"مشارق الأنوار على صحاح الآثار" لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي (المتوفى: 544هـ)
(وَقَوله كتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وَخلق آدم بِيَدِهِ وَيقبض السَّمَوَات بِيَدِهِ وَمثل هَذَا مِمَّا جَاءَ فِي الحَدِيث وَالْقُرْآن من إِضَافَة الْيَد إِلَى الله تَعَالَى اتّفق الْمُسلمُونَ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن الْيَد هُنَا لَيست بجارحة وَلَا جسم وَلَا صُورَة ونزهوا الله تَعَالَى عَن ذَلِك إِذْ هِيَ صِفَات الْمُحدثين واثبتوا مَا جَاءَ من ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى وآمنوا بِهِ وَلم ينفوه وَذهب كثير من السّلف إِلَى الْوُقُوف هُنَا وَلَا يزِيدُونَ ويسلمون ويكلون علم ذَلِك إِلَى الله وَرَسُوله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي كل مَا جَاءَ من مثله من الْمُتَشَابه وَذهب كثير من أَئِمَّة الْمُحَقِّقين من الْمُتَكَلِّمين مِنْهُم إِلَى أَنَّهَا صِفَات علمت من جِهَة الشَّرْع فأثبتوها صِفَات زَائِدَة على الصِّفَات الَّتِي يقتضيها الْعقل من الْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والحياة وَلم يتأولوها ووقفوا هُنَا وَذهب آخَرُونَ مِنْهُم إِلَى تَأْوِيلهَا على مُقْتَضى اللُّغَة الَّتِي أرسل بِالْبَيَانِ بهَا صَاحب الشَّرْع (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم فتأولوا الْيَد على الْقُدْرَة وعَلى الْمِنَّة وعَلى النِّعْمَة وَالْقُوَّة وَالْملك وَالسُّلْطَان وَالْحِفْظ والوقاية وَالطَّاعَة وَالْجَمَاعَة بِحَسب مَا يَلِيق تَأْوِيلهَا بالموضع الَّذِي أَتَت بِهِ وَكَذَلِكَ تأولوا غَيرهَا من الْأَلْفَاظ المشكلة وَلكُل قَول من ذَلِك سلف وقدوة وَوجه وَحجَّة وَلَا تخَالف بَينهم فِي ذَلِك إِلَّا من جِهَة الْوُقُوف أَو الْبَيَان وهم متفقون على الأَصْل الَّذِي قدمْنَاهُ من التَّنْزِيه وَالتَّسْبِيح لمن لَيْسَ كمثله شَيْء خلافًا للمجسمة المتبدعة الملحدة وَقَوله بِيَدِك الْخَيْر الْخَيْر بِيَدِك أَي ملكك وقدرتك وَقَوله وهم يَد على من سواهُم أَي جمَاعَة وَالْيَد الْجَمَاعَة أَيْضا يُرِيدُونَ أَنهم يتعاونون على أعدائهم من أهل الْملَل لَا يخذل بَعضهم بَعْضًا وَقيل قُوَّة على من سواهُم وَهُوَ يرجع إِلَى الْمَعْنى الأول .