منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الرسول صلى الله عليه و سلم قبل النبوة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-12-05, 18:47   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2

من تولى كفالته - صلى الله عليه وسلم –؟


إن من رعاية الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم – أن هيأ له من يرعاه ويكفله بعد ولادته، فقد هيأ الله لكفالته بعد ولادته أمه، ثم جده، ثم عمه، حتى صار رجلاً يقوم برعاية نفسه، والله يؤيده، ويحميه ويحرسه، ويعصمه من الناس.

وقد امتن الله عليه بذلك في كتابه الكريم حيث قال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} سورة الضحى (3). إلى قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} سورة الضحى (6)(8). وكان من الذين سخرهم الله لإيوائه وكفالته أمه، ثم ما لبثت أن توفيت، فكفله جده، ثم لما توفي كفله عمه، وإليك بيان ذلك:



أولاً: كفالة أمه:

لقد عادت بالحبيب - صلى الله عليه وسلم- مرضعته حليمة السعدية لتكفله أمه آمنة، ويرعاه جده عبد المطلب ، والله - تعالى - كالئ الكل وحافظهم. وبهذا كانت آمنة الوالدة أول كافل للنبي - صلى الله عليه وسلم- في صباه، وشاء الله - تعالى - أن تخرج آمنة بغلامها الذكيّ النقي الطاهر إلى يثرب (المدينة) لتزيره أخواله من بني عدي بن النجار إذ هم أخوال أبيه، وخال الأب خال الابن، لأن أمّ عبد المطلب والد عبد الله هي سلمى بنت عمرو النجاريَّة. ولما وصلت آمنة بالأبواء عائدة من المدينة إلى مكة أدركتها المنية فماتت بها، وحضنت الحبيب محمداً الغلام اليافع مولاة أبيه أم أيمن بركة باركها الله ورضي عنها.

إنها أم أسامة حِبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وابن حبه زيد بن حارثة مولاه - رضي الله عنه وأرضاه - ، فوصلت به حاضنته أم أيمن مكة المكرمة فسلمته إلى جده عبد المطلب(1).


ثانياً: كفالة جده عبد المطلب:

وبعد موت أم النبيّ - صلى الله عليه وسلم- كفله جده عبد المطلب، وضمَّه إليه، ورقَّ عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا، وإذا نام، ولا يأكل طعاماً إلا ويقول: (عليّ ابني) فيؤتى به إليه، وبذلك عوَّضه الله. بحنان جده عن حنان الأبوين، وكانت حاضنته أم أيمن بعد وفاة أمه يعترف لها بذلك، ويقول: (هي أمي بعد أمي)(2). وكان عبد المطلب كثيراً ما يقول لها: يا بركة لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة.

وكان الجد يُسر لما يرى من مخايل الشرف والعزة على حفيده محمد، فقد كان لعبد المطلب فراش يوضع في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له، فكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم- – يأتي وهو غلام يافع فيجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب، والغبطة تملأ نفسه: دعوا ابني، فو الله إن له لشأناً!. ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيمينه ويضمه إليه.

فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى ابنه أبا طالب بكفالة النبيّ وحياطته، ثم مات عبد المطلب، ودفن بالحجون، وكانت سن النبيّ ثماني سنين.


ثالثاً: كفالة عمه أبي طالب له:

ثم كفله عمه أبو طالب، ولم يكن أبو طالب بأكبر بني عبد المطلب، ولا بأكثرهم مالاً، ولكنه كان أشرف قريش وأعظمها مكانة، وأكرمها نفساً، وقد أحب أبو طالب ابن أخيه محمد حباً شديداً، لا يحبه أحداً من ولده، فكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصَبَّ به صَبابة(3) . لم يصب مثلها بشيء قط.

وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شبعوا، فكان إذا أراد أن يؤكلهم قال: كما أنتم حتى يأتي ولدي، فيأتي النبيّ فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، فيعجب أبو طالب، ويقول: إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون رمصاً شُعثاً (4) . ويصبح محمد دهيناً كحيلاً، وقد زاده حباً في نفسه ما كان يتحلَّى به النبيّ في صباه من طيب الشمائل، وكريم الآداب في هيئة الأكل، والشرب، والجلوس، والكلام، مما يعز وجوده في هذه السن بين الصبيان، ويدل على أن الله - سبحانه - فطره من صغره على خير الخلال والآداب (5) . وخرج به عمّه إلى الشام في تجارة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وذلك من تمام لطفه به، لعدم مَنْ يقوم به إذا تركه بمكة، فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من الآيات فيه - صلى الله عليه وسلم- ما زاد عمّه في الوصاة به والحرص عليه، كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات، من تظليل الغمامة له، وميل الشجرة بظلها عليه، وتبشير بحيرة الراهب به، وأمره لعمه بالرجوع به لئلا يراه اليهود فيرومونه سوءً.

