الأشاعرة يطعنون في نسبة كتاب "الإبانة" إلى أبي الحسن الأشعري ويدعون امتلاك أدلة على ذلك، لأن ثبوت هذه
النسبة يعني محق مذهبهم من أصله .
وهذه النقول ستبين إن شاء الله صحة نسبة الكتاب إلى أبي الحسن رحمه الله :
ممن عزا الإبانة إلى أبي الحسن الأشعري :
قال ابن عساكر في صفحة 28 من التبيين : وتصانيف ابي الحسن الاشعري بين اهل العلم مشهورة معروفه وبالاجادة والاصابة للتحقيق عند المحققين موصوفة ومن وقف على كتابه المسمى بالابانة عرف موضعه من العلم واليانة .
الحافظ الكبير ابو بكر احمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المتوفي سنة 458 . قال في كتاب ( الاعتقاد والهداية الى سبيل الرشاد ) في باب القول في القرآن صفحة 31 .
وممن ذكر الابانة وعزاها لابي الحسن الاشعري الحافظ المعروف بالذهبي في كتابه ( العلو للعلي الغفار ) صفحة 160 .
وذكر الذهبي عن الحافظ ابي العباس احمد بن ثابت الطرقي انه قال : قرأت في كتاب ابي الحسن الاشعري الموسوم بالابانة ادلة على اثبات الاستواء . ونقل عن ابي علي الدقاق انه سمع زاهر بن احمد الفقيه يقول مات الاشعري رحمه الله ورأسه في حجري فكان يقول شيئا في حال نزعه . لعن الله المعتزلة موهوا ومخرقوا ا هـ
وممن نسبها الى ابي الحسن الاشعري ابن فرحون المالكي قال في كتاب الديباج صفحة 193 الى ص 194 : ولابي الحسن الاشعري كتب منها كتاب اللمع الكبير وكتاب اللمع الصغير وكتاب الابانة في اصول الديانة ا هـ .
وممن عزاها لابي الحسن الاشعري ابو الفلاح عبدالحي ابن العماد الحنبلي المتوفي سنة 1098 هـ . قال في الجزء الثاني من كتابه ( شذرات الذهب في اعيان من ذهب ) صفحة 303 : قال ابو الحسن الاشعري في كتابه ( الابانة في اصول الديانة ) وهو اخر كتاب صنفه ..
وممن عزاها له السيد مرتضى الزبيدي قال في ( اتحاف السادة المتقين بشرح اسرار احياء علوم الدين ) في الجزء الثاني صفحة 2 قال : صنف ابو الحسن الاشعري بعد رجوعه من الاعتزال الموجز وهو في ثلالث مجلدات كتاب مفيد في الرد على الجهمية والمعتزلة ومقالات الاسلاميين وكتاب الابانة .
وممن ذكر ان الابانة تأليف ابي الحسن الاشعري ابو القاسم عبدالملك بن عيسى بن درباس الشافعي قال في رسالته ( الذب عن ابي الحسن الاشعري ) اعلموا معشر الاخوان ان كتاب الابانة في اصول الديانة الذي الفه الامام ابو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري هو الذي استقر عليه امره فيما كان يعتقده وبه كان يدين لله سبحانه وتعالى بعد رجوعه من الاعتزال بمن الله ولطفه .
وذكر ابن درباس طائفة من الذين قدمنا ذكرهم وزاد الحافظ ابو العباس احمد بن ثابت الطرقي ، وذكر عنه انه قال في بيان مسألة الاستواء من تأليفه رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي علو الله على العرش وتأويل الاستواء الى ابي الحسن الاشعري وما هذا بأول باطل ادعوه وكذب تعاطوه فقد قرأت في كتابه الموسوم بالابانة في اصول الديانة ..... الخ ومنهم الامام الاستاذ الحافظ ابو عثمان اسماعيل بن عبدالرحمن بن احمد الصابوني ذكر عنه انه ما كان يخرج الى مجلس درسه الا بيده كتاب الابانة لابي الحسن الاشعري ويظهر الاعجاب به ، ويقول ما الذي ينكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه ( هذا قول الامام ابو عثمان وهو من اعيان اهل الاثر بخراسان ) .
ومنهم امام القراء ابو علي الحسن بن علي بن ابراهيم الفارسي ذكر الامام ابا الحسن الاشعري رحمة الله عليه فقال : وله كتاب في السنة سماه كتاب الابانة صنفه ببغداد لما دخلها ، وذكر ابن درباس انه وجد كتاب الابانة في كتب ابي الفتح نصر المقدسي – رحمه الله – ببيت المقدس وقال رايت في بعض تآليفه في الاصول فصولا منها بخطه .
