إشكالية الملتقى :
تزخر تلمسان بتاريخ حافل ميز الحقب والأزمنة التاريخية المتعاقبة، فهي الحاضرة والقلعة الحضارية التي تنمى زهورا خلال الفترة الإسلامية منذ زمن الفتوحات، لتتحول إلى عاصمة سياسية كبيرة استقطب تاريخها مظاهر مختلفة من الازدهار الحضاري في جوانبه السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد تمكنت بفضل وزنها السياسي من ربط العلاقة مع دول الجوار الجغرافي والبلاد البعيدة باتجاه الشمال والصحراء الكبرى، واشتهرت بالعلم والعلماء والأولياء الصالحين حتى أضحت منارة علمية وثقافية تضاهيها من حيث المكانة كبريات الحواضر الإسلامية وغيرها، كما شكّلت رصيفا تجاريا ومحطة عبور هامة بين مختلف الأسواق والمراكز التجارية.
وفي العهد العثماني، لعبت تلمسان دورا مميزا في الحركة الثقافية والعلمية كونها واحدة من أهم مدن بايليك الغرب بفضل انتشار المدارس والتعليم، وازدهار الفنون . وبغير البعيد عن الحاضرة، كان الأسطول البحري يمثل القوة العسكرية ورائد حركة الجهاد البحري على طول الواجهة البحرية في حوض المتوسط مدافعا عن الثغور.
كما تميزت المرحلة الاستعمارية الفرنسية (1830-1962) بالاحتلال العسكري والعدوان على الأرض طيلة مرحلة استعمارية استيطانية، واجهها الجزائريون بالرد والمقاومة العسكرية تارة، وتارة أخرى بأساليب مختلفة، ففي سنة 1911 شهدت تلمسان حركة هجرة كبيرة باتجاه العالم الإسلامي (بلاد الشام والحجاز ومصر والدولة العثمانية...)، وفي المقابل ازداد نشاط الحركة الوطنية الجزائرية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى التي تجند فيها آلاف الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي لمواجهة الألمان وحلفائهم في جبهات القتال الأوروبية. كما لم ينقطع النشاط الوطني طول فترة ما بين الحربين ممثلا في الاتجاهات السياسية الكبرى في الحركة الوطنية الجزائرية، في وقت استمر القمع الاستعماري في كل أنحاء الجزائر ولعل مجازر ماي 1945 الرهيبة على المستوى الوطني، وفي الشرق الجزائري وفي عمالة وهران (تلمسان) مثال صادق على الهمجية الاستعمارية.
لقد مهدت هذه المرحلة الطويلة من النضال لعهد جديد ترجم من خلاله الوطنيون عصارة التجارب التي قادها أسلافهم لأزيد من قرن في مقاومة الاستعمار بإعلان الثورة التحريرية الكبرى في غرة نوفمبر 1954 التي ستستمر أكثر من سبع سنوات مارست خلالها القوات الاستعمارية ومن ورائها الحلف الأطلسي القمع والتقتيل والتنكيل والاعتقال والتعذيب...وإقامة المحتشدات والأسلاك المكهربة والألغام على الحدود باعتبارها جزءا من التحديات التي رفعها جيش التحرير الوطني والثورة عموما حتى وقف إطلاق النار في مارس 1962.
وانطلاقا من هذه المعطيات يأت عقد هذا المؤتمر الدولي حول تاريخ حاضرة تلمسان ونواحيها خلال مراحل تاريخية طويلة ومختلفة بالدراسة والمعالجة العلمية في تظاهرة تليق وحجم تلمسان كحاضرة، وبوزن الثورة الجزائرية التي تجاوزت أبعادها الوطنية والعربية والإفريقية والعالمية في إطار حركة التحرر المناهضة للاستعمار.