رمضان.. فضائله، أركانه، فوائده، سننه ومكروهاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أما بعد:
فإن الصوم أحد أركان الإسلام العظام المعلوم من الدين بالضرورة دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وتواترت في فضله الأخيار، ولا شك أن هذه العبادة الجليلة مشتملة على جملة من الشرائط والأركان والواجبات والمستحبات التي أمر الله بها، كما أن للصوم مفسدات ومحرمات ومكروهات نهى الله عزّ وجلّ عنها. وللصوم فوائد مختلفة وحقائق قلبية متعددة؛ لذا يجب على المسلم معرفة هذه الأمور ليعبد ربه -عزّ وجلّ- على بصيرة، ولتكون العبادة مقبولة يثاب عليها الصائم بعظيم الثواب.
وإليك أخي القارئ شيئاً من ذلك:
من فضائل شهر رمضان:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وقال صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحدا أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك. وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» [متفق عليه].
• وقال صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون، فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلن يدخل منه أحد» [رواه البخاري ومسلم].
• وقال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم].
• وقال صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه؛ فيشفعان» [رواه أحمد وغيره وحسنه الهيثمي، وصححه الألباني].
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام
يا حبيباً زارنا في كل عام
***
قف لقيناك بحب مفعم
كل حب في سوى المولى حرام
***
فاغفر اللهم منا ذنبنا
ثم زدنا من عطاياك الجسام
***
لا تعاقبنا فقد عاقبنا
قلق أسهرنا جنح الظلام
أركان الصيام:
أركان الصيام أربعة وهي:
1- النية.
2- الإمساك عن المفطرات (كالأكل والشبر ونحوهما).
3- الزمان (من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس).
4- الصائم (المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصيام الخالي من الموانع كالمسافر، والمريض، والحائض والنفساء).
فوائد الصيام:
أ- فوائد روحية:
1- يوجِد في النفس ملكة التقوى التي هي من أعظم أسرار الصوم.
2- يعوِّد الصبر ويقوي الإرادة.
3- يعوِّد ضبط النفس ويساعد عليه.
4- يكسر النفس. فإن الشبع والروي ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والقطر والغفلة.
5- يساعد على تخلي القلب للفكر والذكر... فإن تناول الشهوات قد يقسي القلب ويعميه ويحول بين القلب وبين الذكر والفكر ويستدعي الغفلة، وخلو البطن من الطعام ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويهيئه للذكر والفكر.
6- يضيق مجاري الدم التي هي مجرى الشيطان الوسواس الخناس من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر قوة الشهوة والغضب.
ب- فوائد اجتماعية:
1- يعوِّد المسلمين النظام والاتحاد.
2- ينشر العدل والمساواة بين المسلمين.
3- يكوِّن في المؤمنين الرحمة وينمي السلوك الحسن.
4- يعرف الغني قدر نعمة الله عليه بما أنعم عليه ما منع منه كثيراً من الفقراء من فضول الطعام والشراب واللباس والنكاح، فإنه بامتناعه عن ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله تبارك وتعالى عليه بالغنى ويدعوه إلى مساعدة إخوانه الفقراء.
5- يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
ت- فوائد صحية:
1- يطهر الأمعاء.
2- يصلح المعدة.
3- ينظف البدن من الفضلات والرواسب.
4- يخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم.
محرمات الصوم ومكروهاته:
أ- محرمات الصوم:
وهي التي حرم على الإنسان فعلها في غير رمضان، ويتأكد التحريم لشرف الزمان وفضيلة شهر رمضان وهي الكذب والغيبة والنميمة وفحش القول والنظر إلى البرامج والأفلام الخليعة وسماع الأغاني وغيرها. قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري].
ب- مكروهات الصيام:
1- المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
2- ذوق الطعام بغير حاجة.
3- أن يجمع الصائم ريقه ويبتلعه.
4- مضغ العلك (اللبان) الذي لا يتحلل منه أجزاء (فإذا تحلل منه فإنه مفسد للصيام).
5- القبلة لمن تحرك شهوته.
6- ترك الصائم بقية طعام بين أسنانه.
7- شم ما لا يأمن أن تجذبه أنفاسه إلى حلقه كمسحوق المسك والبخور.
8- وصال الصوم يومين أو أكثر دون أن يأكل بينهما.
سنن الصيام:
يستحب للصائم أن يفعل الأشياء التالية:
1- كثرة قراءة القرآن العظيم بخشوع وتدبر.
2- كثرة ذكر الله -عزّ وجلّ-.
3- الإكثار من الصدقة.
4- كف فضل اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال التي لا إثم فيها.
5- تعجيل الفطر.
6- الفطر على رطبات وترا، وإلا على تمرات وإلا على ماء.
7- الدعاء عند فطره.
8- السحور مع تأخيره إلى قبيل الفجر.
