منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نظرية الفيض عند فلاسفة الإسلام-الفارابي نموذجاً
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-07-24, 14:36   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

3. تفيضون: )وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ(.(1)
أي وما تتلوا من شيء من القرآن وتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تخوضون فيه.(2)
)هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ(.(3)
بمعنى أنه أعلم بما تندفعون فيه من القدح في آياته كفى به شهيدً بيني وبينكم.(4)
إذا فمدلول كلمة الفيض الذي ورد في بعض آيات القرآن الكريم لم يختلف في معناه عما ذكرناه سابقا في المعنى اللغوي عند أغلب المفسرين .
هكذا و على أساس المدلول اللغوي قام المدلول الفلسفي للفيض.
3.المدلول الفلسفي للفيض:
نظرية الفيض(5) محل اهتمام وبحث الكثير من الفلاسفة والمفكرين المسلمين وغير المسلمين وهذا ما جعل مدلولاتها الفلسفية تكثر وتتغير حسب نظرة كل فيلسوف لها, ومحتوى نظرية الفيض يكمن في تفسير كيفية نشأة الموجودات المتنوعة من الواحد الثابت فالوجود يصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس تلقائيا، وهذا الفعل ضروري لأنه ناجم عن طبيعة المبدأ الأول و هكذا الفيض لا يكون عشوائيا بل بطريقة منتظمة فهي تنتقل من الواحد إلى الكثرة ومن الأول إلى العقول أي من الوجود الأبدي المطلق إلى الوجود الزماني المتغير ويكون بطريقة تسلسلية بحيث تتوالد عن بعضها البعض و يكون أول هاته الموجودات العقل الأول(6) وأخرها العالم المادي.
والعقل الأول هو الذي يحرك الفلك الأكبر(7) وبعده تأتي عقول الأفلاك الثمانية تباعا وبعضها عن بعض والعقول التسعة مجتمعة تمثل مرتبة الوجود الثانية وفي المرتبة الثالثة يوجد (العقل الفعال)­(8) في الإنسان وهو الذي يصل العالم العلوي بالمادي وتأتي النفس في المرحلة الرابعة وكل من العقل والنفس لا يضل على حال الوحدة الخالصة بل يتكثر بتكثر أفراد الإنسان, وفي المرتبة الخامسة توجد الصورة, وتأتي (المادة)(9) في المرتبة السادسة وبها تنتهي سلسلة الموجودات التي ليست ذواتها أجساما ... أما الأجسام بمنشئها القوة المتخيلة في العقل, وهي أجناس ستة مقابلة لمراتب الموجودات العقلية وهي الأجسام السماوية الحيوان الناطق, الحيوان الغير ناطق, أجسام النباتات والمعادن والأسطقسات(10) الأربعة وهي الماء والهواء والتراب والنار.(11)
كما أن هناك بعض التفسيرات أو المدلولات الأخرى لنظرية الفيض لا تختلف كثيرا على ما ذكرناه سابقا .
و يطلق الفيض في اصطلاح الفلاسفة على فعل فاعل يفعل دائما لا لعوض و لا لغرض وذلك الفاعل لا يكون إلا دائم الوجود لأن دوام صدور الفعل عنه تابع لدوام وجوده وهو المبدأ الفياض والواجب الوجود الذي يفيض عنه كل شيء فيضا ضروريا معقولا, وهو كما قال ابن سينا : (فاعل الكل: بمعنى أنه الموجود الذي يفيض عنه كل وجود فيضا والمقصود بالفيض أن جميع الموجودات التي يتألف منها العالم تفيض عن مبدأ واحد أو

