المبــحث الثالث
الاستجواب والمواجهة
المطلب الأول
تعريف الاستجواب والمواجهة:
وقد أشارت التعليمات القضائية للادعاء العام في المادة (64) وعرفت الاستجواب في معناه القانوني يتضمن فضلا على توجيه التهمة للمتهم ومواجهته بالدلائل والقرائن ، بمختلف أنواعها القائمة قبله، ومناقشته تفصيليا وصولا إلى كشف الحقيقة ، سواء بإثبات أركان الجريمة التي ارتكبها ، أم تفنيد المتهم لما يثار ضده من دلائل وقرائن.
ويأتي تعريف الاستجواب على أنه "إجراء من إجراءات التحقيق بل هو أهمها وبمقتضاه يتثبت المحقق من شخصية المتهم ويناقشه في التهمة المنسوبة إليه على وجه مفصل للوصول إلى اعتراف منه مؤيدها أو دفاعاً ينفيها" أي هو إجراء من إجراءات التحقيق وفي نفس الوقت إجراء من إجراءات الدفاع.(1)
وقد نص قانون الإجراءات الجزائية العماني في مادته (114)انه" على عضو الادعاء العام عند حضور المتهم للتحقيق لأول مرة إن يتثبت من شخصيته وان يدون جميع البيانات الخاصة بإثبات شخصيته ويحيطه علما بالتهمة المنسوبة إليه ويثبت أقواله في المحضر".
وجاء أيضا أن الاستجواب هو إجراء هام من إجراءات التحقيق يهدف إلى الوقوف على حقيقة التهمة من نفس المتهم والوصول إلى اعتراف منه مؤيدها أو إلى دفاع ينفيها. فهو على هذا الأساس إجراء من إجراءات الإثبات له طبيعة مزدوجة الأولى هي كونه من إجراءات التحقيق والثانية هي اعتباره من إجراءات الدفاع.
والاستجواب إما أن يكون حقيقيا آو حكميا .
الاستجواب الحقيقي:
ويتحقق هذا الاستجواب بتوجيه التهمة ومناقشة المتهم تفصيليا عنها ومواجهته بالأدلة القائمة ضده .
فلا يتحقق الاستجواب بمجرد سؤال المتهم عما هو منسوب إليه أو أحاطته علما بنتائج التحقيق إذا لم يتضمن ذلك مناقشته تفصيليا في الأدلة المسندة إليه أي أن الاستجواب يقتضي توافر عنصرين لا قيام بدونهما:
أ) توجيه التهمة ومناقشة المتهم تفصيليا عنها.
ب) مواجهة المتهمين بالأدلة القائمة ضده .
- ولا يلتزم المحقق بترتيب معين في استيفاء هذين العنصرين فقد يكون من الأفضل تأخير توجيه التهمة ومناقشته تفصيليا عنها إلى ما بعد مواجهته بالأدلة القائمة ضده.
الاستجواب الحكمي (المواجهة):
ويعتبر القانون في حكم الاستجواب مواجهة المتهم بغيره من الشهود أو المتهمين فهذه المواجهة تنطوي على إحراجه ومواجهته بما هو قائم ضده.
وتقتضي هذه المواجهة أن تقترن بمناقشة المحقق للمتهم تفصيليا في الموقف الحرج الذي تعرض له حتى يعتبر في حكم الاستجواب.(1)
وقد نص قانون الإجراءات الجزائية العماني في مادته (107) على انه " يسمع عضو الادعاء العام كل شاهد على انفراد وله إن يواجه الشهود بعضهم ببعض وبالمتهم "
يثبت المحقق هذه المواجهة وما أدلى به كل منهما اثر المواجهة وهذه المواجهة الشخصية تختلف عن المواجهة القولية التي يواجه المحقق فيها المتهم بشخص متهم آخر أو شاهد آخر و بالتحقيق في هذه المواجهة الأخيرة فهي ليست إجراء مستقل من إجراءات التحقيق وإنما تعتبر جزءا مكملا للاستجواب باعتباره إن الاستجواب يتضمن مواجهة المتهم بأدلة الثبوت ضده. (2)
ويلاحظ إن المواجهة الشخصية هي إجراء من إجراءات التحقيق وتسري عليها إحكامها وقد تكون المواجهة الشخصية إجراء مستقلا يقوم به المحقق في لحظة مستقلة من الإجراءات الأخرى وقد يقوم به بمناسبة قيامه بإجراءات التحقيق الخاصة بالاستجواب أو المعاينة أو سماع الشهود.
