منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التصوف
الموضوع: التصوف
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-08-26, 09:22   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

علاقة التصوف بالأديان الأُخرى

سؤال: يُتَّهم التصوف من بعض الجهلة وأدعياء العلم بأنه مستقى من أصول غير إسلامية كالفارسية والهندوسية والبراهمية، كما أَطلق بعض أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم اسم التصوف على الرهبنة والبوذية والكهانة النصرانية والشعوذة الهندية، فقالوا هناك تصوف بوذي وهندي ونصراني وفارسي؛ أين التصوف من كل هذا، وأين هو من الشرع الإسلامي؟
جواب: إن علم التصوف مستمد من الكتاب والسنة النبوية جملةً وتفصيلاً، ومما سبق من نصوص يتبين لنا أن التصوف ليس أمراً مستحدثاً جديداً، ولكنه مأخوذ من الكتاب والسنة وحياة الصحابة الكرام، ومن إلهامات الصالحين الربانيين وفتوحات العارفين الصديقين. وعلى القارئ إذا أراد أن يتبحر في ذلك أن يعود إلى كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وأن يقرأ في أربعة كتب منه وهي: «كتاب العبادات» و «كتاب العادات» و «كتاب المهلكات» و «كتاب المنجيات» ليعرف السالك أن التصوف هو التطبيق العملي للإسلام وأنه يستمد فكره من الكتاب والسنة، وأنه ليس هناك فعلاً إلا التصوف الإسلامي فقط. وإنما أُريدَ بتلك التهم تشويه اسم التصوف باتهامه بأنه يرجع في نشأته إلى تلك الأصول القديمة والفلسفات الضالة، ومن ثَم إبعاد المسلمين عن حقيقة وجوهر وروح دينهم، حتى يكونوا مجردين من الروح والخلق، حافظين لنصوص دينهم دون عمل وفهم وتذوق.
إن مصدر علوم التصوف هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق بالإجماع. وقد جاءت هذه العلوم لتحقيق الكمالات علماً وعملاً وحالاً، ولتكميل العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق. وهذه رسالته صلى الله عليه وسلم.
أما ثبوت شرف التصوف، فلا شك أن الكتاب والسنة وإجماع الأئمة وردت بمدح جزيئات التصوف ودعائمه، كالتوبة والتقوى والإحسان والاستقامة والصدق والإخلاص والطمأنينة والزهد والورع والتوكل والرضا والتسليم والمحبة والمراقبة والصبر والشكر وغير ذلك من المسائل. وهذه ليست جديده ولا مبتدعة، وليست قديمة من فلسفات الفرس والهندوس وغيرها، إنما هي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما ربطنا بها إلا حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالصوفية أتبع الناس وأكثرهم إقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ودل ذلك على أنهم أحب الخلق إلى الله. قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (31 آل عمران) وروى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) وعلامة المحبة الإتّباع.
أما حكم الشرع في التصوف فقد قال الغزالي: (إنه فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم السلام) على اعتبار أن التصوف هو المدخل إلى تزكية الأنفس. وقال الإمام أبو الحسن الشاذلي رحمه الله: (من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مُصِرّاً على الكبائر من حيث لا يشعر ولا يدري، وحيث كان فرض عين يجب السفر إلى من يأخذه عنه إذا عُرف بالتربية والإرشاد واشتهر الدواء على يده).
قال أحد العارفين يُعرفنا مقامَ السالكين: (الناس ثلاثة، عالم وعابد وعارف صوفي. وكلهم أخذوا حظاً من الوراثة المحمدية، فالعالم ورث أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم تعلماً وتعليماً بشرط إخلاصه، وإلا خرج من الوراثة بالكلية، إذ الأعمال بلا إخلاص أشباح بلا أرواح، فمن ورث عن أبيه جارية ميتة فليس بوارث. والعابد ورث أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من قيام وصيام ومجاهدة ظاهرة. فقد قام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه وكان يصوم كثيرا ويفطر. والصوفي العارف ورث الجميع، فأخذ في بدايته ما يحتاج إليه من العلم، وقد يتبحر فيه ثم ينتقل إلى العمل على أكمل حال، ثم زاد عليهما بوراثة الأخلاق التي كان عليها باطنه صلى الله عليه وسلم من زهد وورع وخوف ورجاء وصبر وحلم وكرم وشجاعة وقناعة وتواضع وتوكل ومحبة ومعرفة وغير ذلك).

ويؤكد شيخنا وسيدنا عبد الرحمن الشريف في رسائله التي تضمنت نظرته النقية الواضحة للتصوف يؤكد على قول القائل: (من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تفقه وتصوف فقد تحقق). ويقول رضي الله عنه: (إن الشريعة أقوال والطريقة أفعال والحقيقة أنوار والمعرفة أسرار. فالشريعة القشر الظاهر والطريقة اللب الفاخر والحقيقة الذهن الذي لا يُدرَك إلا بالذوق، والمعرفة هي اللذة المعجلة لأهل الحب فيه والشوق. فلا وصول إلى اللُّب إلا بعد الإحاطة بالقشر، وهي أوامر الشريعة ونواهيها. ولا ذوق إلا لمن سهر بالذكر والفكر).