كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إنشاء الله
ثالثا: الأحاديث الصحيحة والضعيفةفي شهر شعبان
أولا: الأحاديثالصحيحة:
( حسن ):[ أحصواهلال شعبان لرمضان ولا تخلطوا برمضان ؛ إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكموصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم ؛ فإنها ليست تغمى عليكم العدة ] .(( الصحيحة )).
( صحيح ): [ يطلعالله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أومشاحن ] . ( المشرك : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاتهتعالى أو في صفاته أو في عبادته . والمشاحن : قال ابن الأثير : هو المعادي والشحناء : العداوة والتشاحن تفاعل منه وقال الأوزاعي : أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعةالمفارق لجماعة الأمة )(( الصحيحة )).
( حسن ) : [ شعبان بين رجب ورمضان يغفل الناس عنه ترفع فيه أعمال العباد فأحب أن لا يرفع عمليإلا وأنا صائم ] . (( الصحيحة )).
( صحيح ): [ صوموالرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب أو ظلمة أو هبوة فأكملوا العدة لاتستقبلوا الشهر استقبالا ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان ]( الهبوة : الغبرة . ويقال لدقاقالتراب إذا ارتفع : هبا يهبو هبوا ) (( الصحيحة )).
( صحيح ):[ عن أمسلمة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كانيصل شعبان برمضان] . (( صحيح وضعيف سننالنسائي )).
( حسن صحيح ): [ عنأبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالتكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوموكان يصوم شعبان أو عامة شعبان ] . (( صحيح وضعيف سنن النسائي )).
( صحيح ): [ عن عائشة قالت لقد كانت إحدانا تفطر في رمضان فما تقدرعلى أن تقضي حتى يدخل شعبان وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر مايصوم في شعبان كان يصومه كله إلا قليلا بل كان يصومه كله ] . (( صحيح وضعيف سنن النسائي )).
( صحيح ): [ عنخالد عن جبير بن نفير أن رجلا سأل عائشة عن الصيام فقالت إن رسول الله صلى اللهعليه وسلم كان يصوم شعبان كله ويتحرى صيام الاثنين والخميس ] . (( صحيح وضعيف سنن النسائي )).
( صحيح ): [ عنسماك قال دخلت على عكرمة في يوم قد أشكل من رمضان هو أم من شعبان وهو يأكل خبزاوبقلا ولبنا فقال لي هلم فقلت إني صائم قال وحلف بالله لتفطرن قلت سبحان الله مرتينفلما رأيته يحلف لا يستثني تقدمت قلت هات الآن ما عندك قال سمعت ابن عباس يقول قالرسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينهسحابة أو ظلمة فأكملوا العدة عدة شعبان ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ولا تصلوارمضان بيوم من شعبان ] . (( صحيح وضعيف سننالنسائي )).
( صحيح ): [ عن عائشة قالت إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فماأقضيه حتى يجيء شعبان ]. (( صحيح وضعيف سنن النسائي )).
( صحيح ):[عنعائشة قالت كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان بل كانيصله برمضان ] . (( صحيح وضعيف سنن النسائي )).
( صحيح ): [ عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكنيصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان ويصل به رمضان ] . (( صحيحوضعيف سنن النسائي )).
( صحيح ): [ عنعبد الله بن أبي قيس قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عدثلاثين يوما ثم صام ] . (( صحيح وضعيف سنن أبيداود )).
(صحيح): [ عنعمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من شهر شعبان شيئاقال لا قال فإذا أفطرت فصم يوما وقال أحدهما يومين ] . ((صحيح وضعيفسنن أبي داود)).
(صحيح): [ عنأبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان النصف من شعبان فلا صومحتى يجيء رمضان ] . ((صحيح وضعيف سنن ابنماجة)).
(حسن): [ إذاكان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين و يملي للكافرين و يدعأهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه ].صحيح وضعيف الجامع الصغير.
ثانيا: الأحاديث الضعيفةوالموضوعة:
( موضوع ): [ خمسليال لا ترد فيهن الدعوة : أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الجمعةوليلة الفطر وليلة النحر ] . (( الضعيفة )).