جوهر(12) واحد من دون أن يكون في فعل هذا المبدأ أو الجوهر تراخ أو انقطاع, ولذلك كان القول بخلقه من العدم, والفيض بهذا المعنى يتضمن معنى الصيرورة (Devenir) كما يتضمن الحدوث في الزمان حدوثا متعاقبا مستمرا .(13)
وعلى ضوء هذه التعريفات الفيضية يمكننا إعطاء مفهوم شامل .
وهو أن نظرية الفيض في مفهومها الفلسفي نظرية فلسفية تاريخية وضعها أصحاب الأفلاطونية المحدثة(14), لتفسير كيفية خلق العالم وكيف صدرت الكثرة عن الواحد وصاغوها بأسلوب شعري خيالي مليء بالتشبيهات والتخيلات , ثم انتقلت إلى العالم الإسلامي فصاغها فلاسفته صياغة جديدة عقلانية دينية مع المحافظة على جوهرها وأطرها السابقة, وقد جوبهت من العالم الإسلامي بالرفض الشديد من الكثرة الغالبة وان كنا لا نعدم لها أنصارا متعصبين, وهكذا في النهاية أصبحت نظرية تاريخية عالمية كثر اللغط حولها, تصور الفكر الديني في لحظة تاريخية معينة متسلقا على نظرية أفلوطين plotin (205- 270م) عن تطور التفكير البشري في لحظة من لحظاته أكثر مما تعبر عن تفسير مقبول للعالم.(15)




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) سورة يونس الآية 61.
(2)محمد فريد وجدي, مرجع سبق ذكره, ص276.
(3) سورة الأحقاف الآية 8.
(4) محمد فريد وجدي، مرجع سبق ذكره، ص666.
(5) الفيض = الصدور.
(6)العقل الأول: وهو جوهر غير متجسم أصلا ولا هو في مادة و هو عند الفارابي الأول الذي يفيض عن الله.
(7)الفلك الأكبر: يقصد به الأفلاك الثمانية و العقول التسعة التي تتحرك بفعل العقل الأول.
­(8)العقل الفعال: هو العلة الفاعلة للإدراك و مبدأ الكمال أي هو الذي يخرج المعقولات من الماديات وهو عند الفارابي الروح القدس.
(9) المادة (Matter): حدد أرسطو المادة بأنها جوهر له امتداد وقابل للتجزئة, و له وزن ويمكنه أن يتخذ كل الأشكال, و أنها واقع موجود (بالقوة). أما في المعنى الفلسفي فالمادة تعني الواقع الموضوعي الذي يوجد مستقلا عن الوعي, وقد أدى العجز عن كشف العلاقة بين الوعي و المادة إلى المذاهب المثالية و الثنائية المختلفة.
(10)الأسطقس: لفظة يونانية معناها العنصر، (element)، وهي عند قدماء اليونان العناصر الأربعة: الماء والأرض والهواء والنار.
(11) محمود إسماعيل: سوسيوليجيا الفكر الإسلامي, طور الازدهار, ج3, سينا للنشر, ط1, 2000, بيروت لبنان, ص137.

(12) الجوهر: هناك عدة تعريفات للجوهر, ولكن سنعطي تعريفا يكون محصلة لأكبر عدد من التعريفات, وهو كالتالي: انه كائن يوجد بذاته, فهو ليس بحاجة إلى ذات أخرى يلازمها فقد تميز منذ البداية من جميع الأعراض التي تتطلب ذاتاً تلازمها.
(13)جميل صليبيا, المعجم الفلسفي, دار الكتاب اللبناني, (ب.س.ط),ص172.
(14) الافلاطونية المحدثة : بعد أن تم فتحها من قبل لاسكندر المقدوني, وتحولت الإسكندرية إلى أهم مركز للعلوم والآداب وملتقى التقاليد الشرقية القديمة وأسرار الاورفية والفيثاغورية ونظريات الفكر اليوناني, فجاءت الأفلاطونية الجديدة مزيجا من الفكر اليوناني المبكر(أرسطو, الرواقيين, الفياغوريين, أفلاطون),مع شيء من الفكر الهندوسي واليهودي وكان أبرز ممثليها أفلوطين, فعدت كآخر مجهود خلاق بذلته العصور الوثنية القديمة لإنتاج مذهب فلسفي شامل.
(15)محمد عبد الرحيم الزيني، مشكلة الفيض عند فلاسفة الإسلام, ديوان المطبوعات الجامعية,الجزائر,1993, ص14