9- تفطير الصائمين.
10- الاعتكاف في العشر الأواخر.
11- قيام لياليه وخاصة ليلة القدر.
حقائق الصوم القلبية:
هي ستة أمور:
1- غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله.
2- حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء.
3- كف السمع إلى الإصغاء إلى كل مكروه، لأن ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك قرن الله -عزّ وجلّ- بين السمع وأكل السحت. قال تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42].
4- كف بقية الجوارح من اليد والرجل عن الآثام والمكاره. وكف البطن عن كل طعام مشبوه وقت الإفطار. فلا يليق بالمسلم أن يصوم عن الطعام الحلال ثم يفطر على الطعام الحرام.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع» [صححه الألباني].
5- ألا يتكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ بطنه، فما من وعاء أشر من بطن مليء من حلال.
6- أن يكون قلبه بعد الإفطار مضطرباً بين الخوف والرجاء، إذ لا يدري أيقبل صومه، فيكون من المقربين أو يرد عليه، فيكون من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة.
مدرسة الصوم:
الصيام من أعظم ما يعين على محاربة الهوى، وقمع الشهوات، وتزكية النفس وإيقافها عند حدود الله تعالى، فالصائم يحبس لسانه عن اللغو والسباب والانزلاق في أعراض الناس، والسعي بينهم بالغيبة والنميمة المفسدة، والصوم يمنع صاحبه من الغش والخداع والتطفيف والمكر وارتكاب الفواحش والربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من أنواع الاحتيال، والصوم يجعل المسلم يسارع في فعل الخيرات من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على وجهها الصحيح وجهاتها المشروعة. ويجتهد في بذل الصدقات، وفعل المشاريع النافعة، والصوم يحمل صاحبه على تحصيل لقمة العيش على الوجه الحلال والبعد عن اقتراف الإثم والفواحش.
شهر الجهاد والنصر:
إن شهر الصوم هو شهر الجهاد في سبيل الله، وفي شهر الصوم كانت معظم انتصارات المسلمين، ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة انتصر الإسلام على الشرك في غزوة بدر الكبرى، وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق، وفي رمضان في السنة الثامنة للهجرة تم الفتح الأعظم فتح مكة، وفي رمضان في السنة التاسعة حدثت بعض أعمال غزوة تبوك، وفي رمضان السنة العاشرة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن.
مفسدات الصوم:
للصوم مفسدات إذا حصلت في نهار رمضان:
1- الأكل والشرب متعمداً.
2- الجماع.
3- إنزال المني باختياره.
4- الحجامة.
5- التقيؤ عمداً.
6- خروج دم الحيض والنفاس.
7- ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبرة المغذية.
نداء:
أخي الكريم...
أتاك شهر رمضان، وشهر التوبة والغفران، شهر تضاعف فيه الأعمال، وتحط فيه الأوزار فجد فيه بالطاعات وبادر فيه بالحسنات.
أخي الكريم... ألم يإن لك أن تقلع عن هواك، ألم يإن لك أن ترجع إلى باب مولاك، أنسيت ما خولك وأعطاك، أليس هو الذي خلقك فسواك، أليس هو الذي عطف عليك القلوب وبرزقه غذاك، أليس هو الذي ألهمك الإسلام وهداك، إرفع أكف الضراعة لمولاك، وقف ببابه، ولذ بحماه، فمن وقف ببابه تلقاه، ومن لاذ به حماه ووقاه، ومن توكل عليه كفاه، فبادر بالتوبة قبل لقياه، لعلك تحظى بالقبول، وتدرك المطلوب.
وفي الختام نسأل الله -عزّ وجلّ- أن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين
وب البخاري في صحيحه عن الربيع بنت مُعّود قالت: " كنا نصوم، ونصوَّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".
وقال العلماء: وهو ليس بواجب، ولكن ليتمرن الطفل عليه، وقاسوه على الصلاة، والأمر بها: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر » .
فما هو دورك أيتها الأم مع أولادك في رمضان.
1- عند الاستعداد لاستقبال الشهر يجب الاهتمام بإظهار الفرحة وتزيين البيت، ليشعر الأولاد بأهمية الزائر الجديد.
2- لتكن لك جلسة مع أولادك في بداية رمضان -ويفضل أن يحضرها الوالد-، وحدثيهم عن فضل الشهر الكريم وأبواب الجنة المفتوحة، وأنه فرصة لكل واحد أن يزيد حسناته ويتقرب إلى الله، وانزلي لمستواهم في التفكير، وحدثيهم بما يفهمونه هم عن حب الله وطاعته.
3- ضعي معهم نظامًا لليوم وقواعد للاستفادة من الوقت كله، مثلا صممي معهم جدولاً للأعمال اليومية المطلوب أداؤها من مذاكرة وأداء واجبات ونظميها حسب المواعيد الجديدة في رمضان.