( موضوع ): [ إذاكانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروبالشمس إلى سماء الدنيان فيقول : ألا من مستغفر لي فأغفر له ؟ ألا مسترزق فأرزقه ؟ألا مبتلى فأعافيه ؟ ألا كذا ألا كذا ؟ حتى يطلع الفجر ] . (( الضعيفة )).
( موضوع ) :[ تدرون لم سمي شعبان ؟لأنه يشعب فيه خير كثير . وإنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي : يدنيها من الحر ].(( الضعيفة )).
( ضعيف جدا ) :[شعبان شهريورمضان شهر الله وشعبان المطهر ورمضان المكفر ].(( الضعيفة )).
( منكر ) :[ كان يصوم شعبان كله . قالت عائشة : يا رسول الله أحب الشهور إليك أن تصوم شعبان ؟ قال : إن الله يكتب على كل نفس منيتهتلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم ] . (( الضعيفة )).
(موضوع):[ خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهوشهر الله ، مَن عظّم شهر الله رجب ؛ عظم أمر الله ، ومن عظم أمر الله ؛ أدخله جناتالنعيم ، وأوجب له رضوانه الأكبر .وشعبان شهري ، فمن عظم شعبان ؛ فقد عظم أمري ،ومن عظم أمري ؛ كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة . وشهر رمضان شهر أمتي ، فمن عظمشهر رمضان وعظم حرمته ، ولم ينتهكه ، وصام نهاره ، وقام ليله ، وحفظ جوارحه ؛ خرجمن رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به ] . (( الضعيفة ))
(ضعيف):[ عن أنس قال سئل النبي صلى اللهعليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان فقال شعبان لتعظيم رمضان قيل فأي الصدقة أفضلقال صدقة في رمضان قال أبو عيسى هذا حديث غريب وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي ]. ((صحيحوضعيف سنن الترمذي)).
(ضعيف):[عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلىالله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع فقال أكنت تخافين أن يحيف الله عليكورسوله قلت يا رسول الله إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال إن الله عز وجل ينزلليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ]. ((صحيحوضعيف سنن الترمذي)).
(ضعيف):[إذا كان ليلة النصف من شعبان نادىمناد : هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ فلا يسأل أحد شيئا إلا أعطيإلا زانية بفرجها أو مشرك ] . ((صحيح وضعيف الجامعالصغير)).
(ضعيف):[إن الله يطلع على عباده في ليلةالنصف من شعبان فيغفر للمستغفرين و يرحم المسترحمين و يؤخر أهل الحقد كما هم ] . ((صحيح وضعيف الجامع الصغير)).
(ضعيف):[في ليلة النصف من شعبان يوحي اللهإلى ملك الموت يقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة ] . صحيح وضعيفالجامع الصغير.
(ضعيف جدا): [عنعائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبرائيل عليهالسلام فقال هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بنيكلب ولا ينظر الله فيها إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل ولاإلى عاق لوالديه ولا إلى مدمن خمر ]. (( ضعيف الترغيب والترهيب - الألباني )).
(ضعيف):[ عن عبد الله بن عمرو رضي اللهعنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصفمن شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتل نفس ] . (( ضعيفالترغيب والترهيب - الألباني )).
(ضعيف):[ عن عائشة رضي الله عنها قالت قامرسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض فلمارأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت فسمعته يقول في سجوده أعوذ بعفوك منعقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك إليك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علىنفسك فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال يا عائشة أو يا حميراء أظننت أنالنبي صلى الله عليه وسلم قد خاس بك قلت لا والله يا رسول الله ولكني ظننت أنك قبضتلطول سجودك فقال أتدرين أي ليلة هذه قلت الله ورسوله أعلم قال هذه ليلة النصف منشعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرينويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم ] . (( ضعيفالترغيب والترهيب - الألباني )).
(موضوع):[عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلةالتروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان] . (( ضعيف الترغيب والترهيب - الألباني )).
(ضعيف):[ عن عائشة عن النبي صلى الله عليهوسلم قال : " هل تدرين ما هذه الليل ؟ " يعني ليلة النصف من شعبان قالت : ما فيهايا رسول الله فقال : " فيها أن يكتب كل مولود من بني آدم في هذه السنة وفيها أنيكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة وفيها ترفع أعمالهم وفيها تنزل أرزاقهم " . فقالت : يا رسول الله ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى ؟ فقال : " ما منأحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى " . ثلاثا . قلت : ولا أنت يا رسول الله ؟فوضعيده على هامته فقال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " . يقولها ثلاث مرات ] . (( مشكاة المصابيح / الالباني)).
كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إنشاء الله
الحمد لله وحده ، و الصلاة و السلام على من لانبي بعده ، و على آله و صحبه و من اتبع هديه ؛ أما بعد:
فهذه خطبة جمعة 29 رجب 1429هـللشيخ الفاضل عز الدين رمضاني -حفظه الله تعالى- بعنوان :
" الحث على الاجتهاد في الأعمالفي شهر شعبان "
حيث ذَكَر فيها الشيخ فضل شهر شعبان ، و ذكَّرالحاضرين بما عليهم من الاجتهاد في العمل في هذا الشهر العظيم ، و على رأسها الصيام؛ و ذكر بعد أحكامه الخاصة بهذا الشهر و غير ذلك منالأمور....
كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إنشاء الله
حكم الاحتفالبليلة النصف من شعبان
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} [1] ، وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [2] ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبة الجمعة: ((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعدما بلغ البلاغ المبين، وبين للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال.
وأوضح صلى الله عليه وسلم أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال، فكله بدعة مردود على من أحدثه، ولو حسن قصده، وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر، وهكذا علماء الإسلام بعدهم، فأنكروا البدع وحذروا منها، كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة كابن وضاح ، والطرطوشي، وأبي شامة وغيرهم.
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع، كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم، وسيأتي ذكر بعض كلامهم إن شاء الله وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام وغيرهم، والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب، في كتابه: (لطائف المعارف) وغيره، والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان، فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام: أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وأنا أنقل لك أيها القارئ، ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة، حتى تكون على بينة في ذلك، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب: رد ما تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله -عز وجل - ، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب الاتباع، وما خالفهما وجب اطراحه، وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة لا يجوز فعله، فضلا عن الدعوة إليه وتحبيذه، كما قال سبحانه في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [3] ، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [4] ، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [5] ، وقال عز وجل: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [6] والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي نص في وجوب رد مسائل الخلاف إلى الكتاب والسنة، ووجوب الرضى بحكمهما، وأن ذلك هو مقتضى الإيمان، وخير للعباد في العاجل والآجل، وأحسن تأويلا: أي عاقبة.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه: (لطائف المعارف) في هذه المسألة - بعد كلام سبق - ما نصه: (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام؛ كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان، اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم، ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: لك كله بدعة واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويتكحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى، إلى أن قال: ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان: من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد، فإنه (في رواية) لم يستحب قيامها جماعة لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستحبها (في رواية)، لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك وهو من التابعين، فكذلك قيام ليلة النصف، لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام).
انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله، وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في ليلة النصف من شعبان، وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول، فهو غريب وضعيف. لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً، لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفردا أو في جماعة، وسواء أسره أو أعلنه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه: (الحوادث والبدع) ما نصه: (وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم، قال: ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلاً على ما سواها).
وقيل لابن أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر)،فقال: (لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصاً، انتهى المقصود.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في: (الفوائد المجموعة) ما نصه: (حديث: يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة إلخ وهو موضوع، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه، ورجاله مجهولون، وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل ) ، وقال في: (المختصر): ( حديث صلاة نصف شعبان باطل ) ، ولابن حبان من حديث علي: (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها)، ضعيف وقال في: (اللآلئ): ( مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات مع طول فضله، للديلمي وغيره موضوع) ، وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء قال: ( واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة موضوع وأربع عشرة ركعة موضوع ) .
وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب (الإحياء) وغيره وكذا من المفسرين، وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني - ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا، وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم بني كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة، على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها، لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة، على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه) انتهى المقصود.
وقال الحافظ العراقي: (حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه ) .
وقال الإمام النووي في كتاب (المجموع): (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء، ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب: (قوت القلوب)، و(إحياء علوم الدين)، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك).
وقد صنف الشيخ الإمام: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتاباً نفيساً في إبطالهما، فأحسن فيه وأجاد، وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً، ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة، لطال بنا الكلام، ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعاً لطالب الحق.