ومنهم الفقيه ابو المعالي مجلي صاحب كتاب الذخائر في الفقه ، قال ابن درباس انباني غير واحد عن الحافظ ابي محمد المبارك بن علي البغدادي ونقلته انا من خطه في اخر كتاب الابانه قال نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه المجلي الشافعي اخرجها في مجلده فنقلتها وعارضت بها .... الخ
وممن ذكر الابانة ونسبها الى ابي الحسن الاشعري تقي الدين احمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الشهير بابن تيمية المتوفي سنة 728 هـ قال في الفتوى الحموية الكبرى صفحة 70 : قال ابو الحسن الاشعري في كتابه الذي سماه الابانة في اصول الديانة وقد ذكر انه اخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه .... الخ
وممن عزاها الى ابي الحسن الاشعري شمس الدين ابو عبدالله محمد بن ابي بكر بن ايوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي الدمشقي قال في كتابه اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية الطبعة الهندية صفحة 111 قال شيخ الاسلام ابن تيمية ... الخ
قلت ( بشير محمد عيون محقق كتاب الابانة عن اصول الديانة ) هذه نقول الائمة الاعلام التي تضمنت بالصراحة التي لا يتناطح عليها عنزان ان كتاب الابانة ليس مدسوسا على ابي الحسن الاشعري كما زعمه الاغمار من المقلدة بل هو من تواليفه التي الفها اخيرا واستقر امره على مافيها من عقيدة السلف التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية .
منقول من كتاب .. الابانة في اصول الديانة للامام ابي الحسن علي بن اسماعيل الاشعري .. تحقيق بشير محمد عيون . للمزيد من الفائدة الرجاء الرجوع للكتاب .
السلف لم يفوضوا معاني صفات الله ( أي لم يكونوا مفوضة) :
السلف رحمهم الله لم يفوضوا معنى صفات الله فإني قد وجدت في بعض كتب أصول الفقه أن السلف كانوا يفوضون معنى صفات الله وهذا باطل فالسلف رحمهم الله كانوا يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو على لسان رسول الله من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل ،والمقصود بالتحريف تغيير اللفظ أو المعنى ،فتحريف اللفظ كتحريف البعض كلمة الله في قوله تعالى : ﴿ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾ بأن نصبوا لفظ الله على أنه مفعول به فيكون الكلام من موسى عليه السلام بدلاً من أن يكون مرفوعاً على أنه فاعل ،فيكون الكلام من الله ، وبذلك ينفون دلالة الآية على أن الله يتكلم ، وهذا باطل ،فالآية أثبتت أن الله يتكلم ، وهذا الكلام يليق به ليس ككلام المخلوقين ،وتحريف المعنى كقول البعض في قوله تعالى : ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي قدرة الله فوق قدرتهم لكي ينفوا دلالة الآية على أن لله يداً ، وهذا باطل فالآية أثبتت أن لله يداً ، والصفة تليق بالموصوف فالإنسان له يد تليق به ، والبعير له يد تليق به ، والغوريلا لها يد تليق بها كذلك الله له يد تليق به ليست كيد المخلوقين ،والمقصود بالتعطيل نفي ما أثبته الله لنفسه من أسماء أو صفات كقول البعض في قوله تعالى : ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ لا أدري ما المراد أفوض معنى اليد ، ولا أثبت أن لله يداً حقيقية فهذا باطل فالله أثبت لنفسه يدين إذاً لله يدان ، والمقصود بالتكييف أي حكاية كيفية الصفة فعندما أقول لك كيف يأكل محمد ؟ فتقول يأكل محمد هكذا ، وعندما أقول لك كيف يبرك البعير ؟ تقول يبرك البعير هكذا ، ونحن لأننا لم نر الله ،وليس لله شبيه فكيف نكيف صفاته ؟!!! أما أهل الأهواء فعندما تقول لهم ينزل الله يقولون لك ينزل هكذا ،وهم لم يروا الله فهذا كذب ، والمقصود بالتمثيل ذكر مماثل لله في صفاته فعندما تقول لله يد يقولون لك له يد كيدي ، وعندما تقول ينزل الله يقولون ينزل كنزولنا ، وهذا باطل قال تعالى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ ، ومعنى تفويض معنى صفات الله أي مجرد الإيمان بألفاظ النصوص من غير إثبات معناها و السلف رحمهم الله لم يفوضوا معنى صفات الله ،ومما يدل على عدم قول السلف بتفويض معنى صفات الله أن القول بتفويض معنى صفات الله قول باطل فكيف ينسب للسلف الباطل ، وهم خير الأمة ؟!! وبيان ذلك أن كل موجود في الخارج فلابد أن يكون له صفة إما صفة كمال، وإما صفة نقص، والله ليس له صفات نقص إذا لله صفات كمال ،و قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال ، والله سبحانه هو الذي أعطاه إياها فمعطي الكمال أولى به ،والنفوس السليمة مجبولة