السلام عليكم،
مازلنا مع موضوع الاغتراب واليوم نتكلم عن بعض النظريات المفسرة للاغتراب النفسي:
أ- نظرية كينستون (الاغتراب تعبير عن عدم الالتزام):
ظهرت نظرية في الاغتراب قدمها كينستون Keniston /1965/ وكانت محاور تنبثق من خلال دراسته الشهيرة التي صدرت تحت عنوان اللاملتزم The uncommitted وكان يحاول ان يشخص على حد تصوراته ملامح الاغتراب للشباب في المجتمع الأمريكي مؤداه:
"أن الاغتراب يظهر في ثنايا المجتمعات تبعاً لاختلاف الأنماط الثقافية والاجتماعية والسياسية لهذه المجتمعات وأن الاغتراب يتضمن فيما يتضمنه معاني التشاؤم والتوتر والصراعات النفسية تبعاً لما تحدثه تلك الأطر من ضغوط لا يتقبلها الشباب ويصبح الاغتراب وفق هذا الاعتراض من قبل الشباب بمثابة الرفض لهذه المعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية ويكون هذا الرفض الواهم من وجهة نظره هو الخيط الأساسي الذي ينسج من خلاله بعض الأفراد تصوراتهم المعبرة عن السخط وعدم الانتماء والتهرب من تحمل المسؤولية فيفقد هؤلاء ذواتهم ويخسر المجتمع قدراتهم.
وقد حاول كينستون أن يحدد الخصائص التي تشكل ملامح المغترب والتي تدفعه إلى فقدان الثقة بمن حوله وتحرمه من توظيف إرادته والسعي إلى تحقيق أهدافه والانصياع المستمكين لمشاعر التشاؤم والغضب على الوجه الآتي:
فقدان الثقة في التعامل مع الآخرين.
الإحساس بالقلق والتوتر النفسي.
الغضب .. واحتقار التفاعل مع المواقف.
ضياع القيم الجمالية في مقابل المسايرة لحركة الآلية وما يتبعها من عوامل مادية وتكنولوجية.
رفض القيم الاجتماعية التي تضغط على إرادة الإنسان.
الانسحاب وعدم تحمل المسؤولية.
ب- نظرية فيكتور فرانكل (الاغتراب تعبير عن غياب المعنى والجوع النفسي):
يرى فرانكل أن الإنسان إذا وجد في حياته معنى أو هدف فإن وجوده له أهميته وله مغزاه وإن حياته تستحق أن تعاش.
والإنسان يبحث عن معنى حياته بإرادة المعنى تلك التي يراها فرانكل بمثابة القوة الدافعة التي تدفع الإنسان لتحقيق أهدافه، المعنى الذي يريده فرانكل هو بمثابة الوعي الذي يعمل على تبصير الإنسان بمقدراته فيتحكم في رغباته ويمنع العوامل الخارجية بكل ما تعنيه من محسوسات من السيطرة على إرادة المعنى عنده. ويوجه فرانكل الإنسان الفرد إلى أن إرادة المعنى هي القيمة التي يحصل عليها الفرد من تحويل (القوة إلى فعل) لأن الفرد بمثابة حزمة من الإمكانات التي تسعى إلى التحقق أو هو بمثابة مجموعة من القوى الضمنية التي لا بد من مراعاتها لكي يتجنب الإنسان مواقف الإحباط أو مواقف الاغتراب.
ويحدث الاغتراب من وجهة نظر فرانكل اعتماداً على الأمور التالية:
عندما تفشل إرادة المعنى يحدث ما يسميه فرانكل بالإحباط الوجودي، الذي يجعل الإنسان تخبو عزيمته في الوصول إلى المعنى الذي يريده.
عندما يقع الإنسان فريسة للمسايرة والامتثال فيعاني على حد قول فرانكل من الفراغ الوجودي الذي تظهر ملامحه من خلال الشعور بالملل وفقدان الثقة بالذات والإحساس بالضياع.