ولما كانت مواجهة المتهم بغيره من المتهمين أو الشهود هي مواجهة بأدلة الثبوت مما قد يدفع المتهم إلى الاعتراف أو إلى تقرير ما ليس في صالحه إن كان صدقا أو كذبا فهي بذلك تأخذ حكم الاستجواب ويتعين إن يراعي في إجرائها كافة الضمانات المنصوص عليها بالنسبة للاستجواب والتي سنشير إليها فيما بعد.
والاستجواب الحقيقي أو الحكمي لا تجريه سوى سلطة التحقيق- الإدعاء العام أو قاضي التحقيق – أو المحكمة على النحو الذي سنشير إليه في موضعه.
وجدير بالذكر إن حضور المتهم إثناء سماع شاهد أو متهم أخر غيره لا يعد مواجهة حتى لو سأله المحقق عما إذا كان لديه ملاحظات على أحوال هذا الأخير ما دام ذلك في حدود الاستفهام الإجمالي وبدون ما استرسال في المجابهة في الأدلة ومناقشته فيها و إلا لأصبح الأمر استجوابا صريحا.(1) وفي الواقع لا توجد حدود فاصله بين الاستجواب الحقيقي وبين الاستجواب الحكمي ولعل هذا الاعتبار الذي حدا بالمشرع إلى الجمع بينهما في ضمانات مشتركة.
حضور المتهم التحقيق لأول مرة:
أوجب القانون عند حضور المتهم التحقيق لأول مرة أن يتثبت المحقق من شخصيته ثم يحيطه علما بالتهمة المنسوبة إليه ويثبت أقواله في المحضر وهذا ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية العماني في مادته (114)انه " على عضو الادعاء العام عند حضور المتهم للتحقيق لأول مرة أن يتثبت من شخصيته وان يدون البيانات الخاصة بإثبات شخصيته ويحيطه علما بالتهمة المنسوبة إليه ويثبت أقواله في المحضر" وهو ما نصت عليه (123) من قانون الإجراءات الجنائية المصري وهذا الإجراء ليس هو الاستجواب لأنه لا يتضمن مناقشة تفصيلية في التهمة.
والتثبت من شخصية المتهم يتم بإثبات البيانات الخاصة به من حيث الاسم والسن والصنعة ومحل الإقامة وهو إجراء له أهميته إذ من شانه أن يحمل المحقق على التأكد من إن الشخص الماثل أمامه هو بذاته المتهم حتى لا يتخذ أي إجراء ضد شخص برئ.
وفضلا على أن معرفة شخصية المتهم لها أهميتها في تقرير العقوبة المناسبة والكفيلة بإصلاحه، ولا يشترط عند التثبت من شخصية المتهم وأحاطته علما بالتهمة المنسوبة إليه إن يفصح المحقق عن شخصيته وإنما يجب إن يحاط علما بسلطة المحقق وهل هو من مأموري الضبط القضائي أم من أعضاء النيابة العامة أم من قضاة التحقيق ولا يترتب على إغفال هذه الإحاطه بطلان الاستجواب ولكن قد يؤثر في اقتناع المحكمة بأقوال المتهم عند إبداء أقواله ومدى هدوء روعهِ وثقتهِ في حيادة المحقق (1).
الاستجوابات الجنائية أمام سلطة الضبط القضائي :
ويلاحظ أن الاستجوابات أمام سلطة الضبط القضائي تخضع لقواعد معينة؛ قد توصل – في الغالب الأعم- إلى معرفة الحقيقة التي يسعى إليها النظام القانوني برمته.
ومن أهم القواعد: الانتظار؛ والمناورة؛ والمفاجأة؛ والوعد بمكافأة.
(1) الانتظار:وينصرف الانتظار- بوصفة أحد الأدوات الهامة في مجال الاستجوابات الجنائية- إلى عدم البدء في الاستجواب بمجرد وصول الشخص المطلوب استجوبه، بل يتم تكليفه بالانتظار في مكان معين بعيداً عن غرفة الاستجواب؛ وذلك لمدة زمنية يقدرها رئيس فريق الاستجوابات بهدف تحقيق ما يرمى إلية من غايات .
