منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-07-24, 16:26   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

1. فلسفته.
إن فلسفة الفارابي مبنية على تعاليم أفلاطون وأرسطو كما كانت قد فسرت في مدرسة بغداد في القرن العاشر، ومثل باقي المفكرين العرب آنذاك لم يفترض الفارابي فرقا رئيسيا بين الفيلسوفين، غير أنه اعتبر أن أفلاطون فيلسوف أعظم من أرسطو وكتب تعليقا على محاورات الجمهورية والقوانين، واعتبر ميتافيزيقاه ترى أن الله واحد وأنه ألواحد الذي منه يأتي كل الوجود، خالق العالم وموجوداته.(1)
ففلسفة الفارابي مزيج من أرسطو طاليسية وأفلاطونية حديثة مع صبغة إسلامية واضحة ونزعة شيعية إماميه لاشك فيها، هو أرسطو طاليسي في المنطق والطبيعيات أفلاطوني في الأخلاق والسياسة، أفلوطيني في فلسفة ما بعد الطبيعة، وهو قبل كل شيء فيلسوف الانتقاء والتوفيق، والمؤمن بوحدة الفلسفة المدافع عنها في كل حال(2).

وقد كان دفاعه عنها لرد دعوى المعترضين على الفلسفة بسبب تناقض مذاهب أعلامها وبخاصة بين مبدعيها، أفلاطون وأرسطو، وسعى من خلال الجمع بين آراء الحكمين اليونانيين تأكيد اللحمة ووحدة العقل والحقيقة.
وفكرة معرفة واجب الوجود هدف أساسي في فلسفة الفارابي فهي فكرة يدور حولها كل تفكير الفارابي وترتكز على منظومته الفكرية، وفهمه لحقيقة الوجود، ومعرفة الخالق جل شأنه العلة الفاعلة لجميع ألأشياء والمرتب لهذا العالم.
وقد اهتم الفارابي بالمنطق وبما بعد الطبيعة وبعلم الطبيعة، والفلسفة عنده هي العلم بالموجودات بما هي موجودة، وهي العلم الوحيد الجامع الذي يضع أمام العقل صورة شاملة للعالم.
ولا يقتصر المنطق عند الفارابي على تحليل التفكير العلمي، بل يشتمل على كثير من الملاحظات النحوية وعلى مباحث من نظرية المعرفة، والفرق بين المنطق والنَّحو هو أنَّ النَّحو يختص بلغة شعب واحد، أمَّا المنطق فقانون للتَّعبير بلغة العقل الإنساني عند جميع الأمم، وهو يسير من أبسط عناصر الكلام إلى أعقدها: من الكلمة إلى القضية إلى القياس.(3).
والفارابي له رأي فيما يخص بالمعاني الكلية والتي دار حولها جدل في العصور الوسطى فالفارابي يرى أن العقل الإنساني يستخرج الكلي من الجزئيات عن طريق التجريد، وأن لهذا الأخير وجوداً خاصاً به متقدما على وجود الجزئيات والنتيجة.
إن فلسفة الفارابي تتضمن المذاهب الثلاثة المتعلقة بالمعاني الكلّية، وهي: المذهب القائل بأن الكلي سابق على الجزئي، والمذهب القائل بأنه قائم به، والمذهب القائل بأنه يحصل بعده، وللفارابي رأي في الوجود، وهو لا يعد في جملة المعاني الكلية؟ أعني هل هو صفة تحمل على موضوع؟ وجواب الفارابي عن ذلك هو أنَّ الوجود علاقة نحوية أو علاقة منطقية، وليس هو بالمقولة التي تصدق على شيء في قضية، إذ ما وجود الشيء
إلاَّ الشيء نفسه.(4) والله عند الفارابي هو واجب الوجود من ناحية كونه الفاعل والغاية
فواجب الوجود ضروري للموجودات جميعاً، ولا يمكن أن تكون تلك الموجودات إلاَّ به(5).
ويذهب الفارابي إلى أن كل موجود، هو إما واجب الوجود وإما ممكن الوجود، ولا ثالث لهذين النوعين من الوجود ولمّا كان الممكن لابد أن تتقدم عليه علة تخرجه إلى الوجود، ثم لما كانت العلل لا يمكن أن تتسلسل إلى غير نهابة، كان لابد من الانتهاء إلى موجود واجب الوجود لا علة الوجود، وهو أزلّي، وهو موجود بالفعل من جميع جهاته ولا يعتريه، التغير، وهو عقل محض، وهو البرهان على جميع الأشياء، وهو العلة الأولى لسائر الموجودات، ومعنى الموجود الواجب يحمل في ذاته البرهان على أنَّه يجب أن يكون واحداً لا شريك له، فلو كان ثَم موجودات، كل منهما واجب الوجود، لكانا متفقين من وجه ومتباينين من وجه، وما به الاتفاق غير ما به التَّباين، فلا يكون كل منهما واحداً بالذَّات، وإذن، فالموجود الذّي له غاية الكمال يجب أن يكون واحداً وهو الله.(6)
إذا الفكرة الجوهرية التي تدور حولها فلسفة الفارابي هي فكرة واجب الوجود حيث أن هناك ترابط، لأن كل موجود إنما يستمد وجوده من هذا الأخير لذا كان لزاماً معرفة واجب الوجود معرفة تامة.
أما فيما يخص فلسفة الفارابي السياسية والأخلاقية يظهر ذلك في (أراء أهل المدينة الفاضلة) لأنها خير المدن على الأرض بالنسبة للبشر عامة، والشيء الأساسي والمهم هي التطلع إلى السعادة ألحقه التي يتمناها ويطلبها جميع الناس فقد بحث الفارابي في كتابه (نظرية الوجود) التي فحواها التمييز بين الممكن والواجب، وبين المدن الفاضلة ومضاداتها حيث أن الفارابي يبني المدينة من منطلق التمييز بين الصالح والفاسد من المدن في كتابه السابق الذكر، فهو يقصد من ذلك كله الإبانة عن الجماعة التي تطلب السعادة والمدن أو الجماعة التي يطلب أهلها أشياء مضادة، والسعادة في تصوره مرتبطة
بالتركيبة الإنسانية والنفس الإنسانية على حد سواء فالسعادة بنظره عند ما تسيطر النفس العاقلة (فضيلتها الحكمة) على النفس الغضبة (فضيلتها الشجاعة) والنفس الشهوانية (فضيلتها العفة) يصل الإنسان في الأخير للسعادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نوال الصايغ الصراف، المرجع في الفكر الفسلفي نحو توازن بين التفكير الميتافيزيقي والتفكير العلمي، دار الفكر العربي، بيروت، 1982م، ص139.
(2) حنا الفاخوري، خليل الجٌّر، تاريخ الفكر الفسلفي عند العرب، ص 471.
(3) كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي ( عربي، إنجليزي) مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 2000، ص390.
(4) كميل الحاج، مرجع سبق ذكره، ص 390، 391.
(5) منذر الكوثر، فلسفة الفارابي الله ... الوجود ... الإنسان، دار الحكمة، لندن، ط1، 2002، ص9.
(6) كميل الحاج، مرجع سبق ذكره، ص390،391.