عندما يتهرب الإنسان من تحمل المسؤولية نتيجة لعدم قدرته على مواجهة المواقف والصمود أمام المشكلات فيخسر وعيه بالالتزام بالمسؤولية وما يتعلق بها من إرادة تمكنه من التصرف الصحيح واختيار أهدافه بدقة ووعي وفهم.
عندما يضع الإنسان الفرد بدائل مادية لإرادته المعنوية فيجعل المال أو اللذة محوراً رئيسياً وتعويضاً جوهرياً عن تحقيق الهدف الأسمى من إرادة الفعل التي تتطلع إلى الإنجاز الأفضل والتصرف الراقي.
- نظرية أريك فروم (الاغتراب وأنماط الشخصية):
قدم أريك فروم نظريته من خلال تشخيص لبعض أنماط الشخصية المعبرة عن الاغتراب منطلقاً من تصوره عن بناء الشخصية حيث يرى هذا البناء يرجع إلى المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، فالفرد يولد مزوداً بعدد من الدوافع تحركه وتشكل متطلباته فيسعى إلى تحقيق ما يريد وقد يصطدم في هذا السعي بمجموعة من العوائق التي تجعله يشعر بالاغتراب.
وقد حاول فروم Fromm أن يجسد مفهوم الاغتراب من خلال هذه العلاقة غير المواتية بين المطالب وبين درجة تحقيقها حيث يضطر الإنسان الفرد إلى التنازل عن بعض مطالبه فتضيع منه على حد تعبير فروم (فرديته – His individuality) فنراه يعاني من الشعور بالاغتراب ويتصور فروم مجموعة العوامل تؤدي بالفرد إلى هذا الشعور نوجزها على الوجه الآتي:
التربية الخاطئة التي يتلقاها الفرد في عملية التطبيع الاجتماعي والتي قد تفقده لشدة أوامرها وتسلطها قدرته على التفاعل الاجتماعي السليم وما يتعلق به من إيجابية.
الحركة التكنولوجية والتي حولت الإنسان إلى مفهوم استهلاكي فحرمته من الشعور بهويته وقيمته والتي جعلته في نفس الوقت يلجأ إلى المسايرة الأوتوماتيكية.
شعور الإنسان الفرد بالملل نتيجة لهذه المسايرة الآلية التي جعلته يفقد الشعور برونق الحياة في تدفقها الطبيعي ومسارها الذي يحتاج إلى التعامل معها.
وقد حدد فروم أنماط الشخصية المعبرة عن الاغتراب على الوجه الآتي:
· النمط المستسلم:
ذلك النمط الذي يتوقع أن تأتي إليه الأشياء عن طريق الآخرين دون أن يشغل نفسه أو يوظف إرادته، أو يحاول أن يتفاعل مع المواقف، نمط اتكالي لا يقوى على شيء ويطلب من الآخرين كل شيء.
وهو يعاني من الشعور بالعجز والاغتراب.
· النمط المسواق:
ذلك النمط الذي يترك نفسه لتعصف بها رياح المواقف فهو لا يريد أن يعترض ولا يستطيع أن يظهر اعتراضه فيتحول إلى سلعة تباع وتشترى تحركها دوافع الحاجة وتلعب بها الظروف المحيطة فلا يملك صاحبها اعتماداً على هذا الموقف المعيب إلا أن يشعر بالخنوع والدونية.
·النمط المستغل:
وهو النمط الذي يريد أن يحصل على كل شيء مهما كانت الوسيلة فالغاية عنده تبرر الوسيلة فنراه يستخدم القسوة تارة والدهاء تارة أخرى ومثل هذا النمط يعاني من عدم الالتزام بالمعايير الخلقية ويشعر بالمعاناة النفسية من جراء أفعاله فيستبد به الشعور بالاغتراب.
يتبع