ب. محظورات مطلقة:
كما نعلم أن هناك عدد محدد من الحقوق أو المحظورات المطلقة التي تنطبق على كل الظروف، وآيا كانت حدة الأزمة أو النزاع، وتكتسب هذه الحقوق – التي يشار إليها على أنها حقوق غير قابلة للانتقاص- صفتها المطلقة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولما كان القانون الدولي الإنساني لا يتضمن أي حكم بشأن الانتقاص، فإن الحقوق و المحظورات تصح عامة من الناحية الفعلية عن طريق إدراجها الصريح في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، وأوضح مثال على ذلك هو حظر التعذيب وحظر المعاملة غير الإنسانية أو المهينة أو العقاب، فهي حقوق غير قابلة للانتقاص في أي الظروف كانت سلم أو حرب.
وفي هذا الصدد هناك مجال لمزيد من التنسيق بين القانونين بصياغة هذه المحظورات المطلقة، فيمكن للقانون الدولي لحقوق الإنسان الاعتماد على صياغات أكثر صرامة وتحديد مثل تلك التي جاءت في قائمة المحظورات بالمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف، أما في القانون الدولي الإنساني فيكون المطلب الرئيسي هو النص بصراحة ووضوح على أن هذه الحقوق والمحظورات المطلقة تنطبق على جميع الأشخاص وفي جميع الظروف، وليس على مجرد الأشخاص المتمتعين بالحماية في ظل المعايير المعقدة التي تحدد الأشخاص المحميين ، وفي ظل حقيقة صعوبة التمييز بين الأشخاص المحميين والأشخاص غير المحميين ، نظرا لصعوبة التي تكتنف التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين .
ج. الحق في الحياة:
رغم وجود معايير متعارضة بين القانونين في حمايتهما للحق في الحياة، إلا أن هذا الأمر يمكن معه إيجاد بدايات للتوفيق بين هذه المعايير في ضوء النقاط التالية:
- لقد ذكرنا سابقا حقيقة مؤداها أن الحق في الحياة ليس حقا مطلقا في القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث أنه يخضع للحق في استخدام القوة القاتلة في الإعدامات القانونية أو الدفاع عن النفس، مما يقرب هذا المعيار مع معيار اعتراف القانون الدولي الإنساني بحق المقاتل قتل المقاتل الآخر.
- وما قد يساعد أيضا من تضييق الهوة بين المعايير المتعارضة بين القانونين في هذه النقطة، الافتراض الوارد في القانون الدولي لحقوق الإنسان بأن الحرب لا يمكن في الأصل أن تكون مشروعة، وبين قبول القانون الدولي الإنساني الحرب أو النزاع المسلح كحقيقة موضوعية يجب معالجتها بصرف النظر عن أسبابها، مما يترتب عليه اعتماد المحاربين عند ممارستهم للقتل على معايير التهديد المباشر لحياتهم وليس على معيار النزاع بحد ذاته.
- وما قد يساعد على إعادة صياغة مدمجة بين هذه المعايير المختلفة اعتبار المسئولين عن بدء المعارك أو تخطيطها في أي الجانبين المتصارعين قد تصرفوا بصورة تخرق معايير حقوق الإنسان.
د. الحقوق السياسية:
إذا كانت مجمل الحقوق السياسية المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان مثل حرية التعبير، وحرية تكوين الأحزاب، وممارسة الانتخابات الديموقراطية، هي حقوق قابلة للانتقاص من قبل الدول في ظروف معينة، فليس هناك أي نصا قانونيا في اتفاقيات جنيف يمنع الحكومات أو دولة الاحتلال من تقيد حقوق سياسية من هذا النوع، وهذا الأمر يشير أنه لن تكون هناك صعوبة في وضع مجموعة متناسقة من المعايير إعادة صياغة القانونين في هذا المحال بصورة شبه مدمجة، عبر تطوير وتحديد وتوحيد المعيار الذي تقيم من خلال الانتقاصات في زمني الحرب والسلم .
ه. التحرك الحر والإجباري:
مع اختلاف النظرة في القانونين كما سبق وذكرنا في موضوع الحق في حرية التحرك، إلا أنه لا يوجد هناك مشكلة كبرى في ضم هذه المعايير المختلفة معا في صياغة مدمجة استنادا إلى المبادئ المتماثلة في القانونين، وذلك بـ:
- ضرورة توافر القانونين على نصا قانونيا يقضي بإقرار عام بالحق في حرية التحرك، الذي لا يجوز الحد منه، إلا على أسس محددة، ومع توافر ضمانات قانونية مناسبة.