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [7] ، وما جاء في معناها من الآيات، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وما جاء في معناه من الأحاديث، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)) فلو كان تخصيص شيء من الليالي، بشيء من العبادة جائزا، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها. لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص.
ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها، نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وحث الأمة على قيامها، وفعل ذلك بنفسه، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه))،فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة، لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إليه، أو فعله بنفسه، ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة رضي الله عنهم إلى الأمة، ولم يكتموه عنهم، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم، وقد عرفت آنفا من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب، ولا في ليلة النصف من شعبان، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة، بدعة منكرة، وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب، التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج، لا يجوز تخصيصها بشيء من العبادة، كما لا يجوز الاحتفال بها، للأدلة السابقة، هذا لو علمت، فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها لا تعرف، وقول من قال: أنها ليلة سبع وعشرين من رجب، قول باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة، ولقد أحسن من قال:
وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها، والحذر مما خالفها، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] المائدة الآية 3.
[2] الشورى الآية 21.
[3] النساء الآية 59.
[4] الشورى الآية 10.
[5] آل عمران الآية 31.
[6] النساء الآية 65.
[7] المائدة الآية 3
كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إنشاء الله
من أحكام صيام شهرشعبان
قال الفقيه العلامة محمدبن صالح العثيمين رحمه الله
وَعَنْ عَائِشَةَكَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم,رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ, وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ, وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم اِسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍقَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ, وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِيمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ-شَعْبَانَ
الشرح:
أولا عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمهات المؤمنينعندهن من العلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ما ليس عند غيرهن ولهذا كانالنفر الثلاثة الذين سألوا عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم في السر إنما سألوازوجاته لأنهن أعلم وهذا من فوائد تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أنيحفظن من أعماله في السر ما لا يحفظه غيرهن
تقول{كَانَرَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ }
يعني يصوم ويكثر الصوم وعلى العكس من ذلك وهذا غير الصيام المعتاد الذيكان النبي عليه الصلاة والسلام يعتاده
لماذا يموه؟ لأن النبي صلى الله عليهوسلم إمام الأمة وقائد الأمة تعتريه أشغال وأحوال يكون فيها بعض العبادات أفضل منبعض فيراعي النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أفضل
ولهذا نحن نجزم أنه ما خرج معكل جنازة ولا صام كل يوم ولا يوما وأفطر يوما
وهكذا ينبغي للإنسان لأن يكونسائسا لنفسه ، إذا رأى فيها إقبالا على عمل ما وهو عمل صالح يفعل ما لم يشغله عنفريضة
ومنه أخذ العلماء تلك القاعدة المشهورة : وهو ما قد يعرض للمفضول مايجعله أفضل من الفاضل ، كل ذلك باعتبار المصالح .
لكن التبادل إنما هو فيأعمال التطوع فقد يكون هذا الشخص يصوم ونقول إن الصوم لك أفطر وهذا الشخص يفطرونقول إن الفطر لك أفضل
حتى قال العلماء لو أن طالب العلم إذا صام حصل له كسلوتعب ولم يجد نشاطه في طلب العلم ، قالوا الأفضل أن يفطر لأن طلب العلم افضل منالصوم
وكذلك أيضا لو الإنسان رأى أنه تعب أو مل من الصلاة فنقول له نم فالنومأفضل .
قولها{ وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان } :
إذا الرسول عليه الصلاة والسلام لا يصوم الشهر المحرم مع أنه قاللما سئل أي الصيام أفضل قال شهر الله المحرم وهو عليه الصلاة والسلام وإن صام فيمحرم لا يستكمله قطعا .
قالت( وما رأيته في شهر أكثر منهصياما في شعبان )
وظاهر كلامها حتى في محرم قيل لأن هذا الشهر شهر يغفلفيه الناس بين رجب ورمضان فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون فيه متعبدا وقيل بل لأنشعبان في مقدمة يدي رمضان
وقيل من أجل أن يمرض نفسه على الصوم ليتقبل رمضان
وتعدد العلل مما يزيد الحكم قوة
فوائد الحديث
1-أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم بحسب المصالح يؤخذ من قوله (كان يصوم حتى نقول لايفطر ويفطر حتى نقول لايصوم )
2-أنه ينبغي للإنسان أن يسوس نفسه في العمل الصالح ويروضها علىالعمل ويتبع ما هو أنسب .