(2) المناورة : ويقصد بالمناورة- فيما يخص دراستنا- قيام مأمور الضبط القضائي المكلف برئاسته بإجراء بعض التصرفات التي يفهم منها الوصول إلى كشف حقيقة الحادث محل الفحص دون أن يحاول الضغط على الشخص المستجوب.
(3) المفاجأة: ويلاحظ أن المفاجأة قد تكون بمعلومة أو بشخص أو بواقعة معينة أو بموضوع معين أو بمستندات أو بدليل .
(4) الوعد بمكافأة : ويقصد بالوعد بمكافأة أن يصدر من مأمور الضبط القضائي المختص بالاستجواب – محل البحث- ما يفيد أنه سيقدم للمستجوب فائدة مادية أو معنوية، نتيجة إدلائه بمعلومات، إذ أن المكافأة تعتبر أحد أدوات الاستجواب الهامة التي يجيد رجال الضبط القضائي استخدامها، والتي من شأنها إحداث تأثيراً فورياً، على المستجوب .
المطلب الثاني
مفهوم الاستجواب:
فرق المشرع بين سؤال المتهم واستجوابه كما نصت المادة (123) من قانون الإجراءات الجنائية المصري عن سؤال المتهم. أي أن سؤال المتهم مجرد مواجهته بالتهمة المنسوبة إليه ومطالبته بالرد عليها وهذا الأجراء جائز لمأموري الضبط القضائي كما انه جائز لسلطة التحقيق لأنه من إجراءات الاستدلال أما الاستجواب فهو مناقشة المتهم تفصيليا في التهمة الموجهة إليه ومواجهته بالأدلة القائمة ضده دليلا دليل ومطالبته بالرد عليها. وهذا الاستجواب إجراء خطير لأنه قد يفضي إلى اعتراف المتهم ولذلك لا يكون إلا إجراء تحقيق ولا يمكن إن يكون إجراء استدلال في أية صورة ويبطل إذا أجراه مأموري الضبط القضائي وهذا الإجراء ضروري في التحقيق الابتدائي وان كان خلو التحقيق منه لا يبطل التحقيق ولذلك ذهب البعض إلى إن الاستجواب رهن بمشيئة المتهم ولكن القانون أوجب استجواب المتهم في حالة القبض عليه وحبسه احتياطيا مادة (131) من قانون الإجراءات الجنائية المصري ويقع الحبس الاحتياطي باطلا إذا لم يسبقه استجواب مادة (134)من ذات القانون.
والاستجواب في نفس الوقت وسيلة دفاع مكّن للمتهم بموجبه إن ينفي الاتهام عن نفسه بتفنيد الأدلة القائمة ضده. وقد نص قانون الإجراءات الجزائية العماني في مادته (75) على انه " لعضو الادعاء العام إن يكلف أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم ويكون للمكلف في حدود تكليفه سلطة الادعاء العام إذا دعت الحاجة لاتخاذ إجراء خارج دائرة اختصاصه إن يكلف عضو الادعاء العام من جهة". (1)
مفهوم المواجهة وعلاقتها بالاستجواب وعرض المتهم:
المواجهة أما إن تكون بين متهم ومتهم أو بين متهم وشاهد أو بأقوال كلا منهم للرد عليها وهي تتماثل مع الاستجواب في أنها مواجهة بدليل أو أكثر من أدلة الإدانة ولكنها تتميز عن الاستجواب في إن الأخير يشمل جميع أدلة الاتهام ولذلك فالمواجهة تأخذ حكم الاستجواب ، فهي محظورة على مأموري الضبط القضائي ولكن عدم مواجهة المتهم بغيره من المتهمين أو الشهود لا يترتب عليه بطلان التحقيق ولا يعتبر من قبيل المواجهة عملية عرض المتهم على الشهود للتعرف عليه. (2)
وهذا ما نصت عليه المادة (107) من قانون الإجراءات الجزائية العمانـي التي سبق الإشارة إليها.
