أختي الجوهرة النادرة سأصدقك القول، أنا أيضا ساءني حال هؤلاء
"الحراقة" الذين يلقون بأنفسهم إلى التهلكة بسبب وبدون سبب والأسباب معروفة لدى الجميع من بطالة وبيروقراطية و....وكذلك
العمر يمضي والشباب لا يستطيع حتى الزواج كي يحصّن نفسه أمام هذا الانفتاح والاباحيات وغيرها ..ولا داعي للشرح المستفيض
أما عن الذين يرغبون في الهجرة وهم في غنى عنها، فهلاء حمقى يظنون أنهم سيجدون الجنة تنتظرهم خلف البحر ، وهذا جنون ما بعده جنون ، والمؤسف حقا ما يخلّفونه وراءهم من جرح دام وحزن عميق في قلوب والديهم . لكن لا ننسى أن هناك من الوالدين من يحرّض أبناءه على الهجرة سواء الشرعية وغير الشرعية، بسبب الغيرة ممن هاجروا وعادوا بسيارات فاخرة وبدؤ ا يشيدون الفيلات ، لكن هم لا يعلمون مصدر الأموال ولا يهمهم أبدا " من أنّى لك هذا." المهم عندهم "الأورو وكفى فهؤلاء دعيهم يغوصون في جهلم فهم لا يعرفون حتى سرّ وجودهم
ولا معنى العيش الكفيف بالحلال ولا الصبر ولا رضى الله عزوجل. فلا مجال للحديث عنهم...
أما سؤالك عن المهاجرين الشرعيين الذين يتركون أوطانهم ويختارون العمل في ديار الغربة ، فهذا حديث آخر وليكن في علمك أختي أننا لو وجدنا الرحمة والعزة في بلادنا ما تركناها ........وسأحدثك عن نفسي وسأصدقك القول ، فاسمعيني
أنا أكثر واحدة كانت ضد فكرة الهجرة، لكن الظروف هي من دافعتني إليها
فزوجي قبل أن يهاجر إلى فرنسا كان يعمل في الجزائر وبمرتب جيّد وله سكن خاص ، وكان يعمل في قسم الشرطة وقد ترقى إلى رتبة لم يكن يحلم بها ، لكنّه وجد نفسه يعيش في وسط غابة كان يظلم الناس مجبرا ومكرها بحكم القوانين الجائرة والأحكام التنفيذية التي تملى عليه من القيادات العليا، وهو انسان يخاف الله وقد حجّ بيت الله العتيق كان يعيش في دوامة من القلق وتأنيب الضمير ، خاصة وأنه تزامنت الأحداث مع تلك السنين الدامية التي مرّت بها الجزائر حيث كانت السلطة تزج بالناس في السجون بذنب وبغير ذنب ، لم يكن ليرضى بهذا الوضع فاستقال وقرّر الهجرة إلى فرنسا، لأنهّ لم يكن لديه البديل، وبعد الزواج قرّر العودة نهائيا إلى الجزائر ، لكن أنا من رفضت العودة وقرّرت اللحاق به، أتدري لماذا أختي الجوهرة؟؟؟؟؟؟؟ سأقول لك لماذا ، فاسمعيني
لقد سئمت من تجرّع كؤوس الذلّ الواحد تلوى الآخر، ففي السنة الأولى من زواجي كنت على وشك إنهاء رسالة الماجستير ، وأكملتها بعناء شديد لان أم زوجي كانت رافضة فكرة الدراسة ولم تصرّح بذلك قبل العرس، وكنت كلما خرجت للقاء الأستاذ المشرف إلا وقامت الحرب، وأنهيت الرسالة ووضعت نسخا منها بيد الإدارة
وبدأت أنتظر وكل يوم أهاتف السكرتيرة إن كان حدّد يوم المناقشة أم لا؟؟؟ فتجيب بلا ....أتدري لماذا؟؟؟ لأن رسالتي جمّدت بسبب الصراع الذي حصل بين الأستاذ المشرف وأحد أعضاء اللجنة المناقشة، ورغم تدخل الوساطات بقيت أنتظر قرابة السنة ، وقرّرت الإدارة مناقشة الرسالة دون حضور الأستاذ المشرف وفي تلك الفترة كنت أنا على وشك الطلاق ، وبعد المناقشة بدأت المعاناة في كيفية الحصول على الشهادة لأن الأستاذ المشرف قد قاطع الإدارة وانتقل إلى العاصمة، وبدأت أيام الذل في الانطلاق وزوجي غائب وأهله لم يقدروا المشكلة التي أنا فيها وسبب خروجي المستمر وبعد ذلّ وعناء شديدين تحصلت على شهادة الماجستير، لأفاجأ أن زوجي ينوي طلاقي لأن أمه أخبرته أني لاأمكث في البيت، وصبرت شهورا أخرى حتى عاد زوجي وتحدث مع أهلي وفهم ماكان يجري وتراجع عن قراره. ومكثت في البيت قرابة السنتين أتدري لماذا يا الجوهرة النادرة؟؟؟؟