- ضرورة توافر القانونين على نصا قانونيا محكم الصياغة يحظر بموجبه التحرك الإجباري أو نقل السكان، اللهم إلا في أضيق الظروف، وبشرط أن يكون هذا التحرك الإجباري أو النقل أو جلاء السكان من أجل توفير حماية مادية أفضل لأرواح المدنيين، مع النص صراحة على حق هؤلاء في العودة بمجرد سماح الظروف بذلك .
- وأفضل السبل علاوة على ما ذكر أعلاه، لتحقيق صياغة قانونية محكمة هو التقليل من إسراف اتفاقيات جنيف من النص على الضرورة الحربية كتحفظ يسمح به للقوات المتحاربة والمحتلة الخروج عن هذه القواعد الإنسانية، ويكون ذلك بتحديد قانوني دقيق لمفهوم الضرورة الحربية الملحة التي تكون دائما الذريعة لعمليات إجلاء السكان .
و. المسؤولية الدولية لانتهاك قواعد القانون :
رغم الاختلاف بين القانونين في مجال تحديد على من تقع المسؤولية الدولية في حالة انتهاك حقوق الإنسان زمن النزاعات المسلحة، ورغم الرأي السائد بأنه لا يمكن اعتبار الجماعات شبه العسكرية والمعارضة مسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان، بل تعتبر فقط مسؤولية عن خرقها لقواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أن هناك الكثير من الحجج القوية من أجل توسيع نطاق المسؤولية الدولية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، لكي تشمل الجماعات الشبه عسكرية (المليشيات)المنظمة في حالة النزاع، وإن كان تحقيق هذا الأمر يتطلب صياغة للقانونين تأخذ بعين الاعتبار التالي:
- درجة سيطرة مجموعات المتمردين والمعارضة أو الثوار على أجزاء من الأراضي الوطنية و/أو السكان.
- مع ضرورة توافر مجموعة من الشروط القانونية في أي من الجهات المسيطرة على الأراضي الوطنية أو السكان، منها استيفاء الصراع المسلح لطابع العمومية من حيث حجمه ومداه الجغرافي، واستيفاء المتمردين ذاتهم لأصول التنظيم بخضوعهم لقيادة منظمة تملك استراتيجية متماسكة، واحترامهم لمقتضيات الإنسانية.
- وأبسط السبل لتحقيق هذا الهدف المتمثل في فرض المسؤولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان زمن النزاعات المسلحة، أن يعمل الخبراء في القانون الدولي الإنساني على قياس فكرة ترتيب المسؤولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات غير تابعة للدولة، ووضع فكرة متشابهة معها لفرض المسؤولية الدولية عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وضع المسؤولية الجنائية للفرد والجماعة تحت ولاية المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
- وما قد يزيل أي صعوبة مزعومة في اعتبار المنظمات غير التابعة للدولة(المليشيات العسكرية) مسئولة دوليا عن انتهاكات اتفاقيات حقوق الإنسان – هذه الاتفاقيات التي لا تصادق عليها إلا الدول – هو الاعتراف بأن قواعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصلت إلى وضع القانون الدولي العرفي الملزم، ودخلت الضمير القانوني العالمي وأصبحت ملزمه للجميع.
وبناء على ما تقدم من ضوابط وخطوات عريضة من شأن ترقيتها إزالة أي تعارض بين القانونين، نستطيع القول بأن الفصل الطويل بين القانونين قد استنفد أغراضه، وعلى الخبراء من كلا الجانبين الجلوس معا للاتفاق على القضايا التي تحظى بتوافق فعلي في الآراء، والتي تساعد على توضيح متماسك للقانونين من حيث المبدأ والتطبيق.