مكانة النبيّ - صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعض أعماله قبل النبوة:


كانت حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة حياة فاضلة شريفة، لم تعرف له فيها هفوة، ولم تُحصَ عليه فيها زلّة، لقد شبَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوطه الله - سبحانه وتعالى - بعنايته، ويحفظه من أقذار الجاهلية، لما يريده له من كرامته ورسالته، حتى صار أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزهاً وتكرماً حتى صار معروفاً (بالأمين).

لقد نشأ سليم العقيدة، صادق الإيمان، عميق التفكير، غير خاضع لترهات الجاهلية، فما عُرف عنه أنه سجد لصنم، أو تمسح به، أو ذهب إلى عرّاف أو كاهن، بل بُغِّضت إليه عبادة الأصنام، والتمسح بها. وكذلك بُغِّض إليه قول الشعر فلم يعرف عنه أنه قال شعراً، أو أنشأ قصيدة، أو حاول ذلك؛ لأن ذلك لا يتلاءم مع مقام النبوة، فالشعر شيء والنبوة شيء آخر. ولم يكن الشعراء بذوي الأخلاق، والسير المرضية، فلا عجب أن نزهه الله سبحانه عن الشر، والرسالة تقتضي انطلاقاً في الأسلوب والتعبير، والشعر تقيد والتزام. وصدق الله حيث يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} (69) سورة يــس.

ومع هذا فقد كان يتذوق ما في الشعر من جمال وحكمة وروعة، ويستنشده أصحابه أحياناً، ولا عجب فهو القائل: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة)(1).

ولم يشرب خمراً قط، ولا اقترف فاحشة، ولا انغمس فيما كان ينغمس فيه المجتمع العربي حينئذ من اللهو، واللعب، والميسر (القمار)، ومصاحبة الأشرار، ومعاشرة القيان، والجري وراء القيد الكواعب2 على ما كان عليه من فتوة، وشباب، وشرف نسب، وعزة قبيلة، وكمال، وجمال وغيرها من وسائل الإغراء.

لهذه الصفات والمميزات كانت المكانة الرفيعة له بين قومه، فكان يُدعى بالصادق الأمين، فهو صدوق عند قومه، وهو الأمين، فكان محل ثقة الناس وأماناتهم، لا يأتمنه أحد على وديعة من الودائع إلا أدّاها له، فكانت قريش لا تضع أمانتها إلا عنده لما سُمع من أمانته وصدقه، ولا يأتمنه أحد على سر أو كلام إلا وجده عند حس الظن به، فلا عجب أن كان معروفاً في قريش قبل النبوة (بالأمين)(3).

لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه، وأمانته حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره فوصولا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعه، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ(4). الحجر فوضعه موضعه - صلى الله عليه وسلم- ). ثم طفق لا يزداد فيهم على السِّنِّ إلاّ رضاً، حتى سموه الأمين، قبل أن ينزل عليه الوحي. قال: وطفقوا لا ينحرون جزوراً للبيع إلا دعوه ليدعو لهم فيها. وهذا يدل دلالة واضحة أنه - عليه الصلاة والسلام- بلغت مكانته درجة رفيعة عند قومه وعشيرته، وهذا شيء اختاره الله - عز وجل - لكي يمهد لرسالته.


أعماله - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة:

لقد قام النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته بأعمال عدة، وذلك ليعلمنا الجد والعمل، وخدمة النفس، وأن أفضل ما أكل ابن آدم من عمل يديه، وأنه لا ينبغي الاعتماد على الغير، بل ينبغي الجد والعمل لخدمة النفس، وأن ذلك مما يؤجر عليه الإنسان عن هو أصلح نيته، كما أنه لابد من التحلي بالأخلاق الرفيعة كالتواضع، والصدق والأمانة ، وغير ذلك من الأخلاق النبيلة، ومن هذه الأعمال التي قام بها النبي قبل البعثة ما يلي:


أولاً: رعيه - صلى الله عليه وسلم – للغنم:

قال ابن إسحاق: وحدثني ثور بن يزيد، عن بعض أهل العلم، ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعيّ: أن نفراً من أصحابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ قال: (نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمّي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور الشام، واستُرضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بَهْماً لنا إذا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بَطست من ذهب مملوءة ثلجاً، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي، فشقاه و استخرجا منه علقة سوداء فطرحاها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم زنه بمئة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم. ثم قال: زنه بألفٍ من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك، فوا الله لو وزنته بأمته لوزنها)(5).



رعيه - صلى الله عليه وسلم- للغنم وافتخاره بقُرَشيَّته:

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم)، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا). وإنما أراد ابن إسحاق بهذا الحديث رعايته الغنم في بني سعد مع أخيه من الرضاعة، وقد ثبت في الصحيح أنه رعاها بمكة أيضاً على قراريط لأهل مكة. الروض 1/192. (6)

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم- قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم). فقال أصحابه: وأنت؟ قال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)7.

