2009-07-24, 15:41
|
رقم المشاركة : 10
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
2.الفيض عند إخوان الصفا.
إن إخوان الصفا(1) جماعة فلسفية توفيقية تلفيقية لأنها أخذت من كل فلسفة, ومن كل دين وحاولت التوفيق بين الأديان كلها وبين المذاهب الفلسفية القائمة آنذاك من فارسية ويونانية وإسلامية ثم بين الأديان والفلسفة ولقد تطرق إخوان الصفا في فلسفتهم كغيرهم من التيارات المعاصرة لها لمشكلة الفيض وخصصوا لها الخير الكبير من اهتماماتهم ومعالجاتهم الفلسفية.
إن الحديث عن مشكلة الفيض يقودنا بكل تأكيد إلى الحديث عن جماعة إخوان الصفا التي بدورها حاولت أن تجد لها حلاً، لكن وفقا لما يتطلب ويتطابق ومصالحها وأهدافها فهي كما يعرف عنها أنها جماعة توفيقية تلفيقية عمدت إلى التوفيق بين الأديان كلها وبين المذاهب الفلسفية القائمة آنذاك ثم بين الأديان والفلسفة.
وقد كانت نظرتهم إلى الفيض نظرة أفلاطونية أفلوطينية. وهي أن الله هو الصلاح والجود والصلاح من طبعه جود وفيض فكما أن الأنوار تنبعث من طبيعة الشمس كذلك تصدر الخلائق عن الله فيضاً وإشراقاً فالله هو علة الأشياء، وخالقها وظاهرها وأولها وأخرها وقد اخترع الله الأشياء في العقل وأوجدها في النفس وصورها في الهيولة. وقبل التوغل في هذا الموضوع نشير إلى أن الإخوان يميزون بين الخلق والإبداع فيفهمون بالخلق إيجاد شيء من شيء آخر كما قال الله تعالى: )خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ(.(2)
وأما الإبداع فهو إيجاد شيء من لا شيء ثم إنهم يثبتون المبدأ الأفلاطوني في شأن الفيض ويقلون: (ثم اعلم أن كل موجود تام فإنه يفيض منه على ما دونه فيض ما وأن ذلك الفيض هو من جوهره أغنى صورته المقومة التي هي ذاته والمثال في ذلك حرارة النار فإنها تفيض منها على ما حولها من الأجسام والتسخين والحرارة وهي جوهرية النار التي هي صورتها المقاومة لها ... وهكذا أيضا يفيض من الشمس النور و الضياء وعلى الأفلاك والهواء لأن النور جوهري في النفس وهي صورته المقومة لذاته ... ثم يوضح الإخوان أمرين آخرين هما أن المخلوق ليس جزاءاً من الخالق وأن الله مختار في فعله ... العالم ليس بجزء منه بل فضل تفضل به و جود أفاضه وفعل فعله بعد أن لم يكن فعل ولا تقدر أيضا ولا ينبغي أن تضن أن وجود العالم عن الله تعالى طبعاً بلا اختيار منه مثل وجود نور الشمس في الجو طبعاً للاختيار منها ... فأما الباري تعالى فمختار في فعله إن شاء فعل. وليس في الخالق من واجب لأن الله حكيم وخلقه للعالم حكمة وفعل الحكمة عن الحكيم واجب، زد على ذلك أن الإخوان يقولون بحدوث العالم ويتنكرون القدم وبرهانهم على ذلك أن العلم متحرك في كلياته وجزئياته. والإخوان يقسمون العالم إلى قسمين عالم جسماني وعالم روحاني أما الجسماني فهو الفلك المحيط وما يجوبه من سائر الأفلاك والكواكب والأركان والمولدات الثلاثة، وأما الروحاني فهو عالم العقل الفعال والنفس الكلية والهيولة والصور المجردة التي ليست بأجسام ذوات الأبعاد الثلاثة).(3)
فالعقل الفعال هو أول موجود فاض عن الله تعالى وهو جوهر بسيط روحاني، فيه جميع صور الموجود غير متراكمة ولا متزاحمة، كما تكون صور الموضوعات في نفس الصانع قبل إخراجها وصنعها وهو جهة الله عز وجل الذي لا يحول ولا يزول وهو الخلقة التامة والإبداع الأول ولما كان ذلك وجب أن يكون موضع كلمة الله التي بها خلق الأشياء كلها كما شاء لا معقب لحكمه. وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه في الرتبة يسمى العقل المنفعل وهو النفس الكلية والنفس الكلية جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل على الترتيب والنظام وهي وجه العقل الفعال وتحركت بالانفعال فأشرقت وجهها بما اتصل بها من نور الجبروت وبدا وجهها الكلي وهو الشمس فأشرق وترتب في موضعه اللائق به بموجب الحكمة الإلهية والعناية الربانية، وأفاض من النفس أيضا فيض آخر دونها في الرتبة يسمى الهيولى الأولى وهي جوهرة بسيطة روحانية قابلة من النفس والصور والأشكال بالزمان شيئاً بعد شيء وهكذا تظهر صور الموجودات كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن إخوان الصفا: هم جماعة سرية ظهرت في البصرة في النصف الثاني من القرن العاشر وقد أرادوا أن يظهروا الشريعة بواسطة الفلسفة وقد ألف الإخوان إحدى وخمسون رسالة بالإضافة إلى الرسالة الجامعة تبدأ رسالتهم بالرياضيات ثم تنتقل إلى المنطق والطبيعيات وتنتهي آخر الأمر إلى صوفية تحاول الاقتراب من معرفة الله.
(2) سورة غافر، الآية 67. (3) حنا الفخوري وخليل الجُّر، تاريخ الفلسفة العربية، دار الجليل، ط3، 1982م، بيروت، ص 262 - ص265.
|
|
|