منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مكتبة البحوث
الموضوع: مكتبة البحوث
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-01-04, 14:02   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ziani
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ziani
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي تابع

آثار الاجتماعية لنشاط الشركات

تؤكد الدراسات الاقتصادية أن الشركات المتعددة الجنسيات، لا ترتبط أعمالها بالصناعات الوطنية في البلدان النامية بل بالسياسات العامة التي تضعها هذه الشركات، مما يؤدي إلى ازدياد الفروقات الاجتماعية بين الفئة المرتبطة مصالحها بهذه المشاريع وبين أغلبية السكان الذين يتدهور مستوى معيشتهم، تحت التأثير المزدوج لجمود التنمية، وارتفاع الأسعار نتيجة الارتباط الوثيق بالأسواق العالمية.
وغالباً ما يؤدي هذا الاتجاه إلى فتح الباب واسعاً أمام الفساد وما إلى ذلك من ظواهر اجتماعية سلبية. فغالباً ما تعتمد هذه الشركات الرشوة بغية إفساد الساسة والحكام، وحملهم على قبول شروط أكثر غبنـاً لبلادهم، والتغاضي عن مخالفات قانونية أو دفع ثمن أغلى من الأسعار الدولية. كما نجحت هذه الشركات المذكورة في شراء ذمم كبار المسؤولين، وجنّدت لخدمتها وبمرتبات عالية أعداداً لا يستهان بها من الفنّيين والإداريين ورجال الأعمال والمهنيين... خلاصـة القول، إن للشركات المتعددة آثاراً اجتماعيـة على الدول النامية، ومنها العربية، يمكن تلخيص أهمها بثلاث نقاط هي :

-تحجيم الصناعة الوطنية المنتجة، وتشجيع قيام فئة اجتماعية تعتاش على حساب المجتمع لها مواصفات غير إنتاجية.

-تكريس الفساد والرشوة وقيم أخلاقية وضيعة.

-زيادة الهوّة بين الشرائح الاجتماعية، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي(10) .

إن توسيع قاعدة الارتباط بمصالح الشركات المتعددة في السنوات العشر الماضية، دفع العالم العربي إلى تبعيـة غذائية نتيجة تطور أنماط الاستهلاك وما تُعمِّمه من عادات وقيم في المأكل والمشرب والملبس، وما تقوم به من جهد على "المستوى الإعلامي"، بسبب مكاتبها المنتشرة في أكثر من مئة دولة في أنحاء العالم. وهي تلجأ إلى صرف المليارات من الدولارات على إعلاناتها بغية تسويق منتجاتها. فترسل أحياناً استمارات تفصيلية إلى أساتذة الجامعات المختصّين بالدراسات الإنتروبولوجية الثقافية والعلوم الاجتماعية والنفسية، تطلب فيها، لحساب الشركات، معلومات ذات فائدة (عادات الطعام، نماذج الاستهلاك عند العائلة، ...)، وذلك لمعرفة رغبات الناس وعاداتهم كي يستطيع مديرو الشركات تصميم منتجاتهم حسب نتائج هذه الدراسات.

إضافة إلى ذلك، تعمل الشركات على إرسال بيانات استطلاع الرأي إلى الصحف والإذاعات وتلفزيونات البلدان النامية، وذلك عبر الأقمار الصناعية، لجمع المعلومات حول الثقافة المحلية بغية تصحيح منتجات الشركة. وقد ساعدها في تحقيق ذلك ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة، مما فجَّر ظاهرة التنافس الشديد بين هذه الشركات وأحدث تغييراً هائلاً في عملية نشأة سوق عالمية واحدة.

وقد سعت هذه الشركات إلى وضع مصالحها قبل مصلحة الزبائن أو المستهلكين، في عمليات اندماج قامت بها مؤسسات احتكارية تنتج سلعاً متشابهةً تُباع في الأسواق نفسها (اندماج مؤسسة "جنرال إلكتريك" للأدوات الكهربائية ومؤسسة "آر سي أي" ).
أما أضرار الاندماج بين الشركات التي تمارس أعمالها ضمن الصناعة نفسها، فتقلص المنافسة التي تنجم عن تخفيض عدد المؤسسات التي تنتج السلع نفسها، مما ينعكس سلباً على الزبائن من جرّاء القضاء على المنافسة التي كانت قائمة بين الشركتين المذكورتين. وهذا ينعكس على المصلحة الاقتصادية العامة.
من هنا، كان تدخل الحكومات للقيام بوضع القوانين والتشريعات الجديدة، وإنشاء هيئات حكومية لمراقبة عمليات الاندماج بين المؤسسات، وذلك للحدّ من التواطؤ بين المؤسسات العاملة ضمن الصناعة الواحدة، والتخفيف من حدة الحالات المنافية للمصلحة العامة.

