منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القَوْلُ الأَصْوَب في حكم المسْحِ علَى الجَوْرَب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-11-20, 19:05   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبو إدريس
كبار الشخصيات
 
الأوسمة
وسام الشرف 
إحصائية العضو










افتراضي

[align=justify]وعند البحث والتدقيق واستقصاء معظم تلك الرِّوايات تبيّنَ لي أنّ القصَّةَ واحدة وما يرويه المغيرة رضي الله عنه إنما هو حادثةٌ جرتْ معه في غزوة تبوك فقط ولم تتكرر . والرُّواة الذين سمعوها منه إنما يروونها مجزّأةً ، أو أنه كان يحدِّث بها في بعض الأحيان كاملةً وفي أحيان يحدث بها مختصرة ، وهذا الأمر معروف عند علماء الحديث، فالراوي قد ينشط فيحدّث بكامل الرواية ، وقد يكون متعباً فيختصرها ويقتصر على ذكر موضع الشاهد .

وصيغة حديث المغيرة بن شعبة كما رواها الإمام مالك في الموطّأ والإمام أحمد في مسنده هي: ((أنّ رسول صلى الله عليه وسلم ذهبَ لحاجته في غزوة تبوك ، قال المغيرة : فذَهَبْتُ معه بماءٍ ، فجاء النّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَكَبْتُ عَليه ، فَغَسَل وجهه ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَديه مِنْ كُمِّ جُبَّته ، فلم يستطعْ مِنْ ضِيق كُمِّ جبّته ، فأخرَجَهما مِنْ تحت الجبّة ، فغَسَل يدَه ، ومسح برأسه ، ومَسَح على الخُفّين ، فجاءَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وعبدُ الرحمن يؤُمُّهم ، وقد صلّى لهم ركعة ، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَعَهم الرَّكعة التي بقيَت عليْهم ، فَفَزِعَ النّاس ، فلمّا فَرَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أحسنتم)) . انتهى

و "تبوك" مكانٌ بينه وبين المدينة من جهة الشّام أربع عشْرَة مرحلة (800كم تقريباً) ، وبينه وبين دمشق إحدى عشْرة مرحلة ، إذاً المسافة ما بين تبوك والمدينة كبيرة والسّفر فيها يستغرق أياماً ولياليَ عِدّة ، والحادثة التي جَرَتْ مع المغيرة كانت في إحدى هذه الليالي ، لذلك كان يقول مرّةً : خرجْتُ مع النّبي في بعض أسفاره ، ومرّة في سفَرٍ ، ومرّة يسمي الرّحلة فيقول في غزوة تبوك .

وكما مرَّ آنفاً فإن المغيرة تعلَّمَ المسحَ على الخفّين في طريق السفر لهذه الغزوة ، وغزوة تبوك كانت في آخر السّنة التاسعة للهجرة ، ولم يخرج بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لحجّة الوداع قبل وفاته في السّنة العاشرة ، وهذا أوضح دليل على أن قول المغيرة : "خرجْتُ مع النّبي في بعض أسفاره" يعني غزوة تبوك لا غيرها ، لأنه من غير المقبول أن يَتَعلَّم المغيرة ـ وهو من أذكى الناس بل من دهاة العرب ـ حُكْمَ المسحِ على الخفّين من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ من الأسـفار ثمّ كلما رآه في أسفارٍ أخرى يمسح عليهما يقول له : لم تنْزعْ خفيك يا رسول الله ؟ أو لقد نسيت يا رسول الله ؟ أو يهوي لينزع له خفيه ؛ وإنما مَرَدُّ كلِّ تلك الرّوايات هو إلى هذه الواقعة ، وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم . ولمّا كان هذا الأمر واضحاً في أذهان أئمة الحديث الكبار ، ثمّ جاءتهم رواية المسح على الجوربين عن المغيرة رفضوها وقالوا عنها : إنها معلولة والمحفوظ عن شعبة المسح على الخفّين . وإليك المزيد من الأدلة على أنّ الواقعة واحدة ـ باختصار ـ :

1 ًـ إنّ في جميع تلك الرّوايات المختلفة ، على كثرتها ، قولَ المغيرة وهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم :" وعليه يومئذٍ جُبَّةٌ شاميّة ، فذهب يغسل ذراعيه ، فضاق عليه كمُّ الجُبّة ، فأخرجهما من تحت جُبَّته"

2 ًـ إنّ هناك حدثاً مميَّزاً جاء في بعض الرّوايات ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما توضّأ ومسح على خفّيه ، لحق بالناس فإذا بهم أقاموا الصّلاة وأمّهم عبد الرحمن بن عوف ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه .

وهذه القصّة لا يمكن أن تتكرر وهي فريدة . والمهم في الموضوع أننا نجد هذه القصة كاملة في بعض الروايات ، ومختصرة في روايات أخرى ، وفي بعض الروايات يأتي ذكر أطرافها التي تشير إليها ، وهذه الروايات التي أتحدّث عنها هي نفسها التي ظنّها مَنْ صحّحَ الحديث منفصلةً عن بعضها ـ لأن في بعضها مسح الخفّين فقط وفي بعضها مسح الناصية والعمامة ، وفي بعضها كان يتوضّأ ثلاثاً ـ مما يدلنا على أن كل هذه الأوصاف إنّما كانت في واقعة واحدة .

3 ًـ إنّ الروايات ـ التي جاء فيها مرةً أن المغيرة أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه السلام : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ، ومرّة قال المغيرة للنبي صلى الله عليه وسلم أنسيتَ لم تنزع الخفّين فقال له صلى الله عليه وسلم لم أَنْسَ .. ، ومرّة قال المغيرة فمسح صلى الله عليه وسلم على الخفّين ، هكذا ومن دون استفهام بل حكاية حال ـ تنتهي دائماً بذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خَلْفَ ابن عوف ، مما يدل على أنّها قصّة واحدة وإنْ كانت ألفاظها المختلفة خَيَّلَت للبعض أنها قصص مختلفة .

4 ًـ لو كانت تلك الرِّوايات لحوادِثَ متعددة ، لفُهِمَ منها أنّ مسحَ النبي صلى الله عليه وسلم على الخفّين كان مشهوراً ومعروفاً ، وخاصّة عند الصحابة المتقدِّمين والمتتبّعين لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم أمثال الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . ولكننا نجد العكس فقد كان ابن عمر وغيره من الصّحابة ينكرون المسحَ على الخفّين([6]) حتى ثبت لهم أنه كان من فعله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم . فقد روى الإمام مالك في الموطّأ عن نافع وعبد الله بن دينار ، أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقّاص ، وهو أميرها، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفّين ، فأنكر ذلك عليه ، فقال له سعدٌ : سلْ أباك إذا قدمت عليه ؛ فقدم عبد الله بن عمر ، فنسي أن يسأل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حتى قدم سعد ، فقال : أسألت أباك ؟ فقال : لا ، فسأله عبدُ الله ، فقال عمر : إذا أدخلْتَ رِجْلَيْكَ في الخفين ، وهما طاهرتان ، فامسح عليهما ، قال عبد الله : وإنْ جاء أحدُنا مِنَ الغائط ؟ قال عمر : وإن جاء أحدُكم من الغائط([7])

ـ وقد قال الإمام ابن تيمية :".. إن أصلَ المسحِ على الخفّين خَفِي على كثير من السلف والخلف ، حتّى إن طائفة من الصحابة أنكروه ، وطائفة من فقهاء أهل المدينة وأهل البيت أنكروه مطلقاً ، وهو رواية عن مالك ، والمشهور عنه جوازه في السفر دون الحضر . وقد صنّف الإمام أحمد كتاباً كبيراً في (الأشربة) في تحريم المسكر ولم يذكر فيه خلافاً عن الصحابة ، فقيل له في ذلك (أي في المسح على الخفّين) فقال : هذا صحّ فيه الخلاف عن الصحابة بخلاف المُسكر. انتهى [الفتاوى 21/185]

6 ًـ وقد رُوِيَ هذا الحديث ، في المسح على الخفّين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، مِنْ نحو ستّين طريقاً ، (كما قال الإمام ابن عبد البرّ في "التمهيد" 11/127) . كلّهم يقول فمسح على الخفّين ، إلا أبا قيس ـ عبد الرحمن بن ثَرْوان ـ قال : ومسح على الجوربين والنعلين . فخالف الجميع . وقد وثّقه العجلي وابن معين ، ومع ذلك قال ابن معين : الناسُ كلُّهم يروونه على الخفّين ، غيرَ أبي قيس . وقال النسائي : ليس به بأس . وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، هو قليل الحديث ، وليس بحافظ ، قيل له: كيف حديثه ؟ فقال : صالح ، هو ليّن الحديث . وقال الدّارقطني في ((العلل)) 7/112 عند الكلام على هذا الحديث : لم يرْوه غير أبي قيس ، وهو مما يُغْمَزُ عليه به، لأنّ المحفوظ عن المغيرة المسحُ على الخفين . وقال عبدُ الله بنُ أحمد ـ فيما نقلَه العُقَيلي ـ : سألتُ أبي عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان ، فقال : هو كذا وكذا ـ وحرَّك يده ـ وهو يُخالِفُ في أحاديث . وقال الحافظ ابن حجر عنه :صدوق ربّما خالف .

ورحم الله عمر بن الخطاب القائل :

((السنّةُ ما سَنّهُ اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا خطأَ الرأي سنّةً للأمّة))

[/align]