وإن كان ما يعظم صحة هذا الرأي اتفاق أغلب الباحثين بأن هناك أوجه كثيرة للالتقاء والتشابه بين القانونين، هذا الالتقاء الذي يؤكد على العلاقة التكاملية بين القانونين، وفي الوقت ذاته يلقي بظلال من الشك على أهمية أوجه الاختلاف بين القانونين، فأوجه الالتقاء هذه ستكون محلا لدراسة في النقطة الأخيرة من هذه المقال:
رابعا: أوجه الالتقاء والتشابه بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان:
بعد العرض السابق لأوجه الخلاف بين القانونين، فإن وجودها لا يعني عدم وجود نقاط التقاء أو قواسم مشتركة بينهما، هذه الأخيرة التي من شأنها تقوية الضوابط والخطوات العريضة اللازمة لإزالة أي تعارض ظاهر بين القانونين من ناحية، ومن ناحية أخرى ترسيخ النسبية الثقافية في مواجهة الطابع المطلق المزعوم لكلا من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعليه تتمثل القواسم المشتركة بين القانونين في كثير من المجالات، نتكلم عن أهمها تبعا:
أ . الالتقاء من حيث المصدر لكلا منهما:
كما يرى الأستاذ الدكتور الفقيه جان س. بكتيه أن كلا من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، قد نبعا من مصدر واحد، فقد نشئا من الحاجة إلى حماية الفرد ممن يريدون سحقه، وعليه أدى هذا المفهوم أو المصدر الواحد إلى جهدين متميزين وهما: الحد من شرور الحرب، فكان القانون الدولي الإنساني، والدفاع عن الإنسان وحقوقه ضد العمل التعسفي، فكان القانون الدولي لحقوق الإنسان، بعد أن تطور هذان المجهدين على مر العصور في خطين متوازيين ومتكاملين .
ب . الالتقاء من حيث بعض المبادئ المشتركة في كلا منهما:
مما لا شك فيه أن القانون الدولي لحقوق الإنسان ينطوي على قدر أكبر من المبادئ العامة لحماية الإنسان، بينما تتسم مبادئ القانون الدولي الإنساني بطابع استثنائي خاص، لأن هذا الأخير يدخل حيز النفاذ عند البدء في النزاع المسلح، إلا أن هذا القول لا يمنع من وجود مبادئ مشتركة بين كلا منهما وتتمثل فيما يلي:
- حصانة وحماية الذات البشرية.
- منع التعذيب بشتى أنواعه.
- احترام الشخصية القانونية لضحايا الحرب.
- احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد.
- حماية وضمان الملكية الفردية.
- عدم التمييز بصورة مطلقة، فالخدمات الطبية تقدم للجميع دون فرق إلا ما تفرضه الأوضاع الصحية.
- ضمان وتوفير الأمان والطمأنينة.
- حظر الأعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية واحتجاز الرهائن.
- مراعاة الضمانات القضائية على مستوى الإجراءات قبل التحقيق وبعده وعند المحاكمة، وبمناسبة تنفيذ الأحكام .
- ترسيخ الحماية الخاصة لكلا من الأطفال والنساء.
ج . الالتقاء من حيث الهدف والرسالة لكلا منهما:
إذ من المسلم به تماما أن كلا من القانونان يهدفان إلى تحقيق غرض وهدف مشترك، وهو في التحليل النهائي حماية الإنسان واحترام كرامته، وحماية الشعوب، مع أن القانونين يستوحيان أفكارهما من واقعتين ماديتين مختلفتين وهما الحرب والسلم، لهذا لا يحل القانون الدولي الإنساني محل قانون حقوق الإنسان في حالة النزاعات المسلحة، ولا يتوقف تطبيق كلا منهما في هذه الحالات ، وهذا ما تأكدت جل المنظمات الإنسانية ومنها منظمة العفو الدولية تؤكد تطبيق كلا القانونين على الأقاليم المحتلة من أجل حماية المدنيين فيها، وعلى هذا الأساس يتفق كلا من القانونين على الأقاليم المحتلة من أجل حماية المدنيين فيها، وعلى هذا الأساس يتفق كلا من القانونين على رسالة واحدة ألا وهي تأمين حدا أدنى من الضمانات القانونية والإنسانية لجميع البشر في وقت السلم ووقت الحرب على حد سواء .
ويؤكد هذا المعنى الدكتورأبوالخيرأحمد عطية بأنه إذا كان القانون الدولي الإنساني هو عبارة عن مجموعه القواعد القانونية العرفية والمكتوبة التي تهدف إلى حماية الإنسان في زمن النزاعات المسلحة، وكان القانون الدولي لحقوق الإنسان مجموعه القواعد القانونية التي تستهدف حماية حقوق الإنسان في زمن السلم، فانه يترتب على ذلك ترابط هذين الفرعين ترابطا قويا وعميقا، لأنهما يشتركان معا في الاهتمام بصفه أساسية بحماية الفرد الانسانى وبالمحافظة على حياته وحرياته .