الشركات المتعددة الجنسيات وحركة رؤوس الأموال واستثمارها

لقد تبيّن في الفترة الأخيرة ضعف رؤوس الأموال الخاصة بالشركات الكبرى المتجهة نحو البلدان النامية، وتركُّزها في الأجزاء الغنية من العالم. وطبقاً لبعض البيانات، يتبيّن أن المجموع المتراكـم لصافي استثمارات هذه الشركات التي انسابت إلى مجموعـة البلاد النامية خلال العشرين سنة الأخيرة، بلغ أكثر من 62 بليون دولار. ووصل مجموع الأرباح التي حولتها تلك الاستثمارات إلى 139.7 بليون دولار خلال الفترة نفسها، وهذا يعني أن كل دولار استثمرته هذه الشركات قد أعطى 2.3 دولارات(11) .



كما قامت الشركات المذكورة بإنشاء عدد كبير من فروعها الإنتاجية خارج بلادها الأم، مستفيدة في ذلك من انخفاض مستويات الأجور في البلاد التي انتقلت إليها، ومن المزايا الضريبية التي توفرها قوانين البلاد، ومن قربها من أسواق التوزيع وانخفاض كلفـة الطاقة وأسعار الأراضي. وهذا التطور في عدد الفروع الخارجية أدى إلى إحداث قفزة في المبيعات الخارجية لتلك الشركات، بحيث أصبح الشطر الأعظم من إجمالي مبيعاتها يتحقق في الخارج. ومع النمو الهائل الذي حدث في نشاط الشركات المتعددة وسيطرتها على أحداث تكنولوجيا الإنتاج والتسويق والدعاية والنقل والتمويل، أصبح الشطر الأعظم من التجارة العالمية للمواد الخام الأساسية في قبضة هذه الشركات.



وثمة حقائق أخرى تكشف عنها الأرقام المتاحة في التجارة العالمية للمواد الغذائية، والمواد الخام الزراعية، والمنتجات المعدنية والمنجميّة.



فبالنسبة لتجارة المواد الغذائية، يُلاحَظ أن هناك 15 شركة متعددة الجنسيات تسيطر على ما نسبته 90 بالمئة من الصادرات العالمية للأناناس، وعلى نسبة تتراوح ما بين 85 و 90 بالمئة من الصادرات العالمية للبن، وعلى 80 بالمئة بالنسبة للشاي وعلى 85 بالمئة بالنسبة للكاكاو، ونسبة تتراوح بين 75 و 80 بالمئة للموز، وعلى 60 بالمئة من الصادرات العالمية للسكر. وهذه الدرجة العالية من السيطرة الاحتكارية لهذه الشركات، نراها متحققة في حالة الصادرات العالمية للمنتجات الخام الزراعية. ففي حالة القطن، تتراوح هذه النسبة بين 85 و 90 بالمئة. وبالنسبة للمنتجات الخشبية 90 بالمئة والدخان بين 85 و 90 بالمئة. وفي حالة النفط 75 بالمئة والحديد والنحاس والبوكسيت بين 80 و 95 بالمئة(12) .



وتوضح هذه النسب مدى سيطرة تلك الشركات على التجارة العالمية من السلع، إضافة إلى سيطرتها على تجارة الخدمات، كالنقل، والتأمين، والبنوك في مختلف أصقاع العالم الرأسمالي، مستخدمةً في ذلك إمكاناتها الهائلة في تعبئة المدخرات والفوائض المالية، وإعادة إقراضها مرة أخرى، محققةً بذلك أرباحاً ضخمة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ظهور الفوائض النفطية التي حققتها الدول المصدرة للنفط (الأوبك) من جرّاء رفع أسعار النفط في عقد السبعينات، حيث حرصت البنوك التجارية التابعة للشركات المتعددة على إعادة تدوير تلك الفوائض إليها وإعادة إقراضها إلى دول العجز، ومنها البلدان العربية.

ويمكن القول إن السيولـة الضخمة التي كوّنتها تلك الشركات أصبحت، هي المحرك الرئيسي لرؤوس الأموال التي تتنقّل من مكان إلى آخر في العالم بسرعة عجيبة، بحثاً عن أعلى معدلات للفائدة والاستثمار.

وهذه الأموال السريعة الحركة، تخلق حالة واضحة من عدم الاستقرار النقدي في الساحات التي تتحرك ضمنهـا. فالدول التي تخرج منها هذه الأموال، تُعاني من العجز، والبلاد التي تتدفق إليها تعاني من زيادة واضحة في عرض النقود، مما يُفقدها السيطرة على عرض النقود والأسعار.

وهذه الأموال هي انعكاس لتعاظم ظاهرة التدويل التي دخل فيها الاقتصاد الرأسمالي العالمي، من جرّاء تطور وتمركز قوى الإنتاج وتخطيها لحدودها القوميّة، علماً أن البنوك المركزية لا تملك حتى الآن أية فعالية للتأثير على نشاط هذه الشركات