4- حددي للعبادات التي تريدين تعويدهم عليها أوقاتًا محددة في الجدول مثل الصلاة في وقتها، وقراءة القرآن والأذكار والصلاة في المسجد، وكذلك الأخلاق والسلوكيات مثل العفو وعدم التشاجر أو التلفظ بألفاظ سيئة... وهكذا، وفي نهاية كل يوم يتحدث كل واحد منا ما فعل من خير في يومه، وهل وقع في محظور أم لا ؟.
5- قولي لهم بأنك أنت أيضا تريدين الاستفادة من رمضان؛ لذلك يجب عليهم مساعدتك في أعمال المنزل حتى تأخذي ثواب رمضان أنت أيضًا، وحددي لكل منهم أعمالاً واضحة يستطيع أداءها، وأهمها تنظيم غرفهم وملابسهم وكتبهم وكل ما يخصهم.
6- أما الصوم فعليك بالتدرج مع الصغير عدة ساعات وهكذا ، واجعلي مكافأة عن كل يوم يصومه، وعن أول شهر يصومه كاملاً.
أما الأطفال الذين لا يصومون: اجعلي وجبتيهم الأساسيتين: الإفطار والسحور؛ ليسمعوا الدعاء ويشاركوا الكبار فرحتهم، وراعي الفروق بين الأولاد في التحمل.
7- اهتمي بالبنات، وخاصة القريبات من البلوغ، وعلميهن فقه الصيام.
8- اهتمي بابنك المراهق في مرحلة البلوغ، وحاولي أن تعقدي صداقة معه تقوم على الثقة والتقدير بجانب العطف والحنان.
9- وفي رياض القرآن اجعلي للطفل الذي يحسن القراءة ورداً يومياً، وليقرأه من المصحف، ويستمع إلى قراءتك، واجعليه يقلدك ما استطاع.
ويمكن أن يقرأ مقرر المدرسة، ولكن عليك أن تحددي مكانه من المصحف، فهذا يشبع الإثارة عنده ويزيد رغبته في تقليد الكبار.
ولماذا لا يحفظ قدرًا ولو يسيرًا من القرآن في رمضان؟
10- عودي طفلك على الجود في رمضان، وأن يدخر من مصروفه لذلك، واروي لهم بعض القصص حول الصدقة مثل: ( ليته كان كاملاً).
11- اصطحبي – أنت والوالد- طفلك إلى صلاة القيام وصلاة الفجر واهتمي بمحافظتهم على الصلوات الخمس.
12- أفهمي ابنك وابنتك أن الصيام لا يصلح بدون الخلق الحسن.
13- هل ستتركين ابنك فريسة للتليفزيون؟! حاولي توظيفه جيداً "مثل مشاهدة قناة المجد مثلاً" واهتمي بالشروط الصحية للمشاهدة.
14- وأخيرًا استعيني بالله وتوجهي إليه بالدعاء أن يتقبل الصيام والقيام
ما هي الكلمةالتي توجهونها للمسلمين بمناسبة دخول شهر رمضان؟
الحمد لله
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَفِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِفَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىسَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَيُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَعَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] هذا الشهرالمبارك موسم عظيم للخير والبركة والعبادة والطاعة.
فهو شهر عظيم، وموسمكريم، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقفلفيه أبواب النيران، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات. شهر أولهرحمه، وأوسطه مغفره، وآخره عتق من النار.
فاشكروه على ما أنعم عليكم به منمواسم الخير والبركات، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموامرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات تفوزوابطيب الحياة وتسعدوا بعد الممات.
والمؤمن الصادق كل الشهور عنده مواسمللعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة , ولكنه في شهر رمضان تتضاعف همته للخير وينشطقلبه للعبادة أكثر ، ويقبل على ربه سبحانه وتعالى , وربنا الكريم من جوده وكرمهتفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة في هذا الموقف الكريم وأجزل لهمالعطاء والمكافئة على صالح الأعمال .
ما أشبه الليلة بالبارحة..
هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات، فقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هيإلا فترة من الزمن وإذ بنا نستقبل رمضان مرة أخرى، فعلينا أن نبادر بالأعمالالصالحة في هذا الشهر العظيم، وأن نحرص على ملئه بما يرضي الله، وبما يُسعدنا يومنلقاه.
كيف نستعد لرمضان؟
إن الاستعدادفي رمضان يكون بمحاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير فيالواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات..
فيُقومالعبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان.. فالإيمان يزيد وينقص، يزيدبالطاعة وينقص بالمعصية، فأول طاعة يحققها العبد هي تحقيق العبودية لله وحده وينعقدفي نفسه ألا معبود بحق إلا الله، فيصرف جميع أنواع العبادة لله لا يشرك معه أحداًفي عبادته، ويستيقن كل منا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأنكل شيء بقدر.
