منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-07-24, 14:56   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

النور عن الشمس و ذلك دون أن يتغير جوهر الشمس وهنا إشارة إلى أن هذا الفيض لا يمس الجوهر الأول ولا يحدث فيه أي تغيير وقد حاول كذلك تقريب نظريته إلى الأذهان عن طريق أمثلة أخرى, ويرى بأن الكائن عندما يبلغ كماله يبدع كائنا آخر فهو لا يطيق أن يبقى في ذاته فكيف يمكن للكائن الكامل أن يحبس خيره في ذاته.
و هكذا فكل موجود يرتبط في وجوده بالأول دون أن ينقص من هذا الأخير شيء. وأول شيء ينبثق عن (الأول) هو العقل ويقال له (الأقنوم)(1) الثاني وهذا العقل دون الأول وأقل منه كمالا والوحدة من كل وجه التي كانت للأول تدب فيها الإثنينية, والأثنينية أدنى مرتبة من الوحدة في منطق القدماء, والسبب في ولوج الإثنينية فيه أن مقتضى كونه عقلا يستلزم معقولا, أي موضوعا للعقل, وهذا بعينه ما جعلنا ننفي عن الأول أن يكون عقلا أو أن يتصف بالعقل, فهنا إذن أثنينية في التصور حدثت بعد وحدة مطلقة وهذه الإثنينية هي ـ أو هذا العقل هو(المعنى واحد) ـ الأصل في الوجود وما فيه من تعدد و تكثر أو قل ـ والمعنى واحد أيضا ـ أن الوجود والعقل عند أفلوطين شيء واحد فهو إذا كان يعقل الأول ويتأمله كان عقلا وإذا كان يتقوم به ويستفيد منه في الوجود كان موجودا. وهكذا يكون الأقنوم الثاني عقلا و وجودا في آن واحد فها هنا إثنينية واضحة تسربت إلى أصل الوجود هو مبدأ التكثر و التعدد في العالم, فما الإثنينية إلا تكثر وتعدد في أول درجاتها ويضع أفلوطين هذا العقل في منزلة صانع العالم ديميورج démiurge(2)... والأقنوم الثاني أو العقل الذي هو فيض الأقنوم الأول أو (الواحد) و صورة له وانعكاس لنوره, يجتهد قدر الإمكان أن يضل بالقرب من مصدره الذي استفاد منه الوجود, ولذلك فإنه فور صدوره عنه يلتفت إليه ليتأمله ومن هذا الالتفات أو التأمل يتولد الأقنوم الثاني أبدية لا في زمان، فتأمل بالبتة إليه وإلى سائر الكائنات العقلية في العالم الأعلى هو في وقت واحد عمل عقلي مجرد وضرب من النشاط الخلاف المحسوس وهكذا يفيض عن العقل جوهر أو كينونة هي الأقنوم الثالث أو النفس الكلية, هي أيضا صورة للأقنوم الثاني و انعكاس لنوره وهي آخر المجودات في عالم العقل خاتمة المطاف وهي تنتمي إلى العالم الإلهي و لكنها دونه درجة(3)
ويعتبر عالم النفس هو العالم الذي تبدأ فيه الحركة على عكس العالم العقلي الخالي من الحركة والتعدد وعن حركة النفس السفلي ينبثق عالم الطبيعة, الذي يبدأ بالنبات المتصف بالحياة فقط, ثم يرقى إلى الحيوان المتصف بالحس أيضا, فالإنسان المتصف بالإضافة إلى ذلك بالنطق, وهذه هي التحليلات الثلاثة للنفس, أي الحياة, فالإحساس, فالنطق.(4)
وهكذا تمثل فلسفة أفلوطين دربا ميتافيزيقيا هابطا يصف الوجود من الأول إلى العقل ومن العقل إلى النفس إلى الأجسام المحسوسة أي تتدرج تدرجا تنازليا و تصاعديا من العلة إلى المعلول ومن المعلول إلى العلة من الكامل إلى الناقص ومن الناقص إلى الكامل ... إذن هذا هو أفلوطين شيخ الإسكندرانيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الأقنوم: هو الجوهر, والأقانيم الثلاثة عند المسيحيين, هي الأب,ا لابن, الروح القدس, وقد أدخل أفلوطين هذه اللفظة في اللغة الفسلفية, ثم تداولها الفلاسفة المسيحيون فيما بعد و أطلقوها على الأب و الابن و الروح القدس باعتبارها جواهر مستقلة و متميزة عن بعضها البعض .

(2) وقد أطلق أفلاطون هذا اللفظ على (صانع العالم) أي الله.
(3) عبد الرحمان مرحبا: مرجع سبق ذكره, ص.236 -238.

(4) ماجد فخري، تاريخ الفلسفة اليونانية، دار العلم للملايين، ط1، 1991م، بيروت، ص194، 195.