منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-07-24, 15:16   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

المبحث الثالث: الفيض عند فلاسفة الإسلام.

1.الفيض عند ابن سينا.
كان للمبدأ الأفلاطوني القائل بأن (عن الواحد لا يصدر إلا واحد) الأثر الكبير في الفلاسفة المسلمين فكلما اعتمد الفارابي(1)على هذا المبدأ في تفسيره لحدوث نظرية الصدور ـ التي سنتطرق لها في الفصل الثاني ـ اعتمد ابن سينا(2) على الفارابي تبيان كيفية حدوث الفيض, وهذا كله كان بطريقة مختلفة تماما و بانتشار أوسع.
وعملية الصدور هذه مرتبطة بفعل الإدراك الذاتي ... فالموجود الأسمى بحكم إدراكه لذاته, من حيث هو عقل محض من جهة واصل لجميع الذوات الممكنة في العالم من جهة أخرى يولد من دون وسيط ما الخليقة بجملتها والنظام الذي يسري فيها ولا يرافق عملية التوليد هذه أي فعل من أفعال الإرادة أو القصد أو الفعل أو الانفعال ما عدا إدراكه لذاته حيث هو سبب لجميع الأشياء.(3)
ويصف ابن سينا صدور العالم عن الله كما وصفه الفارابي, فيقول (إن الله يعقل بذاته فيفيض عنه عقل واحد بالعدد هو ممكن بذاته واجب الوجود بغيره وعندما يعقل هذا العقل مبدأه يفيض عنه عقل ثاني هو العقل الكلي, وعندما يعقل ذاته بأنه واجب الوجود بغيره يفيض عنه نفس الفلك الأقصى, وعندما يعقل ذاته بأنه ممكن يكون عنه جرم ذلك الفلك.(4)

ويستمر الصدور على هذا النحو, فعن كل عقل تصدر ثلاثة أشياء عقل ونفس وجسم ولما كان العقل لا يمكن له تحريك الجسم بغير واسطة فلا بد له من نفس يؤثر بتوسطها وأخيرا يأتي العقل الفعال وعنه تصدر مادة الأشياء الأرضية والصور الجسمية والنفوس الإنسانية وهو يدبر هذه كلها وهذا الصدور أزلي ولا يجوز تصوره على غير ذلك ومحله الهيولى,(5) والهيولى مجرد إمكان أزلي لجميع الموجودات, والعقل لا يؤثر في الهيولى فهي الحد الذي يقف عنده فعل العقل, وهي مبدأ التكثر في الجزئيات كلها.(6)
وعلى هذا النحو نتصور الكيفية في نشأة كل عقل مفارق لفلك ونشأة نفسه وجرمه من عقل مفارق سابق عليه وصدور الموجودات بهذه الكيفية وعلى الترتيب السابق دون أن يكون هناك فجوة بين العالمين الأعلى والأسفل, لا يخرج الموجود الأول عن كونه موجدا للكل ومؤثرا في الكل.
لقد أخذ ابن سينا نظرية الفيض عن الفارابي فحافظ على المبادئ والطريقة وعدد العقول والأفلاك وطبيعتها ... ولكنه وضح بعض النقاط وعمقها فجاءت أكثر انسجاما وتماسكا فقد جعل الفارابي الفيض يصدر مثنى مثنى وأما بن سينا فقد جعله يصدر أثلاثا أثلاثا, إذا مادام التعقل والإحداث شيئا واحدا فينبغي أن يصدر عن كل عقل ثلاث فيوضات متدرجة في الشرف و الرتبة,لا اثنان فقط كما كان الحال عند الفارابي.(7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) االفارابي: أبو نصر بن أزلغ بن طرخان اشتهر باسم الفارابي ولد بمدينة فاراب وتسمى أيضا أتراز بتركستان, وذلك في(259هـ/873م ـ 339هـ, 950م).

(2) ابن سينا ibn sina: فيلسوف مسلم(980-1037م)و طبيب, عربي اللغة, إيراني المنشأ, حاول أن يقيم مذهب فلسفيا يجمع بين مبادئ الإسلام و تعاليم أفلاطون وأرسطو من آثاره (الشفاء, القانون) يتمحور تفكيره حول عدة مواضيع أهمها:المنطق, الله، النفس, الكون، الأخلاق, السياسة.
(3) ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية, دار المشرق، ط2, 2000م, بيروت, ص246.
(4) حنا الفاخوري وخليل الجر: تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب, الشركة المصرية العالمية للنشر, لونجمان, ط1، 2002م, بيروت, ص 605.
(5) الهيولى: لفظ يوناني بمعنى الأصل و المادة, وفي الاصطلاح بمعنى جوهر في الجسم, والهيولى عند القدماء على أربعة أقسام الهيولى الأولى جزء الجسم, الثانية نفس الجسم والثالثة والرابعة الجسم جزء لهما. والهيولى مرادفة للمادة والفرق بينهما أن المادة تقال لكل موضوع يقبل الكمال باجتماعه إلى غيره في حين أن الهيولى على الإطلاق هي المادة الأولى .
(6) محمد جلال شرف: الله والعالم والإنسان في الفكر الإسلامي, دار النهضة العربية, بيروت, لبنان,1980, ص.9.
(7) محمد جلال شرف، مرجع سبق ذكره, ص9.