ورث سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- عن أبيه خمسة من الإبل، وقطيعاً من الغنم، وجارية هي أم أيمن (أعتقها الرسول فيما بعد)، وزوجها مولاه زيد بن حارثة فولدت له أسامة.

فائدة: وتلك ثروة – في عرف زمانها - ضئيلة، إلا أن الله - تعالى - هيأ له الأسباب ، وعمل سيدنا محمد في رعي الغنم، فقد رعاها وهو صبي في بني سعد، ورعاها وهو شاب في مكة، وكان يذكر ذلك مغتبطاً ، فالعمل شرف، واكتساب الرزق فريضة.. وفي رواية البخاري قال - عليه الصلاة والسلام-: (ما بعث الله نبياً إلا وقد رعى الغنم). فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: (وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط) والقراريط: من أجزاء الدراهم والدنانير.

تعليق: ولعل لله حكمة في رعي النبيّ للغنم، فالرعي يكسب صاحبه يقظة حتى لا يعدوا الذئب على شاة منها ويجعله حريصاً على المصلحة، صابراً على المشاق، مثابراً على الهدف كي يوفر لغنمه مآكلها ومشاربها..

ثم إن الرعي بعد ذلك يدع للراعي فرصة للتأمل في مظاهر الطبيعة ، ونظام الكون حين يجلس في امتداد الصحراء يلحظ غنمه... والمتتبع لتاريخ الأنبياء يجد أن للغنم دوراً في هذا التاريخ... فإسماعيل - عليه السلام - ترتبط قصة حياته بكبش أنزله الله فداءً له وتصديقاً لرؤيا أبيه.. {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * ... إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ*} سورة الصافات(103)- (107).

وموسى - عليه السلام- وهو في الوادي المقدس ، حال المفاجأة الكبرى، جرى هذا الحوار: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى؟ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى*} سورة طـه(18).

ولما ائتمر القوم بموسى وتوجه تلقاء مدين وقعت أحداث كان للغنم فيها نصيب، فقد سقى للمرأتين ثم دعي إلى بيت أبيهما الشيخ الكبير، وانتهى الأمر بالزواج من إحداهما، وظل مع أبيها عشر سنين يرعى له الغنم: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} سورة القصص(26)(27)(28).

وداود - عليه السلام - تسور عليه الخصمان مكان عبادته ليحكم بينهما في شركة لأحدهما تسع وتسعون نعجة، وللأخر نعجة واحدة، وأراد صاحب النصيب الكبير أن يستأثر بالشركة كلها لنفسه، فحكم داود وعدل، وبين عبرة الحياة: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ...} سورة ص(24). وأشار القرآن إلى قصة نزاع بسبب الغنم تحاكم فيها أصحابها إلى داود وسليمان - عليهما السلام - فحكم سليمان وهو صغير بحكم غير حكم أبيه، وكان حكم سليمان أرفق: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} سورة الأنبياء(78) (79). وقال أكثر أهل العلم: إن الحرث الذي حكم فيه سليمان وداود – {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} – بستان عنب، والنفش: رعي الغنم ليلاً خاصة. وقيل : كان الحرث المذكور زرعاً. وذكروا أن داود حكم بدفع الغنم لأهل الحرث عوضاً عن حرثهم الذي نفشت فيه فأكلته.

وقال بعض أهل العلم: اعتبر قيمة الحرث فوجد الغنم بقدر القيمة فدفعها إلى أصحاب الحرث، إما لأنه لم يكن لهم دراهم أو تعذر بيعها، ورضوا بدفعها، ورضي أولئك بأخذها بدلاً من القيمة.

وأما سليمان فحكم بالضمان على أصحاب الغنم، وأن يضمنوا ذلك بالمثل بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان حين نفشت فيه غنمهم، ولم يضيع عليهم غلته من حيث الإتلاف إلى حين العود، بل أعطى أصحاب البستان ما شية أولئك ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم ، وقد اعتبر النماءين فوجدهما سواء.. قالوا: وهذا هو العلم الذي خصة الله به وأثنى عليه بإدراكه .. هكذا يقولون - والله تعالى أعلم- 8.

لقد كان للرعي دور أساسي في التاريخ الإنساني، ولا زال للأنعام ارتباطها الوثيق بحياة الإنسان ... وصدق الله حيث يقول: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} سورة يــس(71 - 73). والأنبياء ما هم إلا بشر يعيشون مجتمعهم بكل معالمه الإنسانية، ولعل في رعي الغنم توطئة لرعي الخلق وسياستهم...9.

يتبــــــــع............










رد مع اقتباس