
حضارية شاملة يكون مرتكزها الأساسي مشروعا ثقافيا قوامه الأصالة والمعاصرة
. ولو فعلنا ذلك- ونحن
نملك أسباب القوة والمنعة
- لأنقذنا أنفسنا و أنقذنا البشرية وكنا فعلا خلفاء الله في هذه "القرية الكونية".

هل المسؤولون وصناع القرار وكل القوى الحية في أمتنا مستعدون وراغبون في رفع التحدي؟