د . الالتقاء من حيث تمتع قواعد هما بالصبغة الدولية :
يلتقي القانون الدولي الإنساني مع القانون الدولي لحقوق الإنسان بتمتع قواعد هما بالصبغة الدولية، ويرجع هذا لواقع قانوني دولي صحيح يعطي لكلا منهما وثائق دولية تعكس الذاتية الخاصة لكلا منهما، هذا الوثائق الدولية التي انتهى المجتمع الدولي إلى مناسبة سنها، وذلك رغبة منه في إفراز هذين القانونين بإعتبارهما فرعيين مستقلين من فروع القانون الدولي العام، ومتكاملين في آن واحد.
ه . الالتقاء من حيث تمتع قواعدهما بالطبيعة الآمرة:
من المؤكد قانونا وفقها أن بعض القواعد القانونية المكتوبة لهذين القانونين تتمتع بطابع الأمر وليس بطابع التقرير ، هذا الطابع الآمر الذي لا يجوز الخروج عنه أو الاتفاق على عكسه، هذه الصفة التي أكدت في المادة 60 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، حيث منحت الصفة الآمرة لكل القواعد المتعلقة بحماية الفرد الإنساني التي وردت في الاتفاقيات ذات الطابع الإنساني، هذا إلى جانب اتسام بعض من قواعد كلا من القانونين بالطابع العرفي الدولي الملزم، لاحتوائهما على قواعد عرفية –بتوافر ركنيها- جرت الدول على تطبيقها حتى خارج نطاق أية رابطة تعاقدية.
فقد عبرت عن هذا الاتجاه محكمة العدل الدولية في تاريخ 08 جويلية/يوليو 1991 عبر رأيها الاستشاري بشأن مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها الفعلي حال اضطلاعها برخصة الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي، حيث أكدت المحكمة على طابع العرفي لاتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 واللائحة الملحقة بها واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949وكذلك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 .
و . الالتقاء من حيث جهود هيئة الأمم المتحدة وأجهزتها في تطوير وتطبيق كلا منهما:
إذ من المعلوم تماما أن منظمة الأمم المتحدة ممثلة ببعض أجهزتها تعتبر بمثابة الحارس الأمين القائم بتطوير ومراقبة تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان عبر الآليات الدولية التي تمتلكها هذه المنظمة، وذلك على أساس بديهي يتمثل في أن أغلب الاتفاقيات الدولية لهذا القانون قد تم صياغتها تحت ظل ورعاية الأمم المتحدة، أو على أقل تقدير تم إقرارها من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ألا أنه ومنذ عام 1968 تاريخ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الدولي الأول لحقوق الإنسان في طهران، هذا المؤتمر الذي شكل نقطة تحول على طريق مشاركة الأمم المتحدة في الجهود الرامية لتطوير وإنماء القانون الدولي الإنساني، وجسد هذا التحول في توصيات المؤتمر الأول وخاصة تلك التوصية التي عبر فيها المؤتمر وبالإجماع عن تفهمه لنظرية النزاع المسلح، بينما طلب من الجمعية العامة أن تدعوا أمينها العام للقيام بعد التشاور مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باسترعاء انتباه جميع الدول الأعضاء في المنظمة إلى قواعد القانون الدولي الإنساني، وحث المؤتمر أيضا جميع الدول إلى ضرورة التصديق على الاتفاقيات الدولية للقانون الدولي الإنساني.
واستجابة لدعوة المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان، ولرغبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أصدرت الجمعية العامة في 19 ديسمبر 1968 توصية تحت رقم 2444 (23) التي أكدت فيها ما جاء في توصية المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في طهران.
وعلى إثر هذه التوصية قدم السكرتير العام في الدورة الخامسة والعشرين لعام 1969، أول تقرير عن حقوق الإنسان في أوقات النزاعات المسلحة، إلى الجمعية العامة، هذه التي تمثل رد فعلها على هذا التقرير بأن طلبت من الأمين العام أن يتابع الموضوع، وأن يولي عناية خاصة لحماية حقوق المدنيين والمقاتلين في نضال الشعوب من أجل التحرير من السيطرة الاستعمارية الأجنبية والاحتلال في سبيل نيل حقها في تقرير المصير.
وقد دعمت الأمم المتحدة القانون الدولي الإنساني بعدد من الاتفاقيات والإعلانات الدولية، والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن، سواء بمناسبة نزاعات مسلحة قائمة أو تحسبا لوقوع نزاعات مسلحة في المستقبل، ومن أهم الاتفاقيات، اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرتها الجمعية العامة عام 1948.