ومفطورة على محبة الله ، وتعظيمه، وعبادته ، فكيف تحب وتعظم وتعبد إلا من عرفت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته ؟!! وقد قال تعالى : ﴿ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي لله الوصف الأعلى فالآية أثبتت أن لله صفات الكمال وكفى بكلام الله دليلاً و مما يدل على بطلان القول بتفويض السلف معنى صفات الله أن المعطلة الذين ينفون معنى صفات الله كانوا خصوما للسلف ،ولو كان السلف يوافقونهم في عدم دلالة النصوص على صفات الله لم يجعلوهم خصوماً لهم ، ولما أطلقوا عليهم معطلة ، ومما يدل على بطلان قول السلف بالتفويض قول الوليد بن مسلم : ( سألت الأوزاعي ومالكاً وسفيان وليثاً عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف ) ففي هذه العبارة رد على المعطلة والمشبهة، ففي قولهم : " أمروها كما جاءت" رد على المعطلة . وفي قولهم: " بلا كيف" رد على المشبهة . وفي قولهم أيضاً دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله فقولهم : "أمروها كما جاءت". معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى ، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا : " أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها ". ونحو ذلك ، و قولهم: " بلا كيف " فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى ، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته ، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه ، فنفي كيفيته من لغو القول ، وقال أبو حنيفة : ( وله يد ووجه ونفس , كما ذكره الله تعالى في القرآن , فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته , لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال ) ،ولما سئل أبو حنيفة عن النزول الإلهي قال : ( ينزل بلا كيف ) والله لصفاته كيفية لكنها مجهولة لنا فالشيء إنما تعلم كيفيته بمشاهدته ، أو مشاهدة نظيره ، أو خبر صادق عنه ، وكل هذه الطرق غير موجودة في صفات الله ؛ لذلك لا نكيف صفات الله ، ولما سئل مالك عن كيفية استواء الله على العرش قال : (الكيف منه غير معقول , والاستواء منه غير مجهول , والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) فقوله : الكيف غير معقول : أي مجهول ، وقوله :
الاستواء غير مجهول : أي معلوم ،وقال الشافعي : ( نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السُّنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه ) فقوله رحمه الله ظاهر في إثبات حقيقة المعنى ؛لأنه لو كان لايعتقد ثبوته ما احتاج إلى نفي التشبيه ، وقال أبو بكر المروزي : ( سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها وقال : تلقتها الأمة بالقبول وتمرّ الأخبار كما جاءت ) فقوله تمر كما جاءت يشمل لفظ الخبر ،ومعنى الخبر ،ومن قال يقصد اللفظ فقط دون المعنى نقول له أين الدليل على قولك هذا ؟ فإن قيل قد قال أحمد : ( إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، والله يُرى ، وأنه يضع قدمه ، وما أشبه بذلك : نؤمن بها ونصدق بها ، ولا كيف ، ولا معنى! ولا نرد شيئا منها ، ونعلم أن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحيحة ) .. فدليل المخالف هنا قول الإمام أحمد : " ولا كيف ولا معنى" والجواب على ذلك المعنى الذي نفاه الإمام أحمد في كلامه هو المعنى الذي ابتكره المعطلة من الجهمية وغيرهم ، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة عن ظاهرها إلى معانٍ تخالفه فقد نفى المعنى ، ونفى الكيفية ، ليتضمن كلامه الرد على كلتا الطائفتين المبتدعتين : طائفة المعطلة ، وطائفة المشبهة ، ويدل على ذلك قول يعقوب بن بختان : ( سئل الإمام أبو عبد الله عمن زعم أن الله لم يتكلم بصوت ، قال : بلى يتكلم سبحانه بصوت) فهل يمكن للمفوض للمعنى أن يثبت أن الله تعالى يتكلم بصوت؟ فالإمام أحمد هنا يثبت أن الله تعالى يتكلم بصوت ، وهذا إثبات للمعنى ، أما الكيفية فمجهولة ، وقال يوسف بن موسى : ( قيل لأبي عبد الله : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، كيف شاء من غير وصف؟. قال : نعم) فقول الإمام أحمد : " من غير وصف".. أي من غير تكييف.. ولم يقل من غير معنى ، بل أثبت المعنى ، وهو النزول فزبدة الكلام أن السلف كانوا يفوضون كيفية صفات الله لا معنى صفات الله هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتب ربيع أحمد سيد الأربعاء 12 محرم 1428هـ 31/1/2007م