فإن قلت كيف نجمع بين هذا الحديث وبين قول النبي صلىالله عليه وسلم : أحبالعمل عند الله أدومه وإن قل؟فالجواب : يقال لا تعارض لأننا نقول اترك العمل هكذا بل نقول اتركه لعمل آخر ،لمصلحة أو لعذر
قال النبي عليه الصلاة و السلام : "من مرض أوسافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما" ، كأنما فعله .
3-فيه دليلعلى فضيلة الصوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر منه حتى يقال إنه لا يفطرومن فضيلته أن للصوم تطوعا مقيدا وتطوعا مطلقا.
4-أن النبي صلى الله عليهوسلم لم يصم شهرا كاملا قط إلا رمضان .
هل يؤخذ منه أن تحريم الزوجة ليس بظهار ؟لا يمكن أخذ ذلك من الحديث وجه ذلك أن من خصال كفارة الظهار صوم شهرين متتابعين.
على كل حال يؤخذ من هذا الحديث أنه لا ينبغي للإنسان أن يصوم في التطوع شهراكاملا ، يؤخذ من كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ن وفعل النبي صلى اللهعليه وسلم سنة وتركه سنة ، طيب لو أنه صام يوما وأفطر يوما مدى الدهر هذا أفضلالصيام .
5-مشروعية إكثار الصوم في شعبان يؤخذ من قوله{وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ }
هل يؤخذ منه بيان ضعف الحديث الذي رواه أبو هريرة " إذا انتصف شعبانفلا تصوموا ؟ نعم . كيف ذلك ؟ ما دام أنه يكثر الصيام في شعبان دل على أنه ضعيفوفيه مناقشة
على كل حال نقول كما قال ابن القيم وجماعة من أهل العلم إن الشهرالمحرم أفضل الشهور في الصيام المطلق ، وشهر شعبان صوم مقيد
قلنا قد يؤخذ منهذا الحديث ضعف الحديث الذي رواه أبو هريرة " إذا انتصف شعبانفلا تصوموا"
وجهه :قولها{ ما رأيته في شهر أكر منهصياما في شعبان}
ولكن هذا فيه مناقشة :
لأنه قد يقال هو يكثر الصوم فيشعبان إذا صام خمسة عشر يوما منه وكان لا يصوم في الشهور الأخرى إلا عشرة أيام مثلافإنه يصدق أن يقال : ما رأيته في شهر أكر منه صياما في شعبان
ولكن لفظ الحديثاللفظ الثاني " كان يصومه كله " وفي لفظ " كان يصومه إلا قليلا"
وهذا يتبين به الدلالة على ضعفالحديث المذكور كما إن الإمام أحمد أعله بحديث " لا تقدموا رمضان بصوم يوم أويومين.
انتهى كلامه رحمه الله
المصدر : منشرح الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله لكتاب بلوغ المرام كتاب الصيامباب صوم التطوع وما نهي عن صومه .الشريط الثامن.
كل ما يتعلق بشهر شعبان تجده هنا إنشاء الله
أحكام تتعلق بشهرشعبان
شعبان هو اسم للشهر ،وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه ، وقيل تشعبهم في الغارات ،وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان ، ويجمع على شعبانات وشعابين .
الصيام في شعبان :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يصومحتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلارمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم ( 1833 ) ومسلم برقم ( 1956 ) ،
وفي رواية لمسلم برقم ( 1957 ) : " كان يصوم شعبان كله ،كان يصوم شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أنالنبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ، ويشهد لهما في صحيح مسلم برقم ( 1954 ) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " ما علمته - تعنيالنبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان " وفي رواية له أيضا برقم ( 1955 ) عنها قالت : " ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : " ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراكاملا غير رمضان " أخرجه البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157 ، وكان ابن عباس يكره أنيصوم شهرا كاملا غير رمضان ، قال ابن حجر رحمه الله : كان صيامه في شعبان تطوعاأكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان .
وعن أسامة بن زيد رضي اللهعنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ،فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمالإلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيبوالترهيب ص 425 ، وفي رواية لأبي داود برقم ( 2076 ) قالت : " كان أحب الشهور إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألبانيأنظر صحيح سنن أبي داوُد 2/461
قال ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل منصيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلتهمن الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ،وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلقبالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .
وقوله " شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان "
يشير إلى أنهلما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه ، فصارمغفولا عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام، وليس كذلك .
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله منالأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه .
وفيه دليل علىاستحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياءما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالىفي السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنهبالطاعة فوائد منها :
أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ،لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعضالسلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد ، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفانفيتصدق بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ، وكانالسلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال : " إذاأصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين " ، وقال قتادة : " يستحب للصائم أن يدَّهِن حتىتذهب عنه غبرة الصيام "
وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق علىالنفوس ، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركونفيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ، وعند مسلم ( رقم 2984 ) منحديث معقل بن يسار : " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " ( أي العبادة في زمن الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق ) .
وقد اختلف أهلالعلم في أسباب كثرة صيامه -صلى الله عليه وسلم - في شعبان على عدة أقوال :
1- أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمعفيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتتهقضاها .
2- وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوملذلك ، وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسولالله صلى الله عليه وسلم عن الصوم .
3- وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه : وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه : " ذلك شهر يغفل الناس عنه بينرجب ورمضان " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425
وكان إذادخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله بالصومقبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام الليل قضاه - فكانت عائشةحينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيضوكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فيجب التنبه والتنبيهعلى أن من بقي عليه شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادمولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة ( مثل العذر المستمر بينالرمضانين ) ، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبةوإطعام مسكين عن كل يوم ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد .
وكذلك من فوائدصوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط .
ولما كانشعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءةالقرآن والصدقة ، وقال سلمة بن سهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيببن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخلشعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن .
الصيام في آخر شعبان
ثبتفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال لا ، قال : فإذا أفطرت فصم يومين " وفيرواية البخاري : أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم : " هل صمت من سرر شعبان شيئا ؟ " أخرجه البخاري 4/200 ومسلم برقم ( 1161 )
وقد اختلف في تفسير السرار ،والمشهور أنه آخر الشهر ، يقال سِرار الشهر بكسر السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح، وسمي آخر الشهر سرار لاستسرار القمر فيه ( أي لاختفائه ) ، فإن قال قائل قد ثبتفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاتقدموا رمضان بيوم أو يومين ، إلا من كان يصوم صوما فليصمه " أخرجه البخاري رقم ( 1983 ) ومسلم برقم ( 1082 ) ، فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب : قالكثير من العلماء وأكثر شراح الحديث : إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليهوسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه ، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه . وقيل فيالمسألة أقوال أخرى ، وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان ، فهذا محرم .
الثاني : أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ،فجوّزه الجمهور.
الثالث : أن يصام بنية التطوع المطلق ، فكرهه من أمربالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوما كان يصومه - ورخص فيهمالك ومن وافقه ، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا ..
وبالجملة فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير منالعلماء ، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له بهعادة ، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره . فإن قال قائل لماذا يُكرهالصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة بالصيام ) فالجواب أنّ ذلك لمعانٍمنها :
أحدها : لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه ، كما نهي عن صيام يومالعيد لهذا المعنى ، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ، فزادوا فيه بآرائهموأهوائهم .
ولهذا نهي عن صيام يوم الشك ،قال عمار من صامه فقد عصى أباالقاسم صلى الله عليه وسلم ، ويوم الشك : هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أملا ؟ وهو الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله ، وأما يوم الغيم : فمن العلماء منجعله يوم شك ونهى عن صيامه ، وهو قول الأكثرين .
المعنى الثاني : الفصل بينصيام الفرض والنفل ، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع ، ولهذا حرم صياميوم العيد ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصلبينهما بسلام أو كلام ، وخصوصا سنة الفجر قبلها ، فإنه يشرع الفصل بينها وبينالفريضة ، ولهذا يشرع صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها .
ولما رأى النبي صلىالله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر ، فقال له : " آلصُّبح أربعا " رواهالبخاري رقم ( 663 ) .
وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد بهاغتنام الأكل ؛ لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ، وهذاخطأ وجهل ممن ظنه . والله تعالى أعلم .
المراجع : لطائف المعارففيما لمواسم العام من الوظائف : ابن رجب الحنبلي ، والإلمام بشيء من أحكام الصيام
عبد العزيز الراجحي .