الفرق بين سؤال المتهم أو سماع أقواله وبين الاستجواب :
سؤال المتــــهم عن التهمــــــة أو سماع أقوالـــه عنها أجراء من إجراءات جمع الاستدلالات وليس إجراء من إجراءات التحقيق ومن ثم فهو إجراء جائز من مأموري الضبط القضائي وهذا لا يعني أكثر من توجيه التهمة إليه واثبات أقواله بشأنها دون مناقشته فيها أو مواجهته بالأدلة القائمة ضد المتهم، هذا وقد أوجب القانون على المحقق عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق إن يتثبت من شخصيته ثم يحيطه علما بالتهمة المنسوبة إليه ويثبت أقواله في المحضر م (123) من قانون الإجراءات مصري.
أما الاستجواب فهو إجراء حظره القانون على غير سلطة التحقيق ويعني مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ومناقشته مناقشة تفصيلية فيما يفندها إن كان منكرا لها أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف ويأخذ الاستجواب عادة طابع مناقشة تفصيلية حول الواقعة بدقائقها والأدلة بتفصيلاتها على نحو قد يدفع المتهم إلى الاعتراف أو يظهر على الأقل القيمة الحقيقية للأدلة في ذهن المحقق وهو بهذا إجراء من إجراءات التحقيق يستهدفها التحقق من أدلة الدعوى كما يستهدف تحقيق دفاع المتهم لكي ما يستطيع تفنيد الأدلة التي تحوم ضده ومن هنا فان هذا الإجراء كما قد يسفر عن تدعيم أدلة الاتهام قد ينتهي إلى تفنيد تلك الأدلة وانهيارها. (1)
الفرق بين الاستجواب والمواجهة:
إذا كان الاستجواب يعني مجابهة المتهم بالأدلة القائمة ضده ومناقشته فيها تفصيليا فان المواجهة هي إجراء يواجه فيها المتهم متهم آخر أو شاهد آخر أو أكثر، بالأقوال التي أدلو بها بشأن الواقعة أو ظروفها حتى يتمكن من تاييدها أو نفيها والمواجهة بهذا المعنى كالاستجواب يعني مواجهة المتهم بالأدلة القائمة ضده لا تتميز عنه إلا في أن تلك المواجهة لا تكون بين المتهم والأدلة فحسب وإنما بين المتهم وبين دليل معين أو أكثر وشخص قائله، سواء أكان متهما أخر أو كان شاهدا وهي لهذا السبب تأخذ حكم الاستجواب من حيث شروط سلامتها.(1)
الشروط اللازمة لكي يعد الإجراء استجوابا :
الاستجواب هو إجراء من إجراءات التحقيق ولكي يمكن أن نطلق على هذا الإجراء لفظ استجواب يجب أن يتضمن عدة عناصر:
(1) أن يكون القائم به محققا نظرا لخطورته، وهذا ما نص قانون الإجراءات الجزائية العماني في مادته (75) انه" لعضو الادعاء العام إن يكلف أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم ويكون للمكلف في حدود تكليفه سلطة الادعاء العام إذا دعت الحاجة لاتخاذ إجراء خارج دائرة اختصاصه إن يكلف عضو الادعاء العام في الجهة " .
(2) ينبغي التثبت من شخصية المتهم واثبات بياناته الخاصة عند استجوابه لأول مرة في التحقيق.
(3) ينبغي إن يكون الاستجواب بمواجهة المتهم ولا يعني ذلك إن كل متهم يجب استجوابه ولكن المشرع قد يتطرق في بعض الأحيان إلى استجواب المتهم قبل اتخاذ بعض الإجراءات كالحبس الاحتياطي أو عقب القبض عليه في أحوال التلبس ويجب إن يتم بمواجهة المتهم بالأدلة ومناقشته تفصيليا فيها.
(4) يحق للمتهم أن يعلم بالوقائع المنسوبة إليه لكي يتسنى للمحقق سؤاله عنها و للمتهم تفنيدها ، لذا يجب تحديد الوقائع المنسوبة إليه تحديدا صريحا وتحديد وصفها القانوني.
(5) يترتب على ما سبق إن يبدي المتهم دفاعه والإتيان بأدلة مثبتة لبراءته بعد إخطاره بالوقائع المنسوبة إليه وهذا الإخطار يكون عام بأن يبين المتهم للمحقق جريمته دون إن نحدد له نص المادة التي تحكم الواقعة فتكيف الواقعة وتحديد وصفها يتعذر في بداية التحقيق قبل طرح جميع الوقائع أمام المحقق.