منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ألف حكاية وحكاية مع فارس الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-07-18, 02:55   رقم المشاركة : 154
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse

القصة رقم 79

تكذيب الناس لابن بطوطة
لا تنكرنّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله. فكثير من الخواص إذا سمعوا الأخبار الغريبة عن الدول السالفة بادر بالإنكار، وليس ذلك من الصواب؛ فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصُر المداركَ كلَّها فيها.
واعتبر ذلك بما نقصّه عليك من هذه الحكاية المستظرفة:
ورد بالمغرب في عهد السلطان أبي عنان رجل يُعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق، وتقلّب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند، واتصل بملكها، وكان له منه مكان، واستعمله في أمر القضاء بمذهب المالكية. ثم انقلب إلى المغرب، واتصل بالسلطان أبي عنان. وكان يحدّث عن شأن رحلته، وما رأى من العجائب بممالك الأرض. وأكثر ما كان يحدّث عن دولة صاحب الهند، ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون. فتناجى الناس بتكذيبه.
ولقيتُ أيامئذٍ وزيرَ السلطان. ففاوضته في هذا الشأن، وأريتُه إنكارَ أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه. فقال لي الوزير:
إيّاك أن تستنكر مثلَ هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن: وذلك أن وزيراً اعتقله سلطانُه ومكث في السجن سنين رَبِيَ فيها ابنه في ذلك المحبس. فلما أدرك وعقل، سأل عن اللحم الذي كان يتغذى به، فقال أبوه:
هذا لحم الغنم.
فقال:
وما الغنم يا أبتِ؟ تراها مثل الفأر؟! إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفأر، فحبسها كلها أبناء جنس الفأر!
وهذا كثيراً ما يعتري الناس في الأخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عن قصد الإغراب. فليكن الإنسان مهيمناً على نفسه، ومميزاً بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله، ومستقيم فطرته. فما دخل في نطاق الإمكان قَبِلَه، وما خرج عنه رفضه.
















رد مع اقتباس