جزاك الله خيرا ...
قد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن أفضل وقت التضحية
هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنة، لحديث
البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي،
ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا،
ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس
من النسك في شيء))().
كما أنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد
لا يجوز عملاً بالحديث السابق وحديث جندب بن سفيان
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان ذبح أضحيته
قبل أن يصلي – أو نصلي – فليذبح مكانها أخرى))().
ولكن اختلفوا في بدء وقت الذبح عند من يصلي العيد، ع
لى أقوال هي:
القول الأول: أن الذبح يبدأ من بعد الفراغ من الصلاة.
وبه قالت الحنفية()، والحنابلة().
القول الثاني: أن الذبح يبدأ من بعد مضي قدر الصلاة وخطبتين، سواء صلى الإمام أم لا.
وإليه ذهبت الشافعية()، وبه قال ابن حزم().
القول الثالث: أنه من بعد ذبح إمام صلاة العيد أو قدره
إن لم يذبح لعذر، فإن لم يذبح لغير عذر فمن بعد فعل لصلاة().
واختلفوا في بداية وقت الذبح عند من لا يصلي العيد
كأهل البوادي والمسافرين ونحوهم على أقوال هي:
القول الأول: يذبح من بعد طلوع الفجر من يوم النحر،
وبه قالت الحنفية().
القول الثاني: من بعد ذبح أقرب الأئمة إليه.
وبه قالت المالكية().
القول الثالث: من بعد مضي قدر الصلاة والخطبة بعد
دخول الوقت. وإليه ذهبت الشافعية()، وقال به ابن حزم().
القول الرابع: من بعد مضي قدر الصلاة بعد دخول الوقت. وهو قول الحنابلة().
وأما آخر وقت ذبح الأضحية فاختلف أهل العلم في ذلك
على أقوال، أصحها قولان:
القول الأول: هو يوم النحر ويومان بعده،
وهو قول الحنفية()، والمالكية()، والحنابلة().
ومما استدلوا به آثار عدة عن جمع من الصحابة منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (الأضحى يومان
بعد يوم الأضحى) ().
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: (الذبح بعد النحر يومان)().
القول الثاني: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة تبع ليوم العيد، وبه قالت الشافعية()، ورواية عن أحمد()، واختيار ابن تيمية()، وابن القيم() رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به ما يلي:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب))().
قالوا: فجعل حكمها واحداً أنها أيام أكل لما يذبح فيها،
وشرب، وذكر لله عز وجل().
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أيام التشريق ذبح))().
وقالوا: إنها كلها يشرع فيها التكبير المطلق والمقيد،
ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة
في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإن كانت
كذلك فلا يمكن أن نخرج عن هذا الاشتراك وقت الذبح().
وهذا القول قوي من حيث النظر، لولا ما عارضه
مما ثبت عن غير واحد من الصحابة كابن عباس
وابن عمر وأبي هريرة من غير اختلاف عليهم في ذلك،
وهو مما يقوي مذهب الجمهور، قال الطحاوي: "
ولم يروَعن أحد من الصحابة خلافه، فثبت حجتُه،
وأيضا فإن مثله لا يقال من جهة الرأي، فدل على أنه توقيف"().
و من أحكام الأضحية و المضحي :
عدم الأخذ من الشعر والبشرة إذا دخلت العشر لمن أراد
أن يضحي.
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا دخلت العشر وأراد
أحدكم أن يضحي، فلا يلمس من شعره وبشره شيئاً))().
قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: ما يجتنب الرجل إذا أراد
أن يضحي؟ قال: "لا يأخذ من شعره، ولا من بشره"().
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن هديه صلى الله عليه وسلم
أن من أراد التضحية، ودخل يوم العشر فلا يأخذ
من شعره وبشره شيئاً"().
قال النووي رحمه الله: "قال أصحابنا: والحكمة من النهي
أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبه
بالمحرم. قال أصحابنا: وهذا غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء،
ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم"().
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والحكمة من ذلك:
أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات،
وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليه،
والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا
في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة، كالمحرم لا يأخذ من شعره شيئاً،
يعني لا يترفه فهؤلاء أيضاً مثله، وهذا من عدل الله
عز وجل وحكمته"().
وهذا الحكم خاص بمن يضحي لا يتناول من يضحى عنهم.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "ظاهر التحريم خاص
بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً
برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بمن يضحي، فمفهومه: أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم،
وكان صلى الله عليه وسلم يضحي عن أهل بيته،
ولم ينقل أنه قال لهم: لا تأخذوا من شعوركم أظافركم
وأبشاركم شيئاً، ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم
النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وهذا هو الراجح"().