لأنني عندما كنت أتقدم لمسابقات التوظيف كانت تخبرني أستاذتي وهي رئيسة اللجنة العلمية من أن المناصب قد حددت أصحابها من طرف العميد وهم أصحاب المعارف الكبرى وأصحاب الرشاوي، ولم أيأس وقررت أن أعمل كأستاذة مؤقته لحصص الأعمال التطبيقية، وبدأت أدق أبواب رؤساء الأقسام باب تلو الباب لأسمع عبارات الذل والاحتقار، أول باب كان قسم االغة العربية، وفي تلقيت أكبر إهانة من رئيسه الذي قال لي: نحن لسنا بحاجة إليك لأن شهادتك العليا لا تعترف بها الوزارة، واقترح علي أحدهم أن أسجل للدراسة من جديد في تخصص آخر... ثم توجهت إلى قسم الترجمة لألتقي مع أكبر نذل صادفته في حياتي أتدري ماذا قال لي رئيس قسم الترجمة؟ قال لي: قسمنا جديد ونحن بحاجة لأصحاب الشهادات العليا ، ولكن ليس لواحدة مثلك ترتدي النقاب!!!!!!!!! خرجت من عنده وأنا أتمنى لو أنني أستطيع قتله
ثم توجهت إلى قسم علم النفس وعلم الاجتماع ، وقبلوني بعد غدو ورواح لأكثر من عشرين يوما، لكن بشروط ، هل تعلمي ماذا كان شرط رئيس القسم؟؟؟؟؟
لقد طلب مني أن يرفع لي الحجم الساعي للحصص من 6سا إلى 12سا في الأسبوع، على أن أقتسم معه الراتب السنوي في نهاية السنة!!!!
لقد اسودّت الدنيا في وجهي وأنا أتلقى عبارات الاحتقار والمساومات وأشياء أخرى ....لا داعي لذكرها. وتوسط لي أحد أصدقاء زوجي وتحصلت على وظيفة كأستاذة مؤقتة ، وتنتهي السنة لأجد العقد قد زور من طرف رئيس القسم ، فبعد أن كنت قد مضيت على عقد بحجم 6سا في الأسبوع أجده قد أصبح 4 سا ولما ذهبت لرئيس القسم وسألته عن هذا التغيير ، أجابني بكل استهتار أنه يخبّئ لي دراهمي للسنة المقبلة، ولما رفعت ضده شكوى لنائب العميد ، اتهموني بأنني صاحبة مشاكل.
ولما فكرت في دراسة الدكتوراه وجدت كل الأبواب مؤصدة، فقد رفضت الإدارة موضوعي ، ولما غيّرت الموضوع رفضوا المشرف، ولم يرض رئيس المجلس العلمي إمضاء شهادة التسجيل ، حتى أضعه هو مشرفا لأن المشرف الأول هو عدو له وبينهما صراع كبير، ولما أخبرته بأنه لا شأن لي بصراعكما ، خبّأ لي ملفي بجميع أوراقه ومعه مشروع البحث وزعم أنه ضاع منه!!!! . وعدت لأجمع أوراق الملف من جديد، ولكني لم أغيّر اسم المشرف، ليزداد جنون رئيس المجلس العلمي ويبدأ معي لعبة المساومة والابتزاز
لقد ذلني وابتزني وهزأني وسمّعني من الكلام مالم يكن في الحسبان ، و مضت قرابة 6 أشهر ولم يرض أن يوقع لي شهادة التسجيل، فكتبت
فيه تقريرا في رئاسة الجامعة ، واستدعاه رئيس الجامعة، ووقّع لي شهادة التسجيل ولكني حرمت من الوظ يفة ، فكل الأساتذة عاتبوني ولاموني على هذا التقرير وهددوني بأنه لن تكون لي فرصة في الحصول على وظيفة، وأنا في أمس الحاجة للوظيفة كي أساعد بها أسرتي، كلّ هذه المحن وهذه الحواجز في كفّة ومشاكل البيت في كفة أخرى ...
لا داعي لسردها...... لقد كرهت كلّ شيء، كرهت الجزائر، كرهت الدراسة، وكرهت الأساتذة والجامعة و حياتي كلها ، حينها قررت اللحاق بزوجي وأفسمت أن لا أعود للجزائر إلا لزيارة أبي وأمي ،
وأنا أعيش هنا مرتاحة البال معززة مكرّمة، لم أذهب إلى مكان إلا ووجدت فيه الاحترام والمعاملة الطيبة التي نفتقدها في بلادنا ،
وإذا كنت هنا أعيش غربة المكان، ففي الجزائر كنت أعيش غربة الذات .......فالبيروقراطية والرشوة والذل والابتزاز والمساومات... كلها أشباح كانت تطاردني في اليقظة والمنام