ونمتنع عن كل ما يناقض تحقيق الشهادتين وذلك بالابتعاد عنالبدع والإحداث في الدين. وبتحقيق الولاء والبراء، بأن نوالي المؤمنين ونعاديالكافرين والمنافقين، ونفرح بانتصار المسلمين على أعدائهم، ونقتدي بالنبي صلى اللهعليه وسلم وأصحابه، ونستن بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديينمن بعده، ونحبها ونحب من يتمسك بها ويدافع عنها في أي أرض وبأي لون وجنسية كان.
بعد ذلك نحاسب أنفسنا على التقصير في فعل الطاعات كالتقصير في أداء الصلواتجماعة وذكر الله عز وجل وأداء الحقوق للجار وللأرحام وللمسلمين وإفشاء السلاموالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، والصبر على ذلك، والصبر عن فعـلالمنكرات، وعلى فعل الطاعات، وعلى أقدار الله عز وجل.
ثم تكون المحاسبة علىالمعاصي واتباع الشهوات بمنع أنفسنا من الاستمرار عليها، أي معصية كانت صغيرة أوكبيرة سواءً كانت معصية بالعين بالنظر إلى ما حرم الله أو بالسماع للمعازف أوبالمشي فيما لا يرضي الله عز وجل، أو بالبطش باليدين في ما لا يرضي الله، أو بأكلما حرم الله من الربا أو الرشوة أو غير ذلك مما يدخل في أكل أموال الناس بالباطل.
ويكون نصب أعيننا أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يدهبالليل ليتوب مسيء النهار، وقد قال سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَاالسَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِيالسَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِوَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَنيَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْيَعْلَمُونَ (135) أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌتَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُالْعَامِلِينَ} [سورة آل عمران: 133-136].
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاًإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة الزمر: 53]، وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِاللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} [سورة النساء: 110].
بهذهالمحاسبة وبالتوبة والاستغفار يجب علينا أن نستقبل رمضان، ف«الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواهاوتمنى على الله» [الراوي: شداد بن أوس - خلاصة الدرجة: ضعيف - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة].
إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح،والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرةالصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان إلى الغير والتصدق على الفقراء.
ففي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد فيه الشياطينوينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
فكونواعباد الله من أهل الخير متبعين في ذلك سلفكم الصالح مهتدين بسنة نبيكم صلى اللهعليه وسلم حتى نخرج من رمضان بذنب مغفور وعمل صالح مقبول.
واعلموا بأن شهررمضان خير الشهور:
قال ابن القيم: "ومن ذلك – أي المُفاضلة بين ما خَلَق الله – تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل العشرةالأخيرة على سائر الليالي" أهـ(زاد المعاد 1/56).
وفُضِّل هذا الشهر على غيره لأربعة أمور:
أولاً:
فيه خير ليلةمن ليالي السنة، وهي ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّاأَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُوَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىمَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 1-5].
فالعبادة في هذه الليلة خيرمن عبادة ألف شهر.
ثانياً:
أُنزلت فيه أفضل الكتب على أفضل الأنبياءعليهم السلام. قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَفِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىوَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. وقال تعالى: {إِنَّاأَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَايُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّامُرْسِلِينَ} [سورة الدخان: 3-5].
وروى أحمد والطبراني في معجمهالكبير عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلتالتوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل بثلاث عشرة مضت من رمضان، و أنزل الزبورلثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» [حسنهالألباني في السلسلة الصحيحة (1575)].
ثالثاً:
هذا الشهر تُفتح فيهأبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم وتُصفَّد الشياطين:
فعن أبي هريرة رضي اللهعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحتأبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» [رواه مسلم].
وروىالنَّسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلتالشياطين» [وصححه الألباني في صحيح الجامع (471)].
وروى الترمذيوابن ماجه وابن خزيمة في رواية: «إذا كان أول ليلة في شهررمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدَة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب،وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيالشر أقصر، ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة» [وحسنه الألباني في صحيحالجامع (759)].
فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً،فلو صُفدت الشياطين لم يقع ذلك؟
فالجواب: أنها إنما تَقِل عن الذي حافظ علىشروط الصيام وراعى آدابه.
أو أن المُصفَّد بعض الشياطين وهم المَرَدة لاكلُّهم.
أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس، فإنَّ وقوع ذلك فيهأقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباًغير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإِنسية(الفتح 4/145).
رابعاًَ:
فيه كثير منالعبادات، وبعضها لا توجد في غيره كالصيام والقيام وإطعام الطعام والاعتكاف والصدقةوقراءة القرآن.
أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعاً لذلك ويعيننا علىالصيام والقيام وفعل الطاعات وترك المنكرات.
والحمد لله رب العالمين.