''إستراتيجية الخطر الدائم''
فيصل أوقاسي

[align=right]يأتي تفجير الناصرية في سياق متصل غير منفصل تحاول الجماعات الإرهابية الإبقاء من خلاله على الشعور بأنها تمثل خطرا دائما وأنها تستطيع الضرب بقوة متى شاءت وحيث شاءت·
إن العام المنصرم 2007 مثل بلوغ السلفية ذروة ''شهرتها'' وانتقالها بقوة السلاح والدم من المحلية إلى ''العالمية'' في سوق الجماعات الإسلامية المسلحة·
وهاهي ذي سنة 2008 تبدأ بمحطة اسمها الناصرية، فهل هذا نذير بأن الإرهاب سيكون له دوي كبير عاما آخر؟ في الحقيقة إن الجماعة السلفية للدعوة والقتال لن تحقق أيا من أهدافها السياسية بمثل هذا السلوك، فلم تحقق قيام الدولة الإسلامية ولم تزحزح النظام عن مكانه ولا الشعب عن سلوكه، ولكنها سوف تمضي إلى ما يعرف في الأوساط العسكرية بالحرب ''على الطريقة الإيرلندية'' أي حرب طويلة المدى والنفس تمتد إلى ما لا نهاية تقبل وتدبر وتعلو وتنزل إلى أجل ما، فالسلفية ''تضمن'' وجودها بتعاطي العمليات النوعية المدرجة وفق مخطط مدروس ما احتساب عامل الوقت من جهتها، وهذا يضمن لها صدى إعلاميا كبيرا يكون بمثابة ''ورقة حضورها''·
إن ''استراتيجية الخطر الدائم'' هي نظرية عسكرية قديمة مفادها أن الخطر موجود وحقيقي يكاد يكون ملموسا رغم أنه لا يظهر ولا تظهر بوادره بل تتجلى في كل مرة آثاره ونتائجه· إن الجماعات الإرهابية استفادت من تجارب جميع الفصائل الإسلامية المسلحة التي سبقتها على مدى 27 سنة أي منذ أن حمل مصطفى بويعلي سلاحه وشكّل تنظيما مسلحا أسماه ''الحركة الإسلامية المسلحة''، وكان ذلك سنة 1981 ومنذ ذلك الوقت تشكلت فصائل أخرى كان أهمها ''الجيا'' ثم ''الفيدا''· وكانت التقنيات تتصاعد والتحكم في وسائل التفجير والتجنيد وتصنيع القنابل وأجهزة الإتصال والدعاية، حتى إذا خلص الأمر إلى إن الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهي آخر التنظيمات المشكلة في العمل الإسلامي المسلح في الجزائر، إذ تشكلت عام في شهر سبتمبر 1998 كانت الأمور قد بلغت درجات متقدمة من تقنيات الإرهاب·
الجماعات الإرهابية استقبلت عام 2008 ولديها من الخبرة ما لديها ومن الجنود كذلك والانتحاريين والأسلحة والتجهيزات الحربية والمعدات العسكرية أيضا ما لديها، وهو في الحقيقة كثير، وهذا كله أتاح لها أن تطور تقنيات جد معقدة، خذ لك مثلا عن نوعية السيارة المستعملة في تفجير البارحة بالناصرية وهي سيارة فاخرة من نوع ''Toyota- Hilux'' فهل يدور في خلد الشرطي الذي يراقب المرور أن تكون ''هذه الشخصية '' الراكبة في مثل هذه السيارة أن يكون انتحاريا؟
وقعت عمليات 11 إفريل 2007 المهولة، فتجندت قوات الأمن لمراقبة سيارات يقودها شبان مثل ''مروان بودينة'' الانتحاري الذي فجّر نفسه تحت عمارة قصر الحكومة، ولكن الجماعات الإرهابية عملت ''في الاتجاه المعاكس'' فجندت انتحاريين لعمليات 11 ديسمبر 2007 عمر الأول 32 سنة والثاني 64 سنة! وكنا قد قلنا في مقال سابق إنه لا غرابة أن تجند نساء في المرات القادمة فتحدث هزات أكثر عنفا من تلك التي يحدثها الرجال!
إن الإرهاب يتغذى من إيديولوجيا عقدية ولكنه أيضا يتغذى من الواقع، والواقع في الجزائر لا يبعث على الارتياح وعلى الاطمئنان· فالحرب حاليا قد تربح بربح هذين المجالين لأن النتائج الأمنية الميدانية مهما كانت كبيرة بالنسبة لمصالح الأمن فإنها لا تحسم الأمر نهائيا حتى تحسمه في المجال الإيديولوجي العقدي- وهذا أمر جد عسير- في المجال الاجتماعي وهو أمر في متناول دولة خزائنها ملآى!
المصدر : الجزائر نيوز [/align]
التعديل الأخير تم بواسطة فتحي الجزائري ; 2008-01-03 الساعة 01:49