شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
من فوائد المرض ما يأتي:
1-أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)الشورى:30
فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين أتت؟
فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا ومطهـّرات لها بإذنه تعالى :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ( رواه مسلم)،
وقال-صلى الله عليه وسلم- : (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي ،وصحح الألباني في الصحيحة ،
فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال مرارة الأبد، يقول بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
2- ومن فوائد المرض: أن ما يعقبه من اللذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) أخرجه مسلم
وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعاً: (يود النـّاس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء) أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع
3- ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: (ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده) رواه مسلم .
4: - ومن فوائد المرض: أنـّه يـُعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر،
عن أنس مرفوعاً: (إنّ عظم الجزاء من عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، وفي رواية: (ومن جزع فله الجزع) رواه الترمذي وصححه الألباني ،
قال الفضيل -رحمه الله-: فإذا أحب الله عبداً أكثر غمـّه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه ،
وخصوصاً إذا ضيـّع دينه، فإذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدث له الرضا كتب في ديوان الراضين، وإن أحدث له الحمد والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيراً له، أخرج مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلـّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير) أخرجه مسلم
5- ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنـّه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} يوسف:110.
6- ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعاً
من يرد الله به خيراً يصب منه) رواه البخاري ،
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعرابي : « هل أخذتك أمّ ملدم (1) قط (2) ؟ » قال : وما أمّ ملدم ؟ قال : « حرّ بين الجلد واللحم » . قال : ما وجدت هذا قط قال : « فهل أخذك الصداع قط ؟ » قال : وما الصداع ؟ قال : « عرق يضرب على الإنسان في رأسه » . قال : ما وجدت هذا قط ، فلما ولـّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل النـّار فلينظر إلى هذا » « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه »
(1) أم ملدم : الحمى
(2) قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان.