الفصل الثاني: مشكلة الفيض عند الفارابي.
المبحث الأول: الفارابي واتجاهه الفلسفي.
1. حياته وآثاره.
أبو نصر محمد بن أوزلغ، ولد في فاراب ( إقليم خرسان التركي) من أب فارسي وأم تركية حوالي سنة 259هـ/870م، وتوفي في دمشق حوالي 339هـ/950م عاصر الأشعري وعاش مع الشاعر العباسي الكبير المتنبي في كنف سيف الدولة بحلب، وضع مؤلفات عديدة منها شروحات وتعليقات على كتب أفلاطون وأرسطو وجالينوس في موضوعات المنطق والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والسياسة.(1)
وقد لقب الفارابي بـ: (فيلسوف العرب)، وبـ: (المعلم الثاني) بعد أرسطو وهذا حقيقة يدل على المكانة التي حظي بها الفيلسوف في حقل الفكر العربي الإسلامي.
يحكي المؤرخون عن الفارابي أنه كان زكي النفس متجنبا للدنايا مقتنعاً من الدنيا بما يملك عليه حياته، يسيرة سيرة الحكماء، وكان هادئ الطبع، عاكفاً على التأمل والنظر في ملكوت الله، عاش في دولة العقل ملكاً، وفي العالم المادي مملوكاً، وبما أن الفارابي نشأ في أسرة مسلمة فقد كانت ثقافته لغوية ودينية وأقبل على العلوم الإسلامية من فقه وحديث وتفسير وتعلم اللغة العربية والتركية والفارسية.(2)
أكثر الفارابي من التأليف وعالج موضوعات مختلفة، إلا أنه لم يتح لكتبه أن تنال من الانتشار الواسع ما نالته كتب ابن سينا، ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما ذكره ابن خلكان من أن أكثر مؤلفاته يقع في رقاع منثورة وكراريس متفرقة، ومن أن الرجل لم يترك من الكتب الطويلة والرسائل المفصلة إلا القليل الذي لا يلفت النظر، ومن دواعي الأسف أن أكثر هذه المؤلفات قد فقد ولم يبق منها سوى ثلاثين رسالة تقريباً باللغة العربية وقد أحرز
الفارابي في القرون الوسطى شهرة واسعة جعلت اليهود ينكبون على آثاره وينقلونها إلى العبرية، وقد حفظت تلك الترجمات العبرية في مخطوطات تنازعتها مكتبات أوربا، كما حفظ عدد من الترجمات اللاتينية التي نقلت عنها أو عن الأصل العربي مباشرة.(3)
ويمكن تقسيم مؤلفات الفارابي إلى قسمين:
1- تصانيف شخصية مبتكرة.
2- شروح وتعليقات.
ومن مؤلفاته الشخصية غير الشروح ما يلي:
1- كتاب الجمع بين رأي الحكمين: أفلاطون وأرسطو.
2- كتاب عيون المسائل.
3- كتاب فصوص الحكم.
4- كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة.
5- كتاب إحصاء العلوم.
6- كتاب ما ينبغي أن يعلم قبل تعلم الفلسفة.
7- كتاب السياسة المدنية.
8- المسائل والأجوبة.
9- كتاب الموسيقى الكبير.
أما شروحه لكتب أرسطو وأفلاطون فمنها ما يلي:
1- كتاب المقولات في المنطق.
2- كتاب العبارة.
3- التحليلات الأولى والثانية.
4- كتاب الشعر والخطابة والسفسطية.
وشرح أيضا المقدمة التي كتبها فورفوريوس الصوري(4) وجعلها مقدمة لكتاب أرسطو المنطقية وهذه المقدمة هي المسماة (إيساغوجي) أو الكليات الخمس(5)، وشرح كذلك كتاب الأخلاق إلى نيقاماخوس لأرسطو، وشرح كتاب النواميس لأفلاطون، لذلك لم يكن عجباً أن يحتل الفارابي المقام الأول بين المفكرين والفلاسفة مما حدا بالمترجمين إلى وصفه بأنه أكبر فلاسفة الإسلام وبأنه فيلسوف المسلمين على الحقيقة وسموه بالمعلم الثاني ليكون أرسطو الفكر الإسلامي.(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد العربي، المناهج والمذاهب الفكرية والعلوم عند العرب، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، ص 103.
(2) محمد الحاج حسن الكمالي، محاضرات في الفلسفة الإسلامية، مؤسسة الفاو للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1993م، اليمن، ص63.
(3)حنا الفاخوري وخليل الجّر، تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص471.
(4) فورفوريوس الصوري ( ولد في صور حوالي 233م وتوفي 305م) تعرف إلى أفلوطين في روما سنة 263 ولزمه وتتلمذ عليه، جمع رسائل أفلوطين وكانت أربعاً وخمسين، وقدم لها بسيرة لحياة أفلوطين وسميت ( بالتاسوعات)، الأولى تتعلق بالإنسان والثانية والثالثة تتعلق بالعالم المحسوس، والرابعة بالنفس، والخامسة بالعقل، والسادسة بالعالم العلوي والوجود الدائم، ومن مؤلفاته أيضاً (ضد المسيحيين).
(5) الكليات الخمس: الجنس، النوع، الفصل، العرض الخاص، العرض العام.
(6) محمد حسن الكمالي، محاضرات في الفلسفة الإسلامية، مرجع سبق ذكره، ص 65.