قانون العقوبات يعطي للموظف العمومي قيمة أكبر من رئيس الجمهورية!
تمثل متابعة المزارع عبد الله العيسى بفالمة والمواطن شريف أوشن بعين مليلة، حالة فريدة في تاريخ القضاء والممارسة السياسية بالجزائر؛ بحيث لم يسبق لكل الرؤساء المتعاقبين على الحكم (عددهم ستة) أن تابعوا شخصا في العدالة. أما أكثر ما يثير في القضية، أن قانون العقوبات يهدد من يشتم رئيس الجمهورية بالسجن لمدة عام، بينما ترتفع العقوبة إلى عامين سجنا لمن يهين موظفا بهيئة عمومية.
عندما قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2001 حماية نفسه من هجومات الإعلاميين، أوعز إلى وزيره للعدل آنذاك أحمد أويحيى بتعديل قانون العقوبات الصادر في 8 جوان 1966 فأدخل الوزير مادة إضافية سماها ''144 مكرر''، تهدد بالسجن كل من يوصف حديثه أو كتابته أو رسمه بأنه إهانة للرئيس. لكن أويحيى لم يكن (ربما) يقدِّر بأن المادة المضافة تمثل أكبر إهانة للرئيس، لأنها كرست فارقا كبيرا بينه وبين عون أمن وكاتب في إدارة عمومية مثل البلدية. فالمادة 144 من القانون التي كانت موجودة قبل التعديل، تعاقب من يهين ضابطا عموميا أو موظفا أو أحد رجال القوة العمومية بالسجن لمدة تصل إلى عامين، أما من يشتم الرئيس يسجن لمدة لا تزيد عن عام بموجب المادة الجديدة.
وتفيد المادة 144 من القانون بأن التهمة تلاحق الأشخاص المتهمين بالإساءة عن طريق القول أو الإشارة أو التهديد، أو بإرسال أو تسليم أي شيء للأطراف التي تشير إليها المادة القانونية، أو بالكتابة أو الرسم أثناء تأدية وظائفهم، وذلك بقصد المساس بشرفهم أو باعتبارهم أو بالاحترام الواجب لسلطتهم. وفي حالة الرئيس، تكون الإهانة حسب المادة 144 مكرر من قانون العقوبات، بعبارات تتضمن إهانة أو سبا أو قذفا، سواء عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أوالصورة أو بأية وسيلة إلكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى. وفي حال انطبقت هذه المواصفات على أي شخص، تباشر النيابة العامة، حسب قانون العقوبات، إجراءات المتابعة الجزائية تلقائيا وهو إجراء استثنائي يستفيد منه الرئيس دون أي مسؤول آخر في الدولة.
ومما يثير الانتباه في القانون أيضا، أنه يضع الموظف العمومي في مرتبة أعلى من رئيس الجمهورية من حيث الغرامة المالية المفروضة على المتهم. فهو مطالب بغرامة أقصاها 250 ألف دينار في حال شتم الرئيس، بينما يجبر على دفع 500 ألف دينار إذا أهان موظفا عموميا. الغريب أن هذه المفارقة تمت المصادقة عليها في مجلس الحكومة برئاسة القاضي ورجل القانون آنذاك علي بن فليس الذي كان رئيسا للحكومة. والأخطر أن مجلس الوزارء صادق عليها بقيادة بوتفليقة نفسه، الذي شكل سابقة في تاريخ البلاد؛ بحيث لم يحِط الرؤساء المتعاقبون أنفسهم بأية إجرءات حمائية تتيح لهم مقاضاة مواطنين عاديين أو أي أشخاص آخرين في أي موقع مسؤولية.