إضافة إلى مجموعة من المعاهدات الدولية التي تحظر استعمال الأسلحة النووية والكيماوية و البكتويولوجية، وتقيد استعمال أسلحة تقليدية معينة، إضافة إلى اعتماد الجمعية العامة اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
وفي خطوة غير مسبوقة قد تدخل مجلس الأمن النزاعات المسلحة غير الدولية، من خلال قراره رقم 808 الصادر في 22فبراير 1993 الذي اعتبر فيه الوضع في يوغوسلافيا سابقا يشكل تهديد السلم والأمن الدوليين، وتأسيسا عليه تم إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بيوغوسلافيا سابقا لمعاقبة مقترفي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
وكذلك الشأن تدخل مجلس الأمن عبر قراره رقم 995 الصادر في 08 نوفمبر 1994 والقاضي بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة برواندا ،مما يؤكد لنا المشاركة الفعالة لأجهزة الأمم المتحدة في معاقبة الخارجين عن أحكام القانون الدولي الإنساني رغم ما قيل عن تطاول مجلس الأمن في هذا الشأن عن اختصاصه.
ي . رصد لبعض الشواهد الدولية التي تؤكد العلاقة بين القانونين:
كثيرة هي الجهات الدولية التي أفرز عملها في عدت مناسبات شواهد قانونية وواقعية ذات طابع دولي تؤكد بصورة واضحة ومستقرة الصلة المتكاملة بين القانونين، وفيما يلي نرصد بعضها:
- اعتبرت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في السلفادور حكم الإعدام الذي نفذه الجيش السلفادورى في ممرضة ألقي القبض عليها بعد الهجوم على مستشفى لجبهة الفارابوندومارتي للتحرير الوطني، يمثل خرقا صارخا لكلا من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ،ففي القول المتقدم شاهدا على صلابة الصلة بين القانون رقم ما قيل من بعض الباحثين بأنه خلط بين القانونين .
- أما المناسبة الثانية تمثلت في عقد معهد حقوق الإنسان بلبنان مؤتمرا دوليا بالفترة 2 و 3 ديسمبر 1999 بعنوان " القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان: نحو مقاربة متجددة"، هذا المؤتمر الذي أجمعت المناقشات فيه على وثوق العلاقة بين القانونين.
- وكانت المناسبة الثالثة في سان ريمو سنة 1994 في اجتماع المائدة المستديرة التاسع عشر بشأن المشكلات الراهنة للقانون الدولي الإنساني، حيث نصت الفقرة 24 من استنتاجات المؤتمر على "..إن الجهود الرامية إلى منع الحرب لن تكلل بالنجاح إلا إذا ساد الاحترام الكامل والتنفيذ الفعلي للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للاجئين.." .
- والمناسبة الأخيرة هي صدور تقرير عام عن "منظمة مراقبة حقوق الإنسان " عن علاقة القانون الدولي الإنساني بقانون حقوق الإنسان بتاريخ 16 أكتوبر 2001 في نيويورك، وخلص هذا التقرير أنه لا يجوز للحكومات المشاركة في الحملة ضد الإرهاب الدولي استخدام طرق ووسائل غير محددة في خوض أي حرب، انطلاقا من قواعد القانون الدولي الإنساني (قانون لاهاي) والقانون الدولي لحقوق الإنسان .
هذه المناسبات أعلاه تؤكد بصورة لا تقبل الشك العلاقة التكاملية القوية بين القانونين، ولكن في الأخير يبقى السؤال المطروح: ما هي الآثار المترتبة على الاعتراف أو التأكيد على وجود علاقة تكاملية بين القانونين؟ تتمثل الآثار القانونية( الموضوعية منها والإجرائية) فيما يلي باختصار:
- إيجاد أرض خصبة لزراعة النسبية الثقافية ونموها في مواجهة الطابع المطلق لكلا من القانونين.
- مرونة تقديم حماية متكاملة للإنسان في زمني الحرب والسلم.
- إيجاد أساس مشترك بين القانونين يحدد ويسهل عملية انطباق كلا منهما بصفة تكاملية.
- سد أوجه القصور التي تقترن ببعض القواعد السارية في القانون الدولي الإنساني، وخصوصا المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف، التي تطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية، بتحديد معايير الحد الأدنى للمعاملة الإنسانية بصورة دقيقة أبانها.
- توسيع القانون الدولي الإنساني للحقوق غير القابلة للانتقاص في النزاعات المسلحة.
- توسيع من مجال فرض المسؤولية الدولية عن انتهاكات حقوق الإنسان زمن النزاعات المسلحة.
- إزالة التعارض بين القانونين من حيث التطبيق يسهل عمل من يقومون على حفظ السلام ومن يفرضونه ومن يرصدون حقوق الإنسان على الطبيعة، لأنهم سوف يعتمدون على مجموعة متناسقة من قواعد القانونين.
- تسهيل عملية الإغاثة الإنسانية والطبية وكل العمليات الدولية السلمية التي ترسم بناء على مفهوم الحق في المساعدة الإنسانية، مع الاحتفاظ بطابع التقاليد المميزة للجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات الإنسانية الأخرى.
خاتمــة
ختاما يمكن القول بأن العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من حيث الجوهر علاقة تكاملية مما يثبت صحة النظرية التكاملية في هذا الشأن، باعتبار القانونين مرتبطين على نحو وثيق وإن كانا منفصلين على قدم المساواة.
ويؤدي هذا القول إلى حماية متزايدة للإنسان في كل الظروف، ولكن لإتمام هذا الأمر يتطلب جلوس خبراء كلا من القانونين حول مائدة واحدة لدراسة السبل الممكنة لترقية هذه العلاقة، في ظل حقيقة مؤداها تزايد عدد النزاعات المسلحة في عالمنا اليوم وما قد ينجر عنها من آلام عظام للبشرية جمعاء.
قائمه المراجع
- أبو خير أحمد عطية: حماية السكان المدنيين والأعيان المدنية إبان النزاعات المسلحة(دراسة مقارنه بالشريعة الإسلامية). الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.
- الشافعي محمد بشير: قانون حقوق الإنسان. مكتبة الجلاء، المنصورة، 1992.
- بوعلام بوخديمى: محاضرات في القانون الدولي العام.محاضرات ألقيت على طلبه السنة الثانية علوم قانونيه، جامعه باتنه، الجزائر، 99/2000.
- توم هادن و كولين هارفي: قانون الأزمة والنزاع الداخليين، المجلة الدولية للصليب الأحمر، عدد من مختارات أعداد، عام 1999، جنيف، 1999.
- جان بكتيه: القانون الدولي الإنساني تطوره ومبادئه، محاضرات ألقيت في جامعة ستراسبورج، المعهد الدولي لحقوق الإنسان، 1984.
- جان بكتيه: "القانون الدولي الإنساني تطوره ومبادئه". مفيد شهاب، دراسات في القانون الدولي الإنساني، الطبع الأولى، دار المستقبل العربي، القاهرة، 2000.
- ديب عكاوى:القانون الدولي الإنساني. أكاديمية العلوم الأوكرانية، كييف، 1995.
- رقية عواشرية: حماية المدنيين والأعيان المدنية في النزاعات المسلحة غير الدولية. رسالة دكتوراه، جامعه عين شمس، كليه الحقوق، 2001.
- سامر أحمد موسى: حماية المدنيين في الأقاليم المحتلة. رسالة ماجستير، جامعة بسكرة، الجزائر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2004/2005.
- صلاح الدين عامر: "التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين "، د. مفيد شهاب، دراسات في القانون الدولي الإنساني، الطبعة الأولى، دار المستقبل العربي، القاهرة، 2000.
- عامر الزمالى: مدخل إلى القانون الدولي الإنساني. المعهد العربي لحقوق الإنسان. الطبعة الأولى، تونس، 1997.
- عبد القادر البقيرات: الاحتلال الإسرائيلي للجولان في ضوء القانون الدولي. رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية الحقوق والعلوم الإدارية، 94/1995.
- عمر سعد الله: مدخل في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر، 2003.
- عمر سعد الله: القانون الدولي الإنساني وثائق وأراء. دار مجدلاوي، عمان، الأردن، 2002.
- محمد عزيز شكري: تاريخ القانون الدولي الإنساني وطبيعته. د.مفيد شهاب ، دراسات في القانون الدولي الإنساني ، الطبعة الأولى ،دار المستقبل العربي ، القاهرة ، 2000.
- محمد نور فرحات:"تاريخ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان". د. مفيد شهاب، دراسات في القانون الدولي الإنساني، الطبعة الأولى، دار المستقبل العربي، القاهرة، 2000.
- مسعد عبد الرحمن زيدان قاسم: تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي. دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2003.
- مفيد شهاب:دراسات في القانون الدولي الإنساني. الطبعة الأولى، دار المستقبل العربي، القاهرة، 2000.
- نزار أيوب:القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، سلسلة دراسات قانونيه، فلسطين، 2003
منقول