2009-07-24, 15:10
|
رقم المشاركة : 7
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
2.نظرية الفيض عند أوغسطين.
نظرية الفيض أو الصدور هي بدورها قد شكلت نقطة بحث في العصور الوسطى وكان الفلاسفة في ذلك العصر آراءهم مختلفة حول هذه النظرية ومن بين هؤلاء الفلاسفة أوغسطين(1) الذي بحث في نظرية الفيض والعلم وكيفية الخلق, فهو يرى أن العالم ليس صادرا عن ذات الله صدورا أزليا الذي ذهب إليه أفلوطين والمانويين,(2) هذا يعني أن الذات الإلهية تتجزأ, فيصير الجزء محدوداً ومتغيراً والله بسيط لا متناهي ثابت كامل فهذا يدل أن العالم ليس أزليا, و أن إرادة الله أزلية و فعله أزلي بلا منازع ولا يوجد قبل وبعد إلا في مفعولاته.
لكن نسأل كيف كان الخلق؟ هل أوجد الله الأشياء على التوالي في ستة أيام ؟ إن في هذا التصور تشبيها لله بالصانع الإنساني ... فلقد خلق الله بعض الأشياء بالفعل وهي الدائمة الثابتة على صورتها البعض الآخر بالقوة وهي الكائنة الفاسدة, الطائفة الأولى تشمل الملائكة والنور والعناصر الأربعة والكوكب ونفس الإنسان الأول, والطائفة الثانية تشمل النبات والحيوان خلقها الله في أصول بذرية غير محسوسة أودعها طين الأرض ليتعهدها بعناية ويبلغها النضج والظهور.
إن أوغسطين قد وجد نظرية الأصول البذرية عند الرواقيين الذين جعلوها في العقل الإلهي الحال في مادة العالم, وعند أفلوطين وضعها في النفس الكلية فجعلها جزءا من العالم السفلي فإن الأصول البذرية ليست متجانسة بحيث يخرج أي نوع من أي أصل, وقد بين أوغسطين رأيه بكل صراحة (عناصر هذا العالم المادي حاصلة على قوة معينة وكيفية خاصة يرجع إليها ما يستطيعه أو لا يستطيع كل منها, و نوع الموجودات التي يمكن أن تخرج كل منها ... وهذا هو السبب في أنه لا يوجد فول من قمح ولا قمح من فول, ولا إنسان من الحيوان الأعجم و لا الحيوان الأعجم من الإنسان).(3)
وفي تكلم أوغسطين عن خلق العالم فيؤكد أنه لا توجد المخلوقات إلا بواسطة الله, إلا أنها ليست منه, فلو كانت منه لصارت تشبهه ومماثلة معه (هي تتغير وهو أبدي أزلي) أي لما كانت المخلوقات فإن العالم هو مفعول عرضي ومن الإرادة الإلهية.
و هو ليس ضروريا أزليا ولا أبديا كما زعم المانويون والرواقيون, وليس هناك من سبب إلا مشيئة الله بواسطة الكلام الإلهي أي الكلمة, وطبقا تم ذلك بفعل حر ومن العدم كذلك فإنه يخلق العالم خلق الزمان, وذلك بإرادة أزلية وفعل أزلي, وعندما يخلق الله فهو لا يفعل كالفنان الذي يفرض شكلا ما يكون في فكرة, على المادة الموجودة أمامه, لأنه يخلقها من العدم وليس الخلق صدورا أزليا كما اعتقد أفلوطين(لذلك فإن أوغسطين خالف أفلوطين) وكذلك المانويين, فلو كان صدورها كذلك لكان يعني أن الذات الإلهية ممكنة التجزؤ, وأن جزءا ما منها يصير متغيرا.(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أوغسطين(354م - 430م) فيلسوف مسيحي ذو أصول جزائرية ولد في تاجست (سوق أهراس حاليا) يعد من الفلاسفة الأوائل الذين أثروا في الفكر الفلسفي في العصر الوسيط من أهم آثاره (مدينة الله، الاعترافات).
(2) المانويين: هم أتباع ماني Mani ولد في القرن الثالث قبل الميلاد, وهم الذين يقولون بالإلهين(النور والظلمة) والخير والشر ومن ثم أصبحت تسمية المانوية Manichaeisniتطلق على كل مذهب فلسفي يعتمد على مبدأين فاعلين خالدين في الكون هما مبدأ الخير و مبدأ الشر.
(3) يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط, دار المعارف, 1958, ص.39.
(4) علي زيعور، أوغسطينوس ـ مقدمات في العقيدة المسيحية و الفلسفة الوسيطية, دار اقرأ, ط1, 1983م , بيروت, ص.162.
|
|
|