[align=center]ومما يدل على هذا أن ذلك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله ولا عهد الخلفاء، ولو لم يكن النهى عنه جازماً لبقوا عليهما، فالعادات الراسخة مثل العيد الذي فيه فرح النفوس واللعب والأكل لا تزول بسهولة، وقد يعجز الحكماء والرؤساء عن نقل الناس عنها، لقوة تعلق القلوب بها، فلولا أنهم فهموا من النبي النهي عنها لكانت باقية، ولو على وجهٍ ضعيف، فعلم من ذلك أن المانع والنهي شديد..
( العيد ... )
هذا والمحذور في أعياد أهل الكتاب أشد من المحذور في أعياد الجاهلية، لأن الأمة حذرت من مشابهة واليهود والنصارى، وأخبرت أن طائفة منها ستتبع أثرهم، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا آخر الدهر، وجاء في الحديث أن رجلاً أتى رسول الله فقال:
( إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟، قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا، قال: أوف بنذرك) أبو داود في الأيمان والنذور
فإذا كان الذبح لله وهو من أجل العبادات بمكان عيدهم منهياً عنه، فكيف بالموافقة في نفس العيد بتعظيمه والاحتفاء به؟..
والعيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، إما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، والعيد يجمع أموراً:
- منها: اليوم العائد، كيوم الفطر والأضحى والجمعة..
- ومنها: الاجتماع فيه..
- ومنها: أعمال تتبع ذلك، من العادات والعبادات، كصلاة العيد واللعب في ذلك اليوم، قال ابن عباس: (شهدت العيد مع رسول الله) أي الصلاة والاجتماع..
- وقد يختص العيد بمكان بعينه أو يكون مطلقاً، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتخذوا قبري عيداً )..
وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً، فالعيد يكون للزمن الذي يعظم على الدوام، ويكون للمكان المعظم على الدوام كذلك، وما يكون في الزمان والمكان من العبادات كالصلاة والذبح والذكر ونحوها، والعادات كاللعب والأكل ونحوها، وتعظيم أي زمان أو مكان لم يعظمه الشارع فهو بدعة محرمة، والنبي لما سأل:
(هل كان فيها وثن أو عيد)
إنما كان المقصود في الماضي لا في وقت السؤال، فإن القصة كانت في حجة الوداع، وحينذاك لم يكن قد بقي للمشركين عيد، ثم مع ذلك حرمه، مع أن المكان لم يعد فيه وثن ولا عيد، سداً للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم أو إحيائها، فكيف بالمكان والزمان الذي لا يزال يعظّم من قبل أهل الكتاب ويتخذ عيداً ؟..
فتعظيم المسلمين لها واتخاذها عيداً أعظم إثماً لا ريب..
فإمام المتقين كان يمنع أمته منعاً باتاً قوياً عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها، وطمسها بكل سبيل، بل ويسعى في تلقين أمته مخالفة أهل الكتاب في كثير من المباحات وصفات الطاعات، لئلا يكون ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم..
فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم، كنت أبعد عن أعمال أهل الجحيم، وكنت أبعد عن عذاب الجحيم، فليس بعد حرصه على أمته و نصحه لهم